المنطقة بين مسيرات العودة الفلسطينية وسيناريو تصفية القضية
بقلم | محمد فايع
لليوم التاسع على التوالي، يتجمّع فلسطينيون قُرب السياج الحدودي الفاصل بين غزة وإسرائيل، ضمن مشاركتهم في مسيرات ”العودة وكسر الحصار” السلمية، المطالبة بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى مدنهم وقراهم التي هُجّروا منها عام 1948، فيما بلغ عددُ شهداء الاعتداءات الإسرائيلية على المتظاهرين السلميين 31 شهيداً، فضلاً عن إصابة 2850 آخرين.
الاعتداءاتُ الصهيونية على مسيرات العودة الفلسطينية أحدثت ردودَ فعل دولية وإقليمية، حيث انتقد بيرني ساندرز، المرشح السابق بالانتخابات الرئاسية الأمريكية 2016، ما وصفه بـ “رد الفعل المبالَغ فيه” لإسرائيل في التعامل مع المظاهرات التي شهدها قطاعُ غزة وأطلق عليها اسمُ “مسيرة العودة الكبرى”.
وأوضح ساندرز في مقابلة له مع CNN قائلاً “أعتقد ومن وجهة نظري أن هناك كان عشرات الآلاف من الناس المنخرطين في احتجاجات غير عدوانية، وأعتقد أن هناك 15 أَوْ 20 فلسطينياً قُتلوا وجُرح العديد.. إنه وضع صعب ولكن تقييمي هو أن إسرائيل بالغت في رد فعلها هذا”.
زعيم حزب العمال البريطاني المعارض، جيرمي كوربين، ندّد بدوره بالممارسات “غير الإنْسَانية وغير القانونية” للإسرائيليين بحق الفلسطينيين المشاركين بمسيرات “العودة وكسر الحصار” السلمية على مشارف قطاع غزة.
ونشر كوربين على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” بياناً وصف فيه قتل وجرح المتظاهرين الفلسطينيين بالعمل “المدان”، موضحاً فيه أن “إطلاق الرصاص الحي على المدنيين العُزّل غيرُ قانوني، وغير إنْسَاني، ولا يمكن التسامح معه”، كما أكد أن الفلسطينيين “لديهم الحق في الاحتجاج ضد ظروفهم المروّعة، ورفض الحصار المستمر لأراضيهم واحتلالها”، مشددًا على ضرورة “دعم حقهم في العودة إلى ديارهم، وتقرير المصير ”، معرباً عن تضامنه مع الإسرائيليين الذين تظاهروا الأسبوع الماضي احتجاجًا على ممارسات حكومتهم.
هذا وشهدت العاصمة البريطانية لندن، أمس السبت، مظاهرة احتجاجية على اعتداءات العدُوّ الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، ودعماً لمسيرات “العودة وكسر الحصار” السلمية، على مشارف قطاع غزة.
وشارَكَ المئاتُ في المظاهرة، التي دعا إليها المنتدى الفلسطيني في بريطانيا (غير حكومي)، وجابت شارع “داونينغ ستريت”، قرب مقر الحكومة. فيما رفع المتظاهرون شعاراتٍ من قبيل “فلسطين حرة” و”أوقفوا تسليح العدو الإسرائيلي” و”أوقفوا الاعتداءات الإسرائيلية على غزة”.
على مسارِ تصفية القضية الفلسطينية عبر تنفيذ ما يسمى بصفقة القرن وبالتزامن مع التصريحات التطبيعية المتقدمة التي أعلنها ولي العهد السعودي وما كشفته وسائل الاعلام الأمريكية والصهيونية عن لقاءات وصفقات واتّفاقات الأمير السعودي مع اللوبي الصهيوني خلال زيارته لواشنطن كشفت صحيفة (المنـار) الصادرة من القدس أن رئيسَ وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، زار مشيخة الإمارات نهاية شهر آذار الماضي، والتقى في العاصمة الإماراتية الحاكم الفعلي للمشيخة ولي العهد محمد بن زايد بحضور شقيقه عبدالله بن زايد وزير الخارجية ومدير المخابرات الإماراتي.
وقالت المصادرُ إن رئيسَ الوزراء الإسرائيلي كان التقى قبل ذلك وزير الخارجية عبدالله بن زايد الذي رتّب مع أجهزة الأمن الإسرائيلية لزيارة نتنياهو إلى أبو ظبي.
وأضافت المصادرُ أن نتنياهو مكث في العاصمة الإماراتية ثلاث ساعات، ووصل إليها بسرية تامة، برفقة رئيس مجلس الأمن القومي ورئيس جهاز الموساد واثنين من مستشاريه.
وترى المصادرُ أن زيارةَ نتنياهو للإمارات تؤكِّدُ عُمق العلاقات الإماراتية الإسرائيلية، التي وصفتها المصادر بـ (الحميمية)، وبين الجانبين تنسيق عال في كُلّ الميادين وخَاصَّـة الاستخباري، وتأتي هذه الزيارة قبل أيام من عقد القمة العربية في الرياض، وتكثيف العبث الإماراتي في غزة، ورداً على اللقاء الذي عقده نتنياهو مع محمد بن زايد في مدينة هرتسليا قبل أقل من شهرين.
ويبدو أن اللقاءَ أَسْفَـرَ عن تكليف الإمارات بدور بديل عن السعودية في لبنان، وخَاصَّـةً فيما يتعلق بالجيش اللبناني والقوى اللبنانية الأمنية، إذْ أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة أمس السبت عن تقديمها دعماً للجيش وقوى الأمن اللبنانية بما يعادل 200 مليون دولار مناصَفة بين المؤسسة العسكرية والقوى الأمنية، في مسعىً لحرف مهمة الجيش اللبناني وقواه الأمنية الوطنية في الدفاع عن لبنان في مواجهة الخطر الصهيوني إلى مهمة داخلية لضرب مقومات الوحدة اللبنانية الداخلية القائمة (جيش ـ مقاومة ــ شعب) في مواجهة العدو الصهيوني وقوى التكفير والخيانة.
ويأتي الدعم الإماراتي كبديل للدعم السعودي والأمريكي اللذين توقفا مؤخراً وفي سياق تبادل الأدوار في تنفيذ المُخَطّط الصهيو أمريكي الساعي إلى ضرب الاستقرار الأمني والعسكري اللبناني؛ بهدف إضعاف الجيش والمقاومة اللبنانية لصالح العدو الصهيوني.
من جهة أخرى، تشارك الإماراتُ العدوَّ الإسرائيلي عداءَه حتى للقيادة الفلسطينية برئاسة محمود عباس، وينسقون معاً لإقصاء هذه القيادة؛ باعتبارهم يرونها تمثل إعاقةً أمام فتح أبواب التطبيع وتمرير صفقة القرن.
على مستوى المنطقة ككل يبدو أن موازين القوى فيها مقبلة على تغييرات جذرية، وأن التحالفات الناشئة في المنطقة تفرض على العدو الإسرائيلي إعَادَة حساباتها وتغيير استراتيجياتها، وفي السياق العام يبدو أن مسار الصراع الذي يسعى التحالف الأمريكي الصهيوني إلى فرضه واعتماده يعتمد بالدرجة الأولى على المسارات الاستخباراتية، ما يؤكد ذلك هو أن واشنطن جعلتْ على رأس سياستها الخارجية مؤخراً رَجُلاً كان على رأس هرم الاستخبارات الأمريكية.
وعلى هذا الصعيد تتحدث الدوائر الدبلوماسية أن الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية والدوائر المعنية في الخارجية الإسرائيلية ومجلس الأمن القومي وضعوا العديد من السيناريوهات حول سياسة العدو الإسرائيلي الواجب اتباعها في المرحلة المقبلة، في ضوء التغيرات التي يعيشها الإقليم وبشكل خاص الانقلاب التام في الموقف العسكري على الساحة في كُلٍّ من سوريا واليمن والعراق لصالح محور المقاومة.
من جهة أخرى توضح الدوائر الدبلوماسية أن اللقاءَ الثلاثي الذي جمع الرئيس السوري بالرئيسين التركي والإيراني في اسطنبول يُبشر بولادة تحالف جديد في المنطقة، وفي نفس الوقت تراجع للدور الأمريكي في ظل سياسة إدَارَة ترامب الرامية إلى الانطواء على الداخل وعدم استثمار الكثير من الوقت والجهد والمال في مستنقعات ما يسمونه الشرق الأوسط.
وترى الدوائر الدبلوماسية أن على العدو الإسرائيلي تعزيزَ العلاقة مع الدب الروسي الذي يتمتع بدور وتأثير كبيرَين في الشرق الأوسط، خَاصَّـةً وأن هذا الدور سيتواصل ويستمرُّ لفترة طويلة، ممّا يستدعي تدعيماً لجسور التعاون والتواصل ببن تل أبيب وموسكو.
وقالت الدوائرُ الدبلوماسيةُ: إن الولايات المتحدة لا ترغب في الانزلاق إلى صِدام عسكري مع القوى المختلفة في المنطقة، وأنها تسعى إلى حماية مصالحها عبر تفاهُمات وتلاقٍ في منتصفِ الطريقِ مع المصالح والمواقف الروسية، وأضافت الدوائرُ أن بعضَ الحُلفاء التقليديين للغرب وعلى رأسهم السعودية ودول خليجية أخرى تُخطئ إذا اعتقدت أن إدَارَةَ الرئيس دونالد ترامب ستدخُلُ في مواجهة عسكرية مع إيران، وأن أقصى مَا يمكنُ أن تقومَ به لا يتعدى (التلويح) العسكري في وجه طهران، وأن الأموالَ التي تتلقاها واشنطن من السعودية هي ثمنٌ للحماية الأمريكية وليس للهجوم على إيران.
وبناءً على ما سبق تبين الدوائرُ الدبلوماسية، أن العدو الإسرائيلي سيضطرُّ في المرحلة القادمة إلى حسم مواقفه وتحديد بوصلة تحَـرّكاته بالنسبة لغزة ولبنان، وأن عليه الاختيار بين عملية عسكرية واسعة لإسقاط حماس في الجنوب أَوْ السعي إلى فتح قنوات التواصل مع الحركة والاتّفاق مع أطراف إقليمية ودولية من أجل نزع فتيل الأزمة الإنْسَانية القائمة في غزة وتحييد جبهة القطاع لسنوات طويلة قادمة.