الخبر وما وراء الخبر

كيف أَصْبَح العدوان هو الشرعية؟

38

بقلم / إبراهيم السراجي

تحتضنُ عدن في الوقت الحالي ثلاثةَ أطراف متناقضة الأهداف والمشاريع بل ومتناحرة غير أن ما يجمعُها هو علاقتُها بتحالف العدوان الأمريكي السعودي الذي بات هو المعيار الوحيد للتواجد في عدن المحتلة بعد أن انتهت ذريعة “الشرعية” وباتت من الماضي وغيرَ قابلةٍ للتداول من جديد.

أواخرَ يناير الماضي شهدت عدن أحداثاً داميةً بين مليشيات الفار هادي ومليشيات المجلس الانتقالي، أما السبب الظاهر للمواجهات التي حدثت فهو تحَـرّك الأخير لإسقاط حكومة المرتزقة بعد أن أعلن مهلة تمتد لأسبوع لإقالتها.

أما السببُ المتواري خلف ذلك فكان سعيَ قوى العدوان لخلق طرف جديد له علاقة منفصلة بتحالف العدوان عن العلاقة مع حكومة المرتزقة، يكون صاحب نفوذ ميداني ليُصبِحَ حاملاً لمشروع التقسيم الذي تديرُه الولاياتُ المتحدة وبريطانيا.

وما يؤكد ذلك هو أن مليشياتِ المجلس الانتقالي ورغم سيطرتها بدعم الاحتلال الإماراتي على معسكرات وألوية الفار هادي إلا أنها لم تُسقِطْ حكومة المرتزقة وأبقت عليها في عدن، فلماذا لم يتم إسقاطها رغم وجود قدرة ميدانية على ذلك؟ الإجابة ببساطة أن إسقاط حكومة المرتزقة كانت ذريعةً لتحقيق مكسب ميداني متفق عليه وفق إرَادَة قوى العدوان.

أيضاً انصاعت حكومة الفار هادي للواقع الجديد وقبلت التسوية التي فرضتها قوى العدوان في عدن مع طرف لا يعترفُ باليمن كدولة ولا يعترفُ بما يسمى “الشرعية”، وهو ما يؤكد أن الحرب ستظل على القوى المناهضة لدول العدوان وليس الرافضة لشرعية المرتزقة، فقد أَصْبَحت قوى العدوان بالنسبة لكافة المرتزقة هي “الشرعية” وليس العكس.

أما بقايا فتنة ديسمبر التي انتقلت إلى عدن فهي تسير بنفس الاتجاه الذي أراده الاحتلال للمجلس الانتقالي، أي أن تكون طرفاً يحظَى برعاية العدوان ويخدم أجنداتِه وفي ذات الوقت لا يعترفُ بما يسمى الشرعية التي بدورها ليست قادرةً على مجرد الحديث عن رفضها لهذا التواجد.

لقد أَصْبَحت ما تسمى الشرعية في حقيقة الواقع الطرف الأضعف وكذلك مجرد طرف مثله كباقي الأطراف التي تخضع للاحتلال، وبالتالي لم يعد شيءٌ يبقي على أقل تواجد لها سوى علاقتها بالعدوان، فالكل اليوم يدافعون عن العدوان وينفذون أجنداته بعدَ ما كان العدوان يتمترس خلف “حماية الشرعية” ليشرعن حربه الهمجية على الشعب اليمني؛ بهدف تنفيذ المشروع الأمريكي الهادف لتفتيت وتقسيم اليمن.

بالنسبة لقوى العدوان فإنَّ خلق عدة أطراف متناقضة تتبع أجندتَه وتنفذ أهدافه هو الخيار الأفضل لخلق بيئة وأجواء مناسبة لتنفيذ المشاريع الخارجية؛ فلذلك نجدُ أن قوى العدوان حريصة كُلَّ الحرص على تطويع تلك الأطراف وحريصة أيضاً على جعلها متناحرة؛ كي يتسنى لها في الوقت المناسب ضرب الأطراف ببعضها وإضعافها.

ورغم أن الواقع على مدى ثلاثة أعوام قد كشف بشكل عملي نوايا العدوان حتى تجاه عملائه إلا أن تلك الأطراف ليست قادرة مطلقاً على التحرر من التبعية المطلقة لأنها تعتقد أن وجودها مرهون بتبعيتها وأنها بدون قوى العدوان لا يمكن أن تقوى على فعل شيء.

لقد كان الإصلاح أولَ ضحايا الارتزاق عندما قاتل وزجَّ بالآلاف من عناصره خدمةً للعدوان في المحافظات الجنوبية إلا أنه لم يجد مَن يقفُ إلى جانبه عندما قرّرت قوى العدوان اجتثاثَه من حضرموت وعدن وباقي المحافظات الجنوبية، بل إن قوى العدوان استخدمت عملاءَها الآخرين لاجتثاث الإصلاح بعدما كان الطرفان يقاتلون في صف واحد، لكن العمالة لا تسمح لصاحبها بأن يقيم الأمور بالشكل الصحيح؛ ولذلك ستواصل أطراف المرتزقة المضي في خدمة العدوان حتى يحين وقت اجتثاثها.