من حرفوا كلام الله سيحرفون أي شيء تقدمه إليهم؛ ومن نقضوا عهود الله سينقضون أي إتفاق
{أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ} (البقرة: من الآية100) لا يوجد فيهم مطمع. إذاً فلا تثق، لا تكن بالشكل الذي يحصل عادة عندما تكون طامعاً في جهة ينعكس أثرها على تصرفاتك معهم ولا تكون بالشكل الذي تثق بهم هم، أو تأمل من ورائهم أن يتقبلوا منك شيئاً، لا يوجد فيهم طمع، لا تثق بمعاهدات معهم.
ولهذا لاحظ: هو حصل فعلاً في الإسلام معاهدات، ومواثيق حصل مثلاً في مراحل في صدر الإسلام، في أيام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) مثلاً اتفاقيات معينة أو صلح معين على أن لا يعملوا كذا وأن لا يتآمروا وأن لا .. لكن القضية مرتبة، هناك فارق كبير جداً ما بين المواثيق والهدن والصلح الذي كان يتم في أيام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وبين ما يحصل بينهم وبين العرب الآن، هناك فارق كبير.
الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) يعرف طبيعة هؤلاء الناس سيعمل معهم معاهدة، هدنة معينة، لكنه مجهز نفسه عندما ينقضون سيضربهم ليس المعنى أنه عندما يدخل معهم في صلح أنه واثق بهم. لا، هذه قضية أخرى، قضية أن واقع بني إسرائيل هم على هذا النحو: إذا واحد تأمل بأنه كيف كان هناك تعامل متميز معهم في تاريخ الإسلام في الصدر الأول ليس على أساس أنه مُقِرٌ لهم على ما هم عليه، ولا من منطلق أنه يثق فيهم عندما يدخل معهم في صلح، أو معاهدة، أو هدنة، أو أي شيء من هذه أبداً، إنما هذه في نفس الوقت تجعلهم أمام واحدة من اثنتين: إما أن يكونوا أناساً يتقبلون ويندمجون في المجتمع المسلم ويذوبون فيه ويسلمون، أو متى ما ظهر منهم النقض الذي هو الشيء الطبيعي عندهم، فيكون معناه أنهم فتحوا على أنفسهم الثغرة لِيُضْرَبُوا.
العرب الآن يدخلون معهم في مواثيق ومعاهدات ويكون عنده أنهم صادقين لم يعد يحسب أي حساب، هو ليس في موقع مجهز لنفسه متى ما نكثوا يضربهم فتراهم في الأخير يصيحون، يصيحون ويقولون: [هذا يضر بعملية السلام، هذا أثَّر على عملية السلام, هذا مؤثر على المعاهدات والإتفاقيات] وفي الأخير قالوا: [خارطة الطريق, وسيؤثر على خارطة الطريق، هذا يؤدي إلى إخماد خارطة الطريق, إلى إبطال خارطة الطريق] وأشياء من هذه!! لعب بهم بنو إسرائيل لعبة فعلاً، لعبوا بالعرب لعبة رهيبة، يدخل معهم في معاهدات وعنده أنهم صادقين ثم في الأخير تنعكس على مواقفهم.
لاحظ قوله: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ} (البقرة: من الآية75) هذا الطرف الغبي، الطرف الغبي فعلاً الذي لا يعرف بني إسرائيل متى صار عنده أمل قد أصبح يسمع من بني إسرائيل، هم مكَّارون، هم مضللون يصدقهم عندما يقولون: [أنه احتمال ندخل معكم في هدنة واتفاقيات سلام ومواثيق ويهمنا أن يكون هناك سلام وتعايش سلمي] فيعود هذا على أصحابه الذين يجاهدون ويقاتلون ليقول لهم: اقعدوا، اسكتوا] ويقوم بضربهم؛ لأن لديه طمع، هنا أليس طامعاً؟ هو طامع في بني إسرائيل أنه سيدخل هو وإياهم في ماذا؟ في اتفاقيات سلام، ويستقر، ولا يوجد حاجة لقتالهم! في الأخير يقسو على أصحابه على الذين يجاهدون، وفعلاً هذا حصل في فلسطين بشكل عجيب، [السلطة الفلسطينية] يخادعها الإسرائيليون وظنوا فعلاً أنه سيدخل معهم في سلام، وتنتهي القضية! إذاً أولئك الذين هم مزعجون [حماس والجهاد] وتلك الحركات المجاهدة؛ ثم يرجعون عليهم بقسوة، ويعيقون أعمالهم، ويقتلون منهم، ويسجنونهم ويسلمونهم للإسرائيليين في بعض الحالات؛ لأنه قد أصبح لديه طمع أنهم سيصدقون!.
لا، القضية هنا لا يكون لديك طمع فيهم على الإطلاق، أن يبني الناس أنفسهم على أساس معرفتهم لبني إسرائيل، يمكن متى ما جاءت مرحلة معينة رأوا هم، هذا الطرف، ليس على حسب إملاءات بني إسرائيل: أنه يأتي هدنة، يأتي صلح ويكون هو مجهز نفسه بالشكل الذي يعرف أنه احتمال 100% أنهم ينكثون لكن اتركهم ينكثون لتضربهم، لأنه متى ما نكثوا عهداً، متى ما نقضوا ميثاقاً أصبح مبرراً واقعياً ومبرراً إعلامياً، ومبرراً منطقياً أن يُضْرَبُوا.
الآن هؤلاء الذين يحاولون يمسكون الأشخاص الذين يرفعون التكبير في المساجد [الموت لأمريكا والموت لإسرائيل] أليس هذا تصرفاً قد يكون ظاهر فيه واحدة من هذه الحالات؟ يعني ماذا؟ طمع أنه إذا سكّتنا هؤلاء وتركنا للأمريكيين كذا، وقبلنا لهم هذا المطلب، وقبلنا هذا المطلب ووافقنا على هذه الحاجة التي يريدونها أنه يعني في الأخير ماذا؟ سنسلم شرهم ونهدأ! رجعوا على أصحابهم يمسكونهم! أليست نفس الطبيعة؟ طبيعة [عرفات] طبيعة [السلطة الفلسطينية].
الله يقول للمسلمين: لا يكن لديكم طمع فيهم، في أنهم يؤمنون لكم، في أن يفوا معكم، في أن يكونوا ملتزمين بأي ميثاق أو عهد يقوم بينكم وبينهم، في أن يقدروا لكم شيئاً تعملونه أنتم لهم على أساس يرضون عنكم، قال الله في آية أخرى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} (البقرة: من الآية120) لاحظ لو أن لديهم رؤية قرآنية لعرفوا كيف يتصرفون من البداية مع اليهود، لكن لا يوجد رؤية قرآنية لذلك تراهم في الأخير يكون تصرفهم قوي مع الحركات المجاهدة لليهود، الواعية، الفاهمة لنفسية اليهود وطبيعتهم.
لاحظ القصة العجيبة التي تبين لك أنه الناس الذين يكونون جريئين إلى الدرجة هذه: أن يحرفوا كلام الله سيحرفون أي شيء تقدمه إليهم؛ ألم يحصل هذا في قضية العراق عندما قدم ملفاً كاملاً عن أسلحته وعن برامجه التسليحية، ألم يقوموا بخطفه هم؟ اختطفوه وفعلاً غيروا فيه حتى أصبح ظاهراً بأنهم غيروا فيه فعلاً قبل أن يوزعوه لدول أخرى، ويعيدوه إلى [مجلس الأمن] أو إلى [الجمعية العامة للأمم المتحدة] غيروا فيه. الإيرانيون سلكوا نفس الطريقة أي قدموا هم أيضاً تقارير قدموا أشياء عن برامجهم إلى [الوكالة الدولية] واحد من الأمريكيين يتكلم قبل أسبوع قال: قدموا بعض، أي: الإيرانيين قدموا بعض، أي: أن هناك مطالب، لا تنتهي هذه المطالب.
أولئك يتصرفون معهم على أساس أن عندهم أمل، أو عندهم طمع: أن يؤمنوا لهم! هؤلاء أناس ليس فيهم مطمع أن يؤمنوا لكم على الإطلاق.
إذاً، العنوان هذا، أو القضية هذه تحتها تصرفات كثيرة جداً، إما تصرفات خطأ ـ عندما لا تكون فاهم بأن الله قال عنهم، بأن ليس فيهم مطمع أن يؤمنوا لكم ـ أو تصرفات إيجابية عندما تكون واثقاً بهذه: أن هذه طبيعة لديهم ثابتة، فإذا كانوا يحرفون كلام الله سيحرفون كلامك، كلام أي دولة، كلام أي حزب {مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ} (البقرة: من الآية75) ليس تحريفاً على أساس أنهم إنما يتحدثون بما فهموه، يتحدثون بما فهموه فتكون النتيجة في الأخير ماذا؟ أنهم لم يعرفوا الموضوع فعبروا عنه خطأ، لا. إن القضية من أصلها أنهم هم ينطلقون متعمدين للتحريف.
الدرس الخامس – من دروس رمضان المبارك.
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي/رضوان الله عليه.
بتاريخ: 5 /رمضان 1424هـ
الموافق:29/ 10/2003م
اليمن ـ صعدة