الخبر وما وراء الخبر

ذات السلالم الثانية!

70

بقلم | د. مصباح الهمداني

لقَدْ دارَت في رأسي عشرات الأفكار بعدَ أن شاهدتُ معركة ذات السلالم الثانية، وتساءلتُ ثلاثةُ أسئلةٍ مشروعة ومنطقية:

– ماذا سيقوله الأربابُ للعبيد؟

– ماذا نقولُ لهؤلاء الأبطال الأشبال؟

– ماذا نقولُ لقائدهم؟

وحينَ نتوقفُ عند السؤال الأولِ لا بُدَّ أن نتذكر أنه لم يمر على معركة ذات السلالمِ الأولى إلا شهرين بالضبط، وحينها انقلبت الدنيا ولم تقعُدْ عند الأمريكي والبريطاني خصوصًا، وتلقى الخادم السعودي أشد وأبشع الإهانات.. خَاصَّةً بعدَ أن شاهَدَ العالَمُ تلكَ الملاحم الأسطورية، وبعدها تكفَّل الأمريكي والبريطاني بإعادة موقع الضبعة، إلى رأس قائمة المواقع المحصنة، حيث يعد من أعلاها ارتفاعًا، وأشدها تحصينًا، وقام بعدَ الغزوةِ الأولى، بحكِّ الجدرانِ أكثَرْ، وأرسَل الفرقَ الفنية المتخصصة في الجيولوجيا؛ لسدِّ أية ثغرةٍ في تلكَ الشواهق المقصوصة، وبنى بناياتٍ محصذنة، وقسَّم الموقع الكبير إلى مدرجاتٍ متعددة، وجعلَ في كُلّ مدرجٍ نوعٍ من أنواعِ المرتزقة، فالأرخصُ في أسفلِ المُدرجات والأغلى في أعلاها، والسعاودة في قلبِ المواقع المحصنة والتي صُبَّت فيها آلافُ الأطنانِ من الحديدِ والأسمنت.. وفوقَ كُلّ هذا جعلَ الكاميرات في كُلّ مكان، وقال الضابط الأمريكي للضباط السعاودة بعدها:

-لن يصلكم بعدَ هذه الاحتياطات والترتيبات إلا الهواء، فاثبتوا، وإلا فأنتم لستُم من صنفَ الرجال؟

وحولَ السؤال الثاني:

لابُدَّ أن نُدرك جيدًا أن رجال الرجال كانوا يتابعونَ الأمريكي ونعاله ونعال نعاله وهُم يوزعون المرتزقة، ويحفرون الخنادق، ويبنونَ التحصينات، ومع كُلّ خطوةٍ كانَ التخطيط يتمُّ بموازاتها، وجاء القرار، وأعلن يوم السابع من مارس موعِدُ تنفيذَ الاقتحام.. حمَلَ الأشبالُ سلالمهم المُطيعة، والتي أصبحت بين أيديهم وهي من الحديد ليِّنة، فرتَّبها أحدُهُم فوقَ ظهره وكأنها حقيبةٌ مدرسية تُشبه الحقيبة السوداء لذلك الجندي السعاودي وقد مُلِئت أندومي وجالاكسي وشيبس.. كانتْ السلالمُ على ظهرِ المُجاهِدْ تُرسِلُ رسائِلَ لا يعيها إلا المؤمنون؛ لتلكَ الحقائبَ القُماشية على ظهور السعاودة المرتخية.. صعدوا الجبل وكأنهم يحملونَ معهم، بأسَ مُحمد، وبَسالةَ علي، وسيفَ الحُسين.. صعدوا بحكمةٍ وبسالة، وشجاعةٍ وتخطيط، وما إن سجَدَتِ السلالِمُ شُكرًا لله، واستعدادًا لصعودِ أقدامِ أولياءِ الله؛ أبى أحدُ المُجاهدين الأبطال إلا أن يُرسِلَ لكل العالَم رسالةَ أولي البأس في أصعبِ مكان، وأخطرِ موقع، وأشدِّ موقفٍ، وأحرَجِ وقتْ وقال:

الحربُ عادَتنا وحِنَّا لها إخوان… ويا من تولّى الغرب يلقى مصيره

ويا مَن لقينا ساحةَ الحرب يِهتان… من فضل رب الجُود رب الجلالة

وبعد السوالم يفهمه كُلّ إنسان… ما هُمْ على مبدأ وأفضل شريعة

سبَّحَ الأولُ وصعد، وسبَّح الثاني والثالث… والأخير..

كانَ الهمسُ يرافقُ خطواتهم، والذِّكرُ يرافقُ ألسنتهم.. أخذَ كلُّ واحدٍ منهم مكانَه، وبدأت البدايةِ بقذيفةٍ مسددة، وكأنها تعرفَ طريقَها وطريقتها، فقدِ استقرَّتْ بين أحضان الجنود، ومزقتهم شر ممزق.. ارتفعَ صياحهم، فلا الذي فوقَهُم يعرِفُ مصدرها، ولا الذي تحتهم يتوقع وصولها.. انطلقَ صاروخٌ موجّه، وكأنه يأبى أن يذهبَ هدرًا، فلاحقَ الهاربين، وأكبَّهم على وجوههم في موقفٍ مهين.. ارتفع الصياحُ والعويل، وردَّدتِ الجبالُ لغاتٍ يجهلها المجاهدون، وعلا البكاء، وبدأت بنادِقُ الأشبال تستلمُ الموقفَ بجدارة ودقة، فجمجمة سوداني تطير هُنا، وجبهة سنغالي تفتحُ بوابتها هُناك، وبطنُ سعاودي تُفرِغُ ما فيها من كبسةٍ وإندومي وألوانٍ أُخْـرَى، ويرتفعُ صوتٌ يتحدى كُلّ الأصوات، ويصلُ إلى أسماعِ الجميع يقول “ملي غاغلكَلك شيبصغونا شيبصغونا” استمرَّ الأبطالُ يصطادون السعاودة والمرتزقة، وكأنما يصطادونَ أرانبَ منتفخة… وحلَّقتِ الأباتشي، وهي تنظر المشهد الذي لا يخطُر ببالِ بشر، وبدأتِ تُطلقُ نيرانها في كُلّ مكان، ويرتفعُ صوتُ مرتزقٍ آخر يقول” الأباتشي تقصفنا وسيفعلون بنا ما فعلوه باللواء الخامس”..

وبعدَها يرفعُ أحدُ المجاهدينَ صوتَه قائلاً “سلّموا أنفسكم فأنتم تحتَ نيراننا”.. وترتفعُ الأيدي بالتسليم، ويجُرُّ الرجال الأسرى، وينسحبونَ بعدَ إحراقِ المواقعِ والمعدات، وبعدَ أخذِ ما خفَّ وزنه وغلا ثمنه.. ثم يستقر الأبطالُ غير بعيد، وهُم يشاهدون طائرات الأباتشي تُحرقُ ما تبقى من خيامٍ وجرحى وجُثثْ..

وحول السؤال الثالث:

قُلْ ما شئت، واكتُب ماشِئتْ، فلَنْ تستطيعَ وصفَ المَشهَدْ، وبالتأكيد ماذا نقولُ لقائدٍ ربى مثلَ هؤلاء الرجال، والذينَ تعجز عن وصف شجاعتهم الأمثال، وتنحني لبسالتهم الجبال، رجالٌ يجسدون قولَ الحقِّ سبحانه: (نحنُ أولوا قوة وألوا بأسٍ شديد).. رجالٌ تتوقفُ أكاديميات العالم أمامَ أقدامهم الثابتة، وتضطربُ خططَ الجيوش أمامَ ترتيبهم الفريد، لسنا وحدنا المذهولين من أداءِ رجالنا الأبطال، وشرفائنا الأقيال، بل كُلّ العالمِ اليوم يقفُ مُنبهِرًا، مُحتارًا، مذهولاً أمامَ هؤلاء الفتية، فما عسانا أن نقولَ لقائدهم إلا نعم القائدُ أنت ونعمَ العلمُ أنت..

ومن بين أقدامِ رجال الرجال، ومن بين زخات الرصاص، ومن بين درجات السلالم، تتوالى محرقة فيتنام على جنود ومرتزقة العدوان، وسيصحو الشعب السعاودي على أعدادِ جنوده الهالكة والتي تزدادُ كُلّ يوم..

إنَّ في قدمِ كُلّ مجاهد وفي قلبه ولسانه؛ عزيمةٌ لا تمِل، ومبدأ لا يكِل، وهم يحملونَ معهم مظلومية شعبٍ يمني عربي مسلم، تكالبت عليه أقطابُ العالم كلها، في حربٍ قذرة، وحصارٍ جائر، وقصفٍ هستيري للأطفالِ والنساء والطرق والمزارع..

إن تحيةً بحجمِ هذا الكون للقائدِ ولأولئك الأشبال ولأهاليهم الأبطال لا تكفي ولكنها حيلة الكُتاب؛ فنرسلها خالصة صادقةً مخلوطةً بوافر الشكر لله، وجزيل الثناء لهم..

وإننا يجبُ أن نُدركَ بأنَّ من يواجه مملكة قرن الشيطان وعملاءها وأسيادها هم الفتية الذين لم يجدوا أحدًا يقف معهم بسلاحه في هذا العالم؛ إلا الله !

وكفى بالله وكيلاً!

وكفى باللهِ حسيباً!

وكفى بالله وليَّا!

وكفى بالله نصيراً!