لماذا ستتوقف الحرب على اليمن في بدايات عامها الرابع ؟
كتب | شارل ابي نادر
ينتابني شعور غريب يقوى يوما بعد يوم ، وهو ان الحرب على اليمن ستتوقف في بدايات عامها الرابع ، بالرغم من غياب اية معطيات ميدانية وعسكرية تدفع لذلك ، فالمعارك مُسّتَعِرَة في الداخل كما على الحدود الشمالية مع السعودية ، والقصف الجوي الذي يستهدف كل شيء في اليمن اصبح من المُسلِّمات اليومية ، و الغليان على كافة الجبهات وكأنه في عامه الاول ، ومعارك الكرّ والفرّ لم تتوقف او تخفت في ايِّ ميدان او ناحية ، ولكن ما هي المعطيات التي قد تكون أسّست لهذا الشعور ؟
ميدانيا
طبعا لن يكون سبب توقف الحرب في بدايات عامها الرابع ميدانيٌّ لتحقق الاهداف منها ، لانه بعد مرور ثلاث سنوات من الحرب ، لم تحقّق دول العدوان على اليمن وخاصة السعودية ، ايَّ هدفٍ من تلك الاهداف العلنية التي وضعوها لها ، وهم قد نسوا اصلا بالكامل ان عودة الشرعية بقيادة ” الهادي ” كانت هدفاً اساسياً لتلك الحرب ، وها هو اليوم يقبع في اقامة جبرية مجهولة المكان ، و حول الهدف الآخر في إنسحاب أنصار الله من العاصمة صنعاء و من المدن التي تمددوا فيها ، و سحب الاسلحة الثقيلة منهم ، ها هم اليوم ( انصار الله ) ينتشرون على مساحة اليمن تقريبا ، و يمتلكون مع الجيش واللجان الشعبية قدرات صاروخية وباليستية فعالة ، لا يوجد مثيلا لها مع بعضهم من الدول المعتدية الغنية ، و حيث تقدم العدوان في الجنوب مسيّطرأً على بعض محافظاته ، تعيش الاخيرة حالة غليان قاتل ، من الفوضى المسلحة ، و من التصفيات المتبادلة ، ومن المواجهات الدموية بين مجموعاتها .
انسانيا
ايضا لن يكون الموضوع الانساني هو السبب في توقف الحرب ، فهذه الناحية لا تعني شيئا للمعتدين وعلى رأسهم السعودية ، والمجازر التي تُرتكب يوميا بحق الاطفال والشيوخ والنساء هي بالنسبة لهؤلاء المعتدين ، فقط مجرد صورٍ ملموسة ومشاهد حسية ، لأهدافٍ جوية ناجحة وفعالة ، حققوها بواسطة صواريخهم الموجهة وقنابلهم الذكية الباهظة الاثمان ، وهم حتما يقصدون هذه المجازر ويسعون وراءها ، لانها أملهم الوحيد بإستسلام أهل اليمن و ليّ ذراعِهم .
ماديا
حتما لن تتوقف الحرب على اليمن لاسباب مادية ، فآخرُ همٍ للمعتدين وطبعا على رأسهم السعودية والامارات العربية هي الاموال ، فباطن رمالهم يسبح على بحر من الاموال والدولارات لا ينضب ، و هم يدفعون يمنة ويسرة ، لا بل يتلذذون بدفع الاموال ويعتبرون ذلك ميزة لا يملكها الكثيرون ، وما إبتسامة وليّ العهد السعودي في حضرة ملك الملوك ” ترامب ” ، و قاهر الشعوب المظلومة وفاتح عهد الحروب في كل الاتجاهات ، اثناء عرض الاخير امام الاعلام العالمي لوحة بجدول الصفقات التي فاز بها من السعودية في عهده القصير حتى الان ، الاّ خيرَ دليلٍ على لذة دفع الاموال لدى هؤلاء .
انصياعا للمجتمع الدولي
طبعا ليس هذا هو السبب ايضا ، فالمجتمع الدولي لم يأخذ حتى الآن ايَّ قرارٍ جديّ علني وصريح يتعلق بالحرب على اليمن ، و المعتدون أصلاً يعلمون جيدا انه لا وجود لمجتمع دولي ، فهو مطية و وسيلة للضغط على الشعوب غير المطواعة ، وهو بالنهاية ( المعتدون يعلمون ذلك ونحن نعلم ايضاً ) منظراً ليس الاّ ، وقراراته او اعلاناته او تمنياته لا تُقدِم ولا تُؤخر ، ولا تَصلَح الاّ لأن تكون ممسحة او ما شابه .
انصياعا للداخل السعودي
حتما لن يكون هذا هو السبب ايضا ، لانه اساسا لا وجود لرأيٍ عامٍ داخلي سعودي ، ولا احد يجرؤ من الداخل السعودي على التطرّق لِما تخسره المملكة في حربها على اليمن ، إن كان معنويا حيث كُسرِت و هُزِمت من قِبل أكثر شعوب المنطقة فقراً ، او عسكريا حيث خسائر جنودها وضباطها بين قتلى ومصابين تجاوزت الالاف واكثر ، وحيث لا احد يتجرأ على نشر او تداول صورةٍ او فيلمٍ صغيرٍ ، يظهر فيها المئات من الجنود السعوديين الذين يتمّ أسرهم من مواقعهم المحصنة او من آلياتهم المتطورة ، او ميدانيا حيث يسيطر اليمنيون على مساحات ليست بسيطة من اراضيها الجنوبية ما بين نجران وعسير وجازان .
السبب الحقيقي بان الحرب على اليمن ستتوقف في بدايات عامها الرابع هو ليس في اي من النقاط المذكورة بتاتا ، السبب الحقيقي هو ان الولايات المتحدة الاميركية ( وليس السعودية طبعا ) ستطلب ( او ربما طلبت ) ان تتوقف هذه الحرب ، لانها إنتبهت اخيرا كما يبدو ان هذه الحرب خلقت دولة قوية اسمها اليمن الجديد ، وان هذه الحرب كشفت عن شعب كان عظيما على ما يبدو ولكن كانت تنقصه الفرصة لاثبات ذلك ، فكانت الحرب عليه هذه الفرصة ، وها هو اليوم وبعنفوانه الذي اظهره ، شعب لا يقهر .
نعم ستطلب الولايات المتحدة الاميركية ان تتوقف هذه الحرب ( او ربما طلبت ) ، لانها إكتشفت ان جيشا محاصرا ولجانا شعبية مطوقة ، وبقيادة حكيمة واعية صاحبة نظرة ثاقبة و رؤية استراتيجية ، طوروا قدرات عسكرية وصاروخية وباليتسية لافتة ، قادرة على خلق قوة ردع وعلى فرض توازن رعب ، وها هم اليوم ، و بسبب الحرب التي فُرِضت عليهم ، اصبحوا يُصنّعون اسلحة نوعية و طائرات مسيرة ، هجومية او خاصة بالرصد وبالمراقبة ، لانهم يملكون ارادة القتال والصمود والمواجهة والانتصار .
اخيرا ، ربما قد يكون من اهم الاسباب ، لان تطلب الولايات المتحدة الاميركية ان تتوقف الحرب على اليمن هو :
اصبح الخطر بنظر الاميركيين هو ليس في اليمن و في الحرب عليها فقط ، اصبح الخطر في ان تنتشر هذه الظاهرة في الصمود والمواجهة لدى شعوب مظلومة اخرى ، وما أكثرها بفضل سياساتهم و اجرامهم ، واصبحت الخشية الاميركية من ان تمتد هذه الظاهرة الى دول اخرى ، فتنتفض وتكسر خطوط القهر والاستسلام ، وحينها ستصبح مثل اليمن قوية وعصية ، وستكون مواجهتها اشد كلفة ، وستنتصر كاليمن في النهاية ، وستغير معادلة طالما فرضتها الولايات المتحدة الاميركية ، بتسلطها وباجرامها ، وبمساعدة وبتواطوءٍ من أنظمةٍ مرتهنةٍ تابعةٍ عميلة .