الخبر وما وراء الخبر

المطلوب ثورة وعي

65

بقلم | عبدالفتاح علي البنوس

في الوقت الذي لاتزال فيه أزمة الغاز المنزلي تلقي بظلالها على الشارع اليمني ، رغم الانفراج الجزئي البسيط والتقدم النسبي الذي طرأ عليها عقب سلسلة الإجراءات الحكومية التي اتخذت في حق تجار الغاز والتي أعقبها تدافع كميات لا بأس بها من الغاز بالسعر الرسمي ، ذهب لصوص الثروات وصناع الأزمات من التجار وقوى النفوذ والتسلط الشريكة لهم في استغلال ظروف المواطنين والمتاجرة بأوجاعهم ومعاناتهم إلى افتعال أزمة جديدة ، هذه المرة كانت في مادتي البترول والديزل .

فجأة ودونما سابق إنذار بدأت السيارات والمركبات تشكل طوابير طويلة أمام المحطات بغية الحصول على البترول والديزل ، بعض أصحاب المحطات تفاجأوا من حالة الهلع والنهم غير المسبوقة لدى المواطنين رغم أن السوق مليئة بالمشتقات النفطية ولا توجد أي مؤشرات تدل على وجود أزمة ،وخصوصا في ظل انسيابية تدفق المشتقات النفطية عبر المكلا أو عبر ميناء الحديدة وإن كان الأخير بصورة محدودة وغير منتظمة نظرا لعدم قيام قوى العدوان برفع الحصار عن الميناء بشكل نهائي .

والعجيب أن طوابير السيارات والمركبات مشحونة بأعداد كبيرة من البراميل وذلك بهدف تخزين المشتقات النفطية والبعض من أجل المتاجرة بها في السوق السوداء التي تشهد انتعاشا ملحوظا في ظل هذه الظروف والأزمات المفتعلة ، وكم يا مشاكل من تحت رأس السوق السوداء ، والأكثر غرابة والأشد عجبا أن المواطنين أنفسهم هم من ينساقون خلف الشائعات التي ينشرها لصوص الثروات وصناع الأزمات بواسطة بعض المأجورين في وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي وفي أوساط الناس ،فيبدأ تدوال ونشر هذه الشائعات بشكل تصاعدي ، وكل شخص يوصي من بجواره لتخزين كميات من المشتقات النفطية، تارة خشية انقطاعها ، وتارة خشية ارتفاع سعرها ، رغم أن سعرها الحالي مرتفع جدا ومع ذلك تجد الكثير من المواطنين يخدمون تجار الأزمات من حيث لا يشعرون ، ويتسببون في اختلاق أزمة من لا شيء بسبب قلة الوعي والفهم القاصر للأمور .

نعم المشكلة تكمن في قلة الوعي وأحيانا في انعدامه لدى شريحة واسعة من المواطنين ، وهو ما قد يصل إلى حالة مستفحلة من الغباء والتبلد ، بالله عليكم ما هو المبرر لشراء كميات هائلة من البترول والديزل وتخزينها وتكديسها في المنازل ؟! أين العقول ؟! لقد عاشت البلاد ظروفا ومراحل بالغة الصعوبة والتعقيد ومع ذلك لم نشهد أي أزمات خانقة في المشتقات النفطية بفضل الله وعنايته ومن ثم وعي وإدراك المواطنين ، أما اليوم فإننا أمام سلسلة من المؤامرات التي تستهدف الوطن والمواطن على حد سواء ، هناك من التجار والنافذين من تضررت مصالحهم وخسروا المنافع والفوائد التي كانوا يحصلون عليها في الماضي وهم لا يبالون بأن تحرق البلاد مع العباد في سبيل عودة هذه المصالح والفوائد والمنافع ، فمن تضرر منهم جراء تحديد سعر الغاز وضبط عملية تدفقه للمحافظات هم من عملوا على افتعال أزمة الديزل والبترول في محاولة منهم لإرباك الحكومة والضغط عليها للعدول عن كبح جماح جشعهم وطمعهم واحتكارهم وتلاعبهم بالغاز المنزلي .

بالمختصر المفيد، نحن في حاجة ماسة لثورة وعي واسعة النطاق ، ثورة تزيل الصدأ العالق في الكثير من العقول ، وتعمل على تنظيفها وإعادتها إلى الخدمة ، ثورة وعي تمكن المواطن من معرفة ما يضره وما ينفعه ، وما له وما عليه ، ثورة وعي تبصره بكل ما يدور من حوله وتمنحه القدرة على التمييز بين الغث والسمين ، والصواب والخطأ ، والحق والباطل ، والمعقول واللامعقول ، والمقبول واللا مقبول ، والمنطقي واللامنطقي ،والذي يصلح والذي لا يصلح ، آن الأوان أن نصحو من غفلتنا ونتخلص من وباء اللهث وراء السراب ، والسير خلف الأراجيف والشائعات ، يكفي تبعيات عمياء ، وولاءات خرقاء ، وهرطقات رعناء ، الوطن لا يبنى بالشائعات والأوهام والتخيلات والحيل والمؤامرات ، الوطن يبنى بالعقول النيرة الواعية لكل ما يدور حولها ، البلاد في خير رغم العدوان والحصار ،وإياكم والانجرار خلف الشائعات والأكاذيب .

هذا وعاشق النبي يصلي عليه وآله.