الخبر وما وراء الخبر

ثلاث نقاط استوقفتني!

61

بقلم / مصباح الهمداني

لا يختلف اثنان من أصحاب العقول؛ على أن سيد المقاومة يمتلك من الكاريزما، وقوة الشخصية، وصلابة الموقف، وصدق المنطق؛ ما جعل العدو قبل الصديق؛ يحسب لكل كلمةٍ ألف حساب، ولكل معلومةٍ ألف دراسة، ولكل تهديد ألف استعداد…

صحيح أنَّ هُناكَ من يسبونه ويلعنونه، حتى في المنابر؛ فضلاً عن القنوات..لكن الحقيقة تبقى حقيقة، والخبر يبقى خبر.. وفي قلب “فلسطين المحتلة” أي “إسرائيل” يجِدُ الشارع الصهيوني في كلام هذا الرجل الصدق ، بل يقولون أنهم يصدقونه أكثر من حكوماتهم الكاذبة؛ مع أنهم يعرفون أنه عدوهم اللدود، وخصمهم الوحيد الذي حرر بلاده، وأخرج أسراه، وكنس الأرض بجيش الصهاينة الإسطورة، وفتت دبابات الإعجاز الميركافا.. وكم له من منجزات في حروبه مع الصهاينة…

وحين يتحدَّث الرجل؛ لا تمتلك إلا أن تصغي إليه بكل جوارحك، وفي خطابه الأخير استوقفتني ثلاث نقاط فيها من الدلالة والمعاني الشيء الكثير:

النقطة الأولى: حين تحدث عن خطورة تأييد المملكة السعودية لإسرائيل، ومدى خطورة هذا الأمر، وأنه ليس كمثل تأييد الأردن أو مصر أو أي بلدٍ آخر، بل تأييد المملكة وهي قبلة المسلمين، ومهبط الوحي يعني أن يقوم علماء البلاط السعودي بتزيين هذا التأييد والتطبيع؛ وكأنه جزء من الإسلام، ويتحولون في عشية وضحاها إلى علماء يدعون إلى محبة الصهاينة، وتسليمهم فلسطين، وتصويرهم بأنهم أبرياء ومظلومون، وأن الإسلام لا يجيز الظلم، وأنهم اصحاب كتاب، وقلوبهم بيضاء كما وجوههم، وأن على الفلسطينيين أن يتعاملوا بلطف مع اليهود، ويسلمون لهم كل شيء..إنها بالفعل خطورة بالغة خاصة وعلماء وخطباء المملكة يسيطرون على الحرمين الشريفين، وهناك يجتمع ملايين المسلمين ليستمعوا لمواعظ إجبارية وخطب مرسومة بعناية ومن خطباء محددين بالإسم، فيا ترى، ماذا سيصنع بكثير من عقول المسلمين أولئك الخطباء والدعاة خاصة إن جاءت الخطبة من إسرائيل..نعم من إسرائيل ..لا تستغربوا فقد استعمت لمحاضرة قصيرة ليهودي يدعى ( أفيخاي أدرعي) ويتحدث فيها واعظًا للمسلمين ويستدل بآيات القرآن ..
فماذا لو كتب مثل هذا الصهيوني؛ خُطب الجمعة ثم لحَّنها وزينها علماء ووعاظ بني سعود بأصواتهم الرنانة، وحجاباتهم المكوية، ولحاهم المدهونة.

النقطة الثانية: يسعى الصهاينة وعن طريق المملكة السعودية إلى جر المسلمين إلى عدو آخر غير العدو الذي ذكره الله في كتابه، في أكثر من موضع وعلى سبيل المثال لا الحصر قول الحق سبحانه
” لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود…” فكم هو الخطر كبير والمصيبة عظمى حينما تقول المملكة عبر علمائها وخطبائها ووعاظها ومن على منابر أقدس الأماكن عند المسلمين؛
بأن أشد عداوة للذين آمنوا ليسوا اليهود ، بل “إيران الإسلامية” ..
وبأن أشد الناس عداوة للذين آمنوا ليسوا اليهود؛ بل “يمن الإيمان والحكمة”..
وبأن أشد عداوة للذين آمنوا ليسوا اليهود، بل من هزموا اليهود”حزب الله في لبنان”
وبأن أشد عداوة للذين آمنوا ليسوا اليهود؛ بل من طردوا المحتل الأمريكي من العراق”الحشد العراقي”

وهكذا حين تتبنى المملكة توضيح الصورة للمسلمين من خلال العمالة والانبطاح؛
ستستخدم القرآن والسنة واللحى والمنابر والقداسة المكانية لحرف البوصلة تمامًا عن إسرائيل وخلق عدو جديد اسمه “إيران الإسلامية” أو “يمن الإيمان والحكمة” أو “قاهر اليهود؛ حزب الله” أو طارد الأمريكان؛ الحشد الشجاع” ..إنه أمرٌ خطير وبالفعل تُسوق له المملكة من خلال مراكز التنسيق الأمريكي السعودي الصهيوني وبدأت تطفو على السطح تغريدات وكتابات؛ من خطباء وكتاب تدعوا إلى تفضيل “الصهينة” على “فلسطين والقومجية” كما يسمونها.

النقطة الثالثة: حول العدوان الصهيوني على سوريا، وكيف كان الردُّ مزلزلاً ومجلجلاً بصواريخ كبيرة ومدمرة، وضرب أماكن عسكرية أربكت العدو، وأدخلتْ شعبه الخائف إلى الملاجىء في حالة رُعب كبيرة.. وكيفَ تم إبلاغ الصهاينة بأنهم لو تجاوزوا حدودهم فسيتم ضرب العمق الصهيوني في قلب فلسطين المحتلة.. وحينها أدرك العدو أن الأمر جدٌ لا هزل، وقولٌ يتبعه فِعل، وتأكد الصهيوني بأنَّ زمن “اضرِب العربَ ونام” قد ولى إلى غير رجعة، وأن سوريا قد مُلِئت حرسًا شديدًا وشُهبا، وأنها قد أصبحت كتلةً من اللهب تُحرق من اقترب منها، وأنها قد أصبحت كما جنوب لبنان، والتي يقفُ فيها راعي الغنم اللبناني شامخًا ؛ ويتبولَ جالسًا؛على الحاجز الحدودي الفاصِل؛ بلا خوفٍ ولا حساب؛.بينما ترقبه عيونُ الصهاينة خائفةً مذعورةً ومختبئةً مرتعبة..

وهكذا انقلبَ الحالُ في سوريا، فبعدَ القصفِ جاء الرد المزلزل، وبعد الرد وصل التهديد.. وخنعت إسرائيل خلف خوفها، وتحملت تلك الصاليات لأول مرةٍ في تاريخها من بلدٍ عربي منذ أكثر من أربعين عامًا…

تلك الثلاث المحطات استوقفتني لأستلهم منها دروسًا جديدة، ووعيًا متجددًا، في حضرة هذا القائِد المُلهَم، والملهِم؛ السيد حسن نصر الله…

فمن وصلته تنبيهات هذا القائد؛ ولم يجعَلَ منها سراجًا يستضيء به؛
سيجد الزمن يُخبره عن صدقها؛ولكن بعدَ أن أصبحتْ وقودًا يشتعِلُ به..