الحرب الناعمة .. المعركة الأشد خطورة
ذمار نيوز || موقع أنصار الله || تقارير 23 جمادى الثاني 1439هـ الموافق 11 مارس، 2018م
إنً الحرب الناعمة ، والتي قد يُسميها البعض الحرب الصامتة أو الهادئة، هي الحرب التي بِتّنا جنودها ،نُساهم فيها دون أن ندري، إنها الحرب التي باتت أداة المُستعمر الفكرية، والتي أفضت إلى تأسيس واقعٍ من الفراغ الاجتماعي تعيشه المجتمعات اليوم، والذي يُخالف مبادئ الدين الإسلامي، ونجد أننا في معركةٍ مفروضةٍ علينا، نعيش ظروفها من دون أنّ نكون حتى الآن في مستوى التخطيط لمواجهتها.
وتّعد الحرب الناعمة أخشن في حقيقتها وفي نتائجها من الحرب العسكرية، لأنها تستهدف النفوس وتقتلها من الداخل وتحول الفرد إلى مجند رخيص يعمل لصالح أعدائه، ويقف ضد شعبه، وأمته، أو يقف موقف المتفرج أمام كل ما يتعرض له وطنه وشعبه، مستلباً عاجزاً عن إستشعار المسؤولية، ناهيك عن التحرك لفعل أو قول شيء يكون ذا نتيجة إيجابية.
وقوام الحرب الناعمة استبدال الدبّابة بالإعلام، والجيوش بالعملاء، والاحتلال المادي بالاحتلال الفكري والأيديولوجي، واحتلال الأبدان باحتلال النفوس والعقول، وتكريس هزيمة الفرد من دون حاجة لاستخدام القوة العسكرية، وعندها يسهل استعباد هذه الأمّة.
ويشير السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي في رسالته بمناسبة مولد الزهراء عليها السلام الى إنّ الحفاظ على الأخلاق الإسلامية والضوابط الشرعية، ومراعاتَها في النهضة الإسلامية وحركة الحياة العامّة، والحرصَ على الاستقلال الحقيقي، والحذرَ من التبعية العمياء والتقليد الغبي للإعداء تمثّل الضمانة لفشل مساعي الأعداء في أخطر حرب يشنونها على عالمنا الإسلامي والتي عُرِفَت بالحرب الناعمة، والتي تُركّز على الغزوِ الفكري والثقافي، والاستهداف للمجتمع في مبادئه واخلاقه وقيمه، والتي لا بدّ من التحرّك الجاد لتحصين مجتمعنا الإسلامي وفي طليعته فئة الشباب والناشئة ذكوراً وإناثاً تجاهها، وباعتبارها أخطر بكثير وأشد ضراوة من الحروب العسكرية، فتلك تدمّر روح المجتمع وعقيدته وإيمانه، أمّا العسكرية فهي أقل خطورة منها واذا حافظت الأمّة على مبادئها وأخلاقها وقيمها وعملت على ترسيخها وتفعيلها انتصرت بلا شكٍّ في معركتها العسكرية وفي معركتها الحضارية أيضاً.
ومنذ سنواتٍ طويلة كانت تُستخدم العديد من المصطلحات والتي لا تختلف في فحواها عن مصطلح الحرب الناعمة الذي يعتمد على القوة الناعمة، فقد استُخدمت الكثير من المفاهيم التي تصف عملية سعي دولةٍ أو طرفٍ ما، للتأثير في فكر ووعي دولةٍ أخرى أو طرفٍ آخر، ومن تلك المصطلحات، ما عبَّر عنه البريطانيون بـ «الحرب السياسية»، أو ما أسماه النازيون الألمان بـ «حرب الدعاية». فيما خرج مصطلح «الحرب الباردة» والذي أُطلق على الصراع الندِّي بين روسيا وأميركا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، في حين روَّج الكثير من المفكرين العرب والمسلمين، لما يُسمى بـ «الغزو الثقافي والفكري»، ليُعبِّروا عن المضمون نفسه، كما أن من أكثر المصطلحات رواجاً على صعيد الساحات الإعلامية والعلمية والعسكرية والسياسية، هو مصطلح «الحرب النفسية» ، يُضاف إلى تلك المصطلحات الكثير، ك ـ«حرب الأعصاب» أو «حرب العقول»، أما اليوم، فإن الجامع لهذه المصطلحات مع لحظ الاختلاف في التفسير العلمي لها، من دون وجود فارقٍ كبير في معناها وأهدافها، فهو مُصطلح «الحرب الناعمة»، والذي بات أداةً صامتة في الصراع الحالي بين الدول والأطراف.
المعركة الملحة اليوم باتت معركة الوعي:
وإذا كانت الحرب الناعمة معروفة في تاريخ الصراع الفكريّ والبشريّ وكذلك الصراع العسكريّ، فإنّ مصطلح الحرب الناعمة أو الغزو بالطرق الجديدة جرى تطويره على مراحل في الراهن، ففي عام 1990، خرج عميد كلية العلوم الحكومية في جامعة «هارفرد» البروفيسور «جوزيف ناي»، ليَخُطَّ مصطلح «القوة الناعمة» في كتابه «وثبة نحو القيادة» ،بعد ذلك وفي عام 2002، زاد في شرحه للمصطلح في كتابه «المفارقة في القوة الأميركية» ،وفي عام 2004 قدَّم «ناي» المصطلح كنظرية علمية كاملة في كتابه «القوة الناعمة».
ولم يكن جوزيف «ناي» مُنطلِقاً من خياله العلمي، بل كان يسعى كما أفصح، لاستراتيجية جديدة يمكن أن تُمثَّل خريطة طريق للسياسة الأميركية في عالمٍ مُعقدٍ ومتغيّر قد تتعرض فيه مصالح واشنطن للخطر،وهو العارف بحقيقة المصالح الأميركية، حيث شغل منصب رئيس مجلس المخابرات الوطني الأميركي ومساعد وزير الدفاع الأميركي في عهد الرئيس بيل كلينتون، لكن منصبه كعميد «معهد كينيدي لدراسات أنظمة الحكم»، مكَّنه من تحويل خبرته العملية إلى نظرية علمية، باتت أساس الحرب التي تخوضها أميركا في سياستها الدولية.
والحرب الناعمة هي قوة سحرية يحصل أصحابها والمخطّطون لها على ما يريدون بقوة الأفكار والإعلام والأدب والمسرح والإعلانات والمواقع الإلكترونية والبرامج الفنية، سواء باللغة الغربية أو اللغة العربية التي تنتصر لمضمونٍ غربيٍ تغريبي .
وتستهدف الحرب الناعمة العقل والنفس الإنسانية، وتتجاوز تأثيراتها الأفراد لتطال الجماعة، وهي بذلك تستغل طبيعة خلق الإنسان، الذي يتأثر بالأمور المادية والإغراءات والغواية، وفي أحيانٍ كثيرة يبدو العقل وكأنَّه قد تعطَّل، مع أنه يعمل، ولكنَّ مؤثرات الجسد تسيطر في كثير من الحالات على منطق العقل ،كما إنَّ الوسائط والأدوات المستخدمة اليوم في الحرب الناعمة متوفرة وفي متناول الجميع من دون استثناء، ودخلت إلى كل البيوت وعلى مدار24/24 ساعة ، فالحرب الناعمة تستهدف الجميع، وفي كل الأوقات، وبوسائل متنوعة جداً، وبجاذبية، ويوجد عدة أساليب للحرب الناعمة منها :
وسائل الإعلام والحرب الناعمة:-
إن الأداة الأساسية لترجمة الحرب الناعمة بشكلٍ عملي، وإنزالها من مستوى النظرية إلى التطبيق، كانت وما تزال “وسائل الإعلام” ، ولعل الأخطر ليس في كشف الحقيقة بل في معرفة أن لهذه الحقيقة تاريخاً نغفل عنه، ونحتاج إلى طرحه لفهمه والتصدي له،وهو ما كشفه البروفيسور «نوم تشومسكي»، صاحب كتاب «صناعة الإذعان»، في قائمة أعدها تحت عنوان «الاستراتيجيات العشر للخداع الإعلامي» ، وهي عبارة عن آليات عملية يعتمدها الإعلام في صناعة المنظومة الواقعية للحرب الناعمة.
وقد استند «تشومسكي»، في كشفه لتلك الاستراتيجيات إلى وثيقة سريّة تعود لعام 1979 وتمّ العثور عليها سنة 1986 وتحمل عنوان «الأسلحة الصّامتة لخوض حرب هادئة». وهي عبارة عن دليل يهدف للتحكّم في الشعوب والسيطرة على المجتمعات، وهو ما يعني في الحقيقة مضمون وهدف استراتيجية جوزيف ناي نفسها، عبر نظريته «القوة الناعمة».
ويمارس الإعلام هذه الحرب الناعمة بعدد من المسارات منها:-
1) تركيز الإعلام على الخوض في القضايا الداخلية والطائفية والعرقية والقومية والابتعاد عن قضايا إستراتيجية، توجيه وتحفيز الإعلام بأشكاله المتعددة في التركيز على الأفكار السطحية والابتعاد عن الأفكار التي تتيح اليقظة لدى الشعوب المستهدفة.
2) التماهي الإعلامي أي جعل الإعلام للدول نسخة طبق الأصل شكلاً ومضموناً مع الإعلام الغربي ،والإكثار من الفضائيات الفنية وغير الفنية في المناطق التي تعارض النفوذ والسياسة الأمريكية وخاصة العالم العربي.
3) زيادة تأثير المواقع الالكترونية في صناعة وتوجيه الرأي العام بما يتناسق مع الإستراتيجية الغربية والأمريكية في الهيمنة والنفوذ.
إن وسائل الإعلام والاتصالات هي الأمر المباشر الذي تستخدمه اليوم الحرب الناعمة في أوسع نطاقها ،وتتطلب الحرب الناعمة تأسيس غرفٍ إعلامية إلكترونية واستخبارية، وعبر استخدام قنوات الإعلام العربيّ المتأمرك أو الإعلام الغربي المعرّب، وكذلك وسائل التواصل الاجتماعي، فيسبوك، تويتر، انستقرام، واتس آب،وما إلى ذلك من وسائط الاتصال، والهدف العقل العربيّ والمسلم لتهميشه.
ويكون لوسائل الإعلام والاتصال لها وظيفة التكرار للقصة المفبركة والمزيفة التي تريد نشرها، وضخ المعلومات الكثيفة من أجل أن تؤثر على الناس، وأن يصبح ما تنشره هذه الوسائل هو الحقيقة التي يجب تبنيها والتعويل عليها، وتكمن خطورة الإدمان والتعرض السلبي لوسائل الإعلام، حيث ان التكرار والتوكيد يصنعان التصورات والمعتقدات خاصةً إذا ما شحنّت بجرعات عاطفية ومؤثرات بصرية إيحائية.
وتعمل غرف الحرب الناعمة على تفجير المتناقضات في الداخل العربي والإسلاميّ وتأجيج الصراعات الدينية وبثّ الفوضى ،وبت الأفلام الإباحية والدعارة وافساد المرأة تحت يافطة الحداثة وحقوق المرأة ..الخ ، ومن هذه الفرق فرقة كيدون الموسادية ، ووحدة التخطيط الإلكتروني في مركز الأبحاث التابع للمخابرات الأمريكية، ووحدة 8200 الصهيونية المعروفة باسم SIGINT والتي فيها مستعربون كثر يوجّهون عقول الشباب العربي والمسلم في وسائط الاتصال ويخلطون الحابل بالنابل مستغلّين في ذلك غياب الحسّ الأمني والثقافة الأمنية عند كثيرٍ من الشباب العربيّ والمسلم، فعندما يروّجون للحرية من خلال الفساد والإنحلال والطريقة المبتذلة في اللباس، والأداء المفضوح في العلاقات بين الجنسين، فإنما يريدون إثارة الغرائز والأهواء ليخرج الإنسان من ضوابطه وقواعده الثقافية والأخلاقية والدينية.
وفي سياق هذا ،يبين الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه في درس (لتحذن حذو بني إسرائيل )كيف يستخدم الإعلام قضية المظهر في تغيير القيم الإسلامية المتعلقة بالمرآة، ويُشير إلى أي درجة تمكن اليهود من جعل تبرج المرأة في المرافق العامة وأصبحت قضية مقبولة في مجتمعاتنا المسلمة، حيث يقول :”..وهم يعلمون أن التركيز على الجانب الأخلاقي الذي وسيلته المرأة، المرأة هي وسيلة سهلة، سهل إفسادها، وعظيم جدًا إفسادها أيضًا، إنها تفسد بسهولة، وهي من تفسد الرجل بسهولة أيضًا، يركزون على المرأة لتفسد في نفسها من خلال ما تشاهد.
ولكي لا يتجاوب المواطن إيجابياً مع قضاياه وقضايا مجتمعة ،تعمل قوى الاستكبار على تنويمه من خلال الحرب الناعمة، ولهذا يعمل محرك جوجل “google” الأمريكي على نشر وحماية المواقع القذرة والدعارة ، وتيسيرها للمتلقي العربي ، لأنهم يعرفون إنها تحول الفرد إلى متبلد الأحاسيس، فاقد الشعور بهويته وقضيته، وتجعله كسولاً، ومفرغاً من الداخل، وليس لديه قدرة على تمييز ما هو صحيح، بل تابعاً لمصالحه الشخصية الآنية، غير مبال بما يتهدد انتماءه الديني والوطني.
وفي سياق ذلك فقد دعا السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي في خطاب له بمناسبة ذكرى مرور عامين من العدوان على اليمن الى العناية بالنشاط التوعوي في الجامعات والمدارس والمساجد والمقايل والمناسبات، والتحصين بالوعي في مواجهة التضليل الإعلامي والفكري والتصدي للحرب الناعمة من قوى العدوان، وأكد أن قوى العدوان تشن علينا حربا عسكرية تدميرية، وحرباً ناعمة إفسادية التي تسعى إلى إفساد الشباب ونشر الدعارة والمخدرات.
وتسعى قوى الاستكبار الى بث الشعارات والمفاهيم الخاطئة، وتزيينها وتشويه المفاهيم السائدة، فهم يتحدثون عن الحداثة، ويقصدون بالحداثة ترك الماضي بكل ما فيه على قاعدة أنه أصبح مرادفاً للتخلف! ، ويتحدثون عن الأسرة ويطالبون بعدم تقييدها بالضوابط المعروفة في إدارتها، لتكون أسرةً حرَّة في إطار المساكنة والإنفاق المشترك، وعدم وجود مسؤول عن الأسرة، لتتحول الأسرة إلى بيتٍ يأوي الرجل والمرأة من دون أي تنظيم للعلاقة بينهما! ويتحدثون عن نموذج الغرب في كل شيء، في الطعام والشراب، وطريقة الحياة، وطريقة اللباس, ومواكبة الموضة، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى تغيير بعض الحقائق ويؤسس لشخصية مختلفة.