الخبر وما وراء الخبر

بيوت خالية تبكي فراق أصحابها ورحيل ساكنيها.

843
عندما تقف على أطلال ما تبقى من منازل وبيوت دمرها العدوان السعودي تحكي هذه البيوت حكايات مريرة على فراق أصحابها وترسم صور مشاهد حزينة لأوقات جميلة جمعتها بأصحابها فيأتي العدوان وينهي تلك الحكايات ويمزق تلك الصور باستهدافه تلك المنازل والأحياء ومن يسكنها من الأبرياء والمواطنين الآمنين بطرق وحشية لا تفرق بين رجل وامرأة عجوز وطفل وبحقد دفين وغرور بغيض يستهدف الشجر والحجر في اليمن.

استهدف العدوان السعودي الغاشم الذي بدأ في شهر مارس من العام الجاري كل ماطالته يديه الآثمة من مقومات الحياة في اليمن وبناه التحتية حيث لم تقتصر غاراته على الأهداف المحددة من غزوه لليمن كالمعسكرات والمواقع العسكرية بل امتد قصفه إلى كل ما هو حي ينبض بالحياة من أفراد، أحياء، مساكن، مدراس، مستشفيات، أسواق، مزارع، بتجرد كامل عن كل مشاعر الإنسانية.

حفظ الله العيني بائع خضار وأحد المواطنين الأبرياء الذي اغتالته أيدي العدوان الآثمة بحجة انه من القيادات الحوثية فقتلته وأفراد أسرته التسعة زوجته وأولاده وبناته وهدمت المنزل الذي يقع في حي الفليحي بصنعاء القديمة اثناء تجمعهم و تناولهم وجبة العشاء الأخيرة التي لم يمكنهم صاروخ العدوان من إكمالها فلفظوا أنفاسهم ومازالت بعض اللقيمات عالقة في أفواههم وحناجرهم.

حجرات وغرف عديدة تحوي أثاث بسيط متطاير هنا وهناك، ذلك ما تبقى من المنزل الذي ضم الأسرة بين جدرانه وشاركهم كل أوقاتهم بحزنها وفرحها واحتفظ بإسرارهم لسنوات كثيرة حتى جاء العدوان ليكشفها بلا رحمة بتطفله وغروره وحقده ويظهر معالم الحياة الخاصة لتلك العائلة وذلك المنزل الذي ظل محتفظا ببعض أركانه وبعض محتوياته ليصبح شاهد حي لجرائم العدوان في صنعاء خاصة واليمن عامة وما يرتكبه من مجازر ويحدثه من خسائر في الأرواح والممتلكات.

منزل الشيخ قائد عريج في منطقة الحصبة، قصفته قوى العدوان الغادرة ليلا أثناء تواجد كل أسرته البالغة أكثر من 19 شخص بينهم نساء وأطفال ليتهدم جزء كبير منه ويسقط على رؤوس ساكنيه ممن لا ذنب لهم في الحرب العبثية ليقصف منزلهم وتتعرض حياتهم للخطر ويصاب أحد الأبناء بإصابات بليغة ونزوح الأسرة بأكملها إلى منزل آخر بالإيجار بعد خسارتها لمنزلها وممتلكاتها بداخله لتتركه خاليا موحشا وتهرب للنجاة بأرواح أفرادها والحفاظ على حياتهم من وحشية العدوان وحقده البغيض.

منطقة وادي احمد بصنعاء لم تسلم من جرائم العدوان البغيض فاستهدف طيرانه منزل عائلة السباعي المكونة من يوسف السباعي الذي فقد أحد أولاده وزوجته الحامل وأخيه علي السباعي الذي فقد زوجته وثلاثة من أبنائه وتهدم منزلهم بالكامل وخسروا كل ما بداخله من ممتلكات لتتبدل حياتهم في لحظات ويصبحوا بلا مأوى باحثين عن سكن جديد يحميهم من نكبة العدوان.

ضحية أخرى من ضحايا العدوان المواطن علي عبدالله صالح بائع قات من نفس المنطقة أوقعه حظه كهدف للعدوان بسبب تشابه اسمه مع اسم الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح الأمر الذي دفع العدوان الغادر إلى استهداف منزله وتدميره بالكامل خلال تواجد كل أسرته بداخله، لكنه عناية الله وحفظه حالت دون قتلهم فأصيبوا بجروح متعددة بعضها بليغ ليضطر رب الأسرة المنكوبة الذي تسبب اسمه في خسارته كل ما يملك، إلى النزوح بعائلته لمأوى آخر بعد تهدم منزلهم بالكامل بكل ما يحويه ورغبة منه في ضمان العيش بأمان لهم بعيدا عن أيدي العدوان الآثمة.

وعلى الرغم من تهدم تلك المنازل وطمس ملامح البعض منها خاصة تلك التي سويت بالأرض ولم يتبقى منها سوى أحجار متناثرة وركام متطاير وأتربة كثيرة و قطع من الأثاث الممزق في كل مكان تحكي مأساة ووحشية العدوان الذي تركها خالية موحشة تفتقد دفئ ساكنيها في انتظار طويل قد يستمر لسنوات كثيرة، يصر أصحاب تلك المنازل على زيارتها بشكل يومي كما يقول احد جيرانهم في الحي العم يحيى اليريمي الذي أكد انه يرى أصحاب تلك البيوت بشكل يومي قرب منازلهم لتفقدها وجمع ما تبقى من محتوياتها إصرارا منهم على عدم تركها وحيدة تشكو ألم الدمار والفراق لمن كانوا بها ليبادلوها لحظات الشدة والرخاء ولتبقى صور بقاياها ذكرى راسخة في أذهانهم وشاهد حي على جرائم عدوان آل سعود في اليمن.

ولم يكتف العدوان بقصفه للمساكن والأحياء بل استهدف كل ماهو حي في البلاد من منشات حكومية ومصانع ومساجد ومزارع ومدراس ومعاهد مهنية وتعليمية وحرمان طلابها من حقوقهم في التعليم وخلق جيل متسلح بالعلم، بل وصلت وحشيته الى ضرب المستشفيات بمن فيها من مرضى دون رحمة لوجعهم ومعاناتهم سواء من الكبار والمواليد في الحضانات والذين توفوا نتيجة لعدم نقلهم بسرعة إلى حضانات بديلة في مستشفيات أخرى لصعوبة التنقل والإسعافات جراء استمرار القصف أو بسبب انعدام المشتقات النفطية لسيارات الإسعاف وذلك لإشباع رغبة الانتقام لديهم من شعب اليمن الصابر من خلال وأد مواليده قبل أن يكبروا.

حتى الأعراس لم تسلم من حقدهم وجبروتهم بقصفهم أكثر من عرس يتواجد فيها الكثير من الأشخاص نساء ورجال وأطفال في المخا بتعز وسنبان محافظة ذمار ليقتلوا عمدا وتتحول تلك الأعراس إلى مأتم، وفرحة المحتفلين إلى حزن وبدلا من عودتهم لمنازلهم في الدنيا ذهبوا لمنازلهم في الآخرة.

ولم يقتصر العدوان على استهداف منطقة أو محافظة واحدة بل امتد واستهداف كل محافظات اليمن بلا استثناء.

محافظة صعدة المنكوبة من أكثر المحافظات استهدافا ودمارا من خلال قصف العدوان لكل مقومات الحياة فيها واستهدافه كل ما تقع عليه يده الخبيثة من أحياء وممتلكات بالمحافظة.

زوجة يحيى علي من منطقة رازح نزحت وعائلتها إلى صنعاء لتقيم بمدرسة البتول، تقول: “فقدنا كل شيء بسبب العدوان السعودي على منطقتنا وخسرنا منزلنا وكل ما نملك و لم يتبقى إلا دمار كامل ورائحة الدم وجثث الأبرياء ممن قتلتهم السعودية وحلفائها فقررنا الرحيل للحفاظ على أرواحنا و حياة أطفالنا”.

وتتابع بحزن “خضنا رحلة شاقة ليوم كامل استنزفت ما تبقى لدينا من مال لنصل إلى صنعاء خاليين من كل شيء إلا من أشياء بسيطة من الأثاث والملابس تاركين منزلنا الذي دمره العدوان بكل مافيه من أشياء وممتلكات خاصة وآمال وذكريات عشناها لسنوات طويلة لنرحل مثقلين بأحزان وأوجاع وهموم لمصير مجهول لم نتوقعه في يوم من الأيام”.

عائلة صالح معمر الذي يعمل بائعا للخضار من جبل ذيفان بعمران خسرت كل ممتلكاتها جراء العدوان السعودي الذي حرمهم كل ما يملكونه ليصبحوا فجأة بلا مأوى أو عمل ساكنين في العراء ملتحفين بالسماء الأمر الذي اضطرهم للنزوح إلى العاصمة صنعاء.

من جانبها تحكي سحر عبد الرحمن أم لطفلين من محافظة تعز خسارتها لمنزلها ومحل بيع منتجات الأعشاب الذي يملكه زوجها ومصدر رزقهم الوحيد وذلك جراء العدوان السعودي على تعز ما اضطرهم للنزوح إلى صنعاء محملين بحزن كبير على فقدان بيتهم الذي عانوا الكثير المصاعب خلال مراحل بنائه ولم يمكنهم العدوان من فرحة العيش فيه نتيجة قصفه بعد سبعة أشهر من انتقالهم إليه.

تلك نماذج بسيطة من حالات كثيرة جرعها العدوان السعودي مرارة الحرب وتسبب بخسارتها كل شيء سواء أرواح بريئة من أبنائها أو أملاك خاصة وعامة قضى عليها بكل غطرسة وغرور حيث تؤكد تقارير وزارة الصحة العامة والسكان ارتفاع الشهداء المدنيين جراء قصف العدوان السعودي على المنشآت المدنية بمحافظات الجمهورية إلى 6 آلاف و 18 شهيد بينهم 1277 طفل و 1041 إمرأه.

وأشارت احصائيات الوزارة إلى أن عدد الجرحى جراء العدوان وصل الى 15 ألف و 648 جريح منهم 2180 طفل و 1637 إمرأة، لافتا إلى أن العدو دمر 109 مستشفى ومركز ومستوصف ، و229 وحدة صحية، فضلا عن استهداف 61 سيارة إسعاف.

وحسب التقرير بلغ عدد الشهداء من الكوادر الصحية 73 شهيدا مابين أطباء وممرضين وصحيين، فيما بلغ المصابين 208 كادر صحي، مشيرا إلى أن هناك 1390 أعاقة جسدية دائمة .

وأكد التقرير أن العدوان استخدم أسلحة محرمة دوليا في أكثر من محافظه مثل عطان ونقم في صنعاء اللتان شهدتا القاء قنابل فراغية ونيترونية، وكذا استخدام القنابل العنقودية والانشطارية والفوسفورية في محافظات صعدة وحجة ومأرب وباب المندب بمحافظة تعز، حصدت آلاف الأرواح من الأطفال والنساء والشيوخ وخلفت عشرات الالاف من الإصابات وأتت على الأخضر واليابس”.

من جانبه كشف الائتلاف المدني اليمني لرصد جرائم العدوان السعودي على اليمن في تقريره الـ23 الذي أطلقه منتصف سبتمبر الماضي أن الغارات الجوية لطائرات العدوان تركزت على مناطق وأحياء سكنية بأمانة العاصمة وبقية محافظات اليمن مستهدفة عدد من الأحياء والقرى والأسواق الشعبية ومنشئات صحية وأخرى تعليمية وسياحية بالإضافة إلى المواقع الأثرية والتاريخية واستمرار استهداف سيارات الإسعاف والنقل وشاحنات نقل المواد الغذائية والمصانع والطرقات والجسور الرابطة بين المدن، كما طالت منازل لشخصيات عامة قبلية وعسكرية وسياسية.

وأوضح انه على الرغم من عدم مشروعية الحرب والحصار على اليمن إلا أن ما يحدث من أعمال عدائية تجاوزت ما يسمى أهداف العدوان التي أعلنها منذ البداية، وبرزت تلك الأعمال العدائية المخالفة للقوانين والمعاهدات الدولية باستهداف المدنيين والممتلكات الخاصة وكذلك تدمير البنية التحتية ومقدرات الدولة لا سيما ذات الطابع الخدمي.

تتكرر مشاهد القصف لكل مقومات الحياة في اليمن وتجدد تلك الصور كل يوم بجميع المحافظات والمدن اليمنية بلا استثناء وما يسببه من خسائر في الأرواح البشرية والممتلكات العامة والخاصة في ظل صمت عربي ودولي مخزي ومعيب وتجاهل واضح لتلك المشاهد والصور المخزية للعدوان الذي يستمر في غيه و جبروته وصلفه رغبة منه في تركيع شعب قوي صبور عزيز ابى الذلة والخضوع واختار العزة والكرامة والدفاع عن وطنه متوعدا بالانتقام لكل شهدائه من الأبرياء في الداخل أو المحاربين في جبهات القتال بثبات عميق وأيمان راسخ بانتصار الحكمة اليمانية على الغباء السعودي.

سبأ