تشريعات الدين الإسلامي مرتبطة بعزتنا وكرامتنا ورفعتنا في الدنيا والاخرة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
ما يزال الموضوع هو حول موضوع: [معرفة الله] سبحانه وتعالى، لنعرف كيف نتولى الله، وليترسخ في نفوسنا شعور بعظمة الله، وثقة بالله، وتوكلا عليه.
الدرس سيكون حول: [الوعد والوعيد]، الوعد والوعيد فيما يعني ككلمة أصبحت تعني في استخدامنا لها: الوعد بالثواب، والوعيد الذي يعني: العقاب.
الوعد والوعيد: هو مما ملئت به صفحات القرآن الكريم وتكرر كثيراً في آيات الله في القرآن الكريم الحديث عن الجنة، الحديث عن النار بالتفصيل الكامل للجنة والنار.
الوعد للمؤمنين في الدنيا، الوعد للمتقين، الوعد لمن يسيرون على هدي الله في هذه الدنيا، وعدهم بأشياء كثيرة جداً، والوعيد لمن يخالفون هدي الله في هذه الدنيا، ومن يتمردون عليه، ومن يعصونه، توعدهم بعقوبات كثيرة جداً.
والمؤسف هو أن هذا العنوان – الوعد والوعيد – هو من المباحث التي نقرأها في كتب [علم الكلام]، والتي تقدم إلينا باعتبارها الكتب التي من خلالها نعرف الله سبحانه وتعالى، ولكن بعد هذا العنوان الكبير، تقدم المسألة في أضيق نطاق، فتجد ما يبحث عنه في تلك الفصول تحت هذا العنوان، هو ما يتعلق بموضوع: [الشفاعة]، [الخلود من عدمه] أو [الشفاعة للمجرمين من عدمها].
يتناول هذا الموضوع تناولاً موجزاً جداً، ثم نقفل صفحات أو دفة ذلك الكتاب ونرى أنفسنا وكأننا قد عرفنا الله سبحانه وتعالى، وعرفنا الوعد والوعيد!، هذا شيء.
الشيء الثاني أيضاً: أنه يقدم لنا [الوعد والوعيد] سواءً من خلال كتب [علم الكلام] أو من خلال ما يقدم لنا على منابرنا موضوع: [الجنة والنار] فقط, موضوع الجنة والنار، وعد ووعيد، وتقدم لنا الجنة وكأنها هي الغاية من خلقنا في هذه الدنيا، تقدم النار وكأنها تكاد أن تكون هي الغاية من وراء خلق المجرمين والكافرين في هذه الدنيا، فيصبح المفهوم لدينا والمترسخ في ذهنيتنا هو: كأن الناس إنما خلقوا هنا ليعيشوا فترة معينة في هذه الدنيا، فهي فقط مجرد مرور، هذا الوجود ليس له هناك غاية أكثر من أن يتميز هنا من الذي سيمشي إلى الجنة ومن الذي سيمشي إلى النار فقط.!
هذا المفهوم ناقص جداً، ومؤثر، وله سلبيات كثيرة فيما يتعلق بفهمنا للدين، وفيما يتعلق حتى باعتزازنا بالدين واستشعارنا لعظمة هذا الدين، مفهوم أدى إلى جهلنا بالغاية كلها من هذا الوجود.
نجد القرآن الكريم قدم قضية: الجنة والنار بكلها، باعتبارها آلة ترغيب وترهيب للبشر هنا في الدنيا ليستقيموا، لتستقيم الحياة، ليؤدي الإنسان المهمة التي استخلفه الله لأدائها، فجاء التحذير من نار جهنم، جاء الحديث الكثير عن جهنم، من أجل ماذا؟ أليس من أجل أن نلتزم هنا في الدنيا، من أجل أن نستقيم هنا في الدنيا؟ ثم نأتي إلى تشريعات هذا الدين، وإذا هي مرتبطة بالدنيا: نوع من التعامل فيما بيننا، لأداء مهام هي مرتبطة بحياتنا، مرتبطة بكرامتنا، بعزتنا، بقوَّتنا، برفعتنا، بسعادتنا، فيأتي الحديث عن جهنم ويتكرر في القرآن الكريم ليرسخ في ذهنيتنا: أن جهنم هي للتخويف لنا هنا في الدنيا وليس فقط لمجرد الإيمان، ثم متى ما حصل منك إيمان سينفعك، ولهذا تلاحظ متى ما أقفل ملفك في الدنيا، ملف الحياة، هل سينفع الإيمان بجهنم؟. لا.
في الحشر، في اليوم الذي طوله كما قال الله سبحانه وتعالى عنه: {خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ}(المعارج: من الآية4) سواء كان بمعنى خمسين يوما أو أن يكون بمعنى يوم واحد ينجز فيه ما ينجز في نحو خمسين ألف سنة – المهم أنه يوم طويل – أليس الناس سيكونون هناك كلهم مؤمنين، مؤمنين كلهم، مؤمنين بالجنة، ومؤمنين بالنار، هو يرى النار أمامه، أليس هذا اليقين والإيمان الواضح؟ لكن هل سينفعهم إيمانهم هناك؟ لا. لماذا؟
إذا كانت قضية الجنة والنار هي لمجرد الإيمان بهما والإيمان بك يا الله، لماذا لا ينفعنا الإيمان بك ونحن الآن في المحشر؟ – حسناً، آمنا – ؟ هل سينفع؟ لأن ساحة العمل هي الدنيا التي كان المطلوب أن تؤمن هناك لتستقيم تلك الحياة، لتقوم بمهمتك في الحياة على نحو صحيح.
نفس الشيء بالنسبة للجنة، قدمت الجنة وجاء الحديث عن الجنة ترغيباً للناس ليستقيموا هنا في الدنيا، لتستقيم الحياة في الدنيا، ليعملوا بالدين هنا، هنا في الدنيا فما الذي حصل؟ حصل تنصل عن هذه الحياة وفهم بأن الآخرة هي الغاية، هي الغاية من الوجود..
هي مأوى، هي مأوى، هي مرجع أما الغاية من الوجود، من وجود الناس فهي هنا في الدنيا.
{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}(البقرة: من الآية30) خليفة ماذا يعمل؟ خليفة تسخر له السموات والأرض وما فيهما وما بينهما، له دور كبير، له دور مهم؛ فتأتي الجنة للترغيب للمؤمنين، للترغيب للبشر جميعا أن يستقيموا، أن يلتزموا بهدي الله، وأن يستقيموا عليه، وأن يقوموا بأعمالهم في هذه الحياة وفق هداية الله سبحانه وتعالى لهم؛ وهو الذي قال لبني آدم من أول ما أهبط آدم من الجنة: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً}(طـه: من الآية123- 124) ألم يتحدث عن هذه الحياة؟.
ثم يقول: {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}(طـه: من الآية124) عندما يأوي، عندما يرجع. فالآخرة هي مرجع، هي مأوى، وليست هي الغاية من الوجود، ليست هي الغاية من وجود البشر هنا، لأنه كان بالإمكان أن يقال – سؤال أو تساؤل – لماذا لم تخلقنا في الجنة من أول يوم؟ ونسلم الضجة هذه، ونسلم الفساد هذا، ونسلم كل شيء، إذا كان المقصود هو: أن البشر الغاية التي وجدوا من أجلها هو أن يصيروا إلى الجنة، كان تخلقهم في الجنة من أول يوم.. كيف تجعل الآخرة هي غاية الوجود بكله وإذا بنا نرى نحو 90% من البشر على أقل تقدير هم متجهون إلى جهنم!.
يجب أن نفهم قضية الجنة والنار وفق النظرة القرآنية التي تدل على: أن الاستقامة هنا في الدنيا هي قضية مهمة جداً، وأن الجنة والنار في واقعهما تخويف وترغيب لنا، لنستقيم هنا في الدنيا، وليس فقط حتى لمجرد الإيمان بالله لأنه هل الله سبحانه وتعالى يختلف وضعيته في الدنيا والأخرى؟ هل تختلف؟ الله هو هو.
فإذا كان المطلوب هو: الإيمان بالجنة والإيمان بالنار، والغاية من وجودهما هو: أن نحصل على إيمان بك وبهما لمجرد الإيمان بهما، فالإيمان في الآخرة بالله، أليس شيئا سيحصل؟ لماذا لا ينفع؟ هل لأن الله اختلفت وضعيته؟ لا. هو، هو، الله سبحانه وتعالى هو من له الحمد في الأولى والآخرة، هو من لا يختلف بالنسبة له سبحانه وتعالى عالم الدنيا وعالم الآخرة، فلماذا لا يدخل أهل المحشر جميعا الجنة، وهم قد أصبحوا مؤمنين، أصبحوا مؤمنين، أصبحوا موقنين، أصبحوا منقطعين إلى الله، أصبحوا خائفين، وجلين؟ هل هناك شيء أقوى من إيمان الناس يوم القيامة؟ إيمان، لكن إيمان، يرون جهنم أمامهم، من هو الذي لا يحصل في نفسه إيمان؟ ألم يحصل إيمان بالله، وحصل إيمان بالجنة والنار؟.
ما الذي تغير؟ هل الله تغير؟ نقول: [لم يعد ينفع الإيمان به، فقط كان نؤمن به يوم كان هو في الدنيا أما عندما أصبح في الآخرة لم يعد يصلح الإيمان به!] لا يصح أن يقال هكذا.
مهمة الإنسان في هذه الحياة كبيرة وواسعة جداً، ما هي المهمة؟ هي: خلافة الله، هي أن يكون خليفة لله في أرضه، وأن يسير في هذا العالم في عمارته وفي تطوير الحياة فيه على وفق هدي الله الذي رسمه لبني آدم جيلاً بعد جيل على أيدي رسله، وفيما أنزله من كتبه، ثم من خرج عن هدي الله يعتبر هنا في الدنيا، هنا في الدنيا خبيثا، هنا مفسداً {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}(الروم: من الآية41) ولا بد للإله، للملك هو أن يكون هناك في هديه نظام ما يسمى: بنظام الثواب ونظام الجزاء – الثواب والعقاب – يكون هناك عقاب ويكون هناك ثواب، فقد جعل جهنم في الأخير لكل الخبثاء هنا في الدنيا، من خبثت نفوسهم هنا في الدنيا سيكون مأواهم جهنم.
معرفة الله وعده ووعيده الدرس التاسع صـ 1 ــ 2.