مجاهد يجسّد المسيرة القرآنية تحت نيران الأعداء
بقلم | د. يوسف الحاضري
كثيرٌ أولئك العظماءُ في هذه المسيرة القُــرْآنية التي انطلقت في مطلع هذا القرن، سواءٌ أكانوا من السابقين أَوْ من اللاحقين الذين اتّبعوهم بإحسان، فنال الجميعُ رضوانُ الله، وكثيرةٌ تلك القصصُ والوقائعُ التي حدثت وتجسَّدت فيها عظمةُ الله وقوتُه ولطفه وعزته وحكمته وكرمه على أيدي مستضعفين صدقوا ما عاهدوا الله رغم أن منهم من قضى نحبه ومنهم من ما زال ينتظر.
ومن هؤلاء ما استطاعت كاميرا الإعْلَام الحربي في إحدى جبهات العزة والشرف أن تلتقطَها عندما قام أحد المجاهدين بحمل زميله المجاهد المصاب فوق كتفيه منطلقاً بخطى واثقة وهادئة ومطمئنة، مسعفاً له تحت نيران القناصة والتي انهالت عليه من كُلّ حدب وصوب، متجاوزاً لأكثر من 500 مترٍ في أرض مفتوحة لا شجر فيها ولا حجر ولا هضاب ولا حفر ولا متارس ولا أدنى شيء مما يستخدمه المقاتل في الاحتماء من نيران الأعداء.
وأنا اشاهد هذا المقطع الذي لم يتجاوز الـ3 دقائق وأشاهد كيف أحسن المجاهد إلى زميله فأحسن اللهُ إليهما بلطفه وحفظه، تراءت أمام عيني كُلّ آيات القُــرْآن الكريم وكل ما فيها من وعود وألطاف ربانية ورضا إلهي؛ ليتجسد لنا مسيرة القُــرْآن الكريم على أكمل صورها، فالمجاهد تحَــرّك بحركة القُــرْآن وجسد المسيرة الحركية والتي تحمل فوق عاتقها حماية ورعاية الدين الإسْلَامي والمسلمين الذين أثخنوا بجراح المنافقين واليهود خلال 1400 سنة وما زالوا، فتجاوز الأخطار رغم شدتها ورغم أن خطورتها تصل إلى أعلى مرتبة يمكن أن يصنفَ خطورة وهو (الموت) فنجحت مهمته والتي احتواها الله بحفظه ورعايته وتأييده كما نجحت المسيرة القُــرْآنية بنفس الحفظ والرعاية والتأييد، فكانت التوجيهات الإلهية لنيران العدو أن تصبحَ برداً وسلاماً على المجاهد هي نفس التوجيهات لنيران 6 حروب سابقة ونفس التوجيهات لنيران النمرود التي أراد بها أن تلتهمَ خليل الله إبراهيم عليه السلام فتراءى لنا خليلاً آخرَ في عصرنا هذا.
إحسانُ يوسف عليه السلام أهّله لينقذَ أمةً من الجوع البدني والفكري عندما تحَــرّك متسلحاً بهذا السلاح تجسد أَيْضاً في هذا المجاهد الذي أحسن لزميله الجريح، فتحَــرّك بقوة الإيْمَان والثقة المطلقة بالله، فأحسن الله إليه، ليتجسد لنا يوسف في عصرنا هذا أمام كاميرا الإعْلَام الحربي.
أيضا حكمة وحنكة لقمان عليه السلام تجسدت أمام ناظرينا في هذا المجاهد الذي كان يخطو بخُطَىً ذات عُروة وثقى محكمة ومتقنة لم ينقصها أدنى ثقة بالله رغم أصوات الرصاص في الجو وأصواتها في الأرض وما تنثرها من تراب عندما تصيب الأرض، وكأنه يمشي في بستان من ورود بل أتقن وأوثق من ذلك، أما كيف تراءى لنا نبيا الله داوود وسليمان في هذا المشهد، فذلك عندما أدرك المجاهد أن قلةَ عدده وانعدام حيلته لن تمنعاه عن تحمل مسئوليته والقيام بواجبه كما كان داوود عليه السلام والذي قتل بعد ذلك جالوت وهذا قتل آلاف الجواليت قتلاً نفسياً وكَمَداً وغيظاً ورعباً مما رأوه، كما أن تسخيرَ الله القوى الخارقة لسليمان هي نفس القوى التي سخرت لهذا المجاهد فحالت دون أن تصيبه عشرات الرصاص التي انهمرت عليه خلال مسافة 500 متر بأيدي قناصة مرتزقة وَمحترفين، كما أن تأييدَ الله لأصحاب الكهف الذي كان يزاوِرُ الشمس عنهم عندما تشرق وتقرضهم عند الغروب كان متجسداً في تغيير قوانين الطبيعة والمنطق في نفسية المجاهد وفي انحراف مسار الرصاص عن الهدف.
أما تلك اللحظة التي جعل الله بين أيدي قناصي صناديد قريش سداً ومن خلفهم سداً، عندما أعدوا أشد أسلحتهم ليفتكوا بنبي الله محمد تجسدت أَيْضاً في هذا المجاهد عندما أعمى الله القناصة وهم ينظرون عن الهدف كما أن كرمَ وعطاءَ الإمام علي عليه السلام عندما أنفق جسدَه وروحَه ونفسَه لله وللرسول وللدين عندما نام فداءً للنبي في فراشه تجسد أَيْضاً عندما أنفق هذا المجاهد نفسَه فداءً للحق ولليمن وللدين أولاً عندما انطلق للجهاد وثانياً عندما أنفق نفسه لينقذ الجريح.
لو نستمر في إسقاط الحدث العظيم هذا على كُلّ آيات القُــرْآن لوجدناها متجسدةً، ولا غرابة، فالمجاهد وعمله العظيم ليس إلا من مخرجات مدرسة الشهيد القائد حسين بن بدر الدين الحوثي وأخيه السيد القائد عبدالملك بن بدر الدين الحوثي سلام الله عليهم أجمعين، فمن أراد أن يعرف الصراط المستقيم فلينظر إلى مسار هذا المجاهد ومن أراد أن يعرف مَن هم الذين أنعم الله عليهم لهذا الصراط فليقتفِ حركةَ هذا المجاهد.
ومن منظور آخر سنجدُ أن المشهد العظيم أَيْضاً أظهر لنا خبثَ ودناءة الطرف الآخر، والذي أَيْضاً سنجدُ نفسياتِهم في القُــرْآن الكريم، حيث تسابقوا كالكلاب المسعورة ليقنصوه ويقنصوا زميله الجريح رغم أنهما أعزلان، جريحٌ وَمسعفه، في أشد وألعن صور الدناءة النفسية التي قد تمر علينا وتم تصويرها مباشرة عبر إعلامنا الحربي البطل المجاهد.
لو نستمر في الحديث عن الأمر العظيم هذا فلن نُنهيَ الأمر بتاتاً، فالدروس العظيمة القُــرْآنية الجهادية كثيرة ومتنوعة ولا تُحصى، والعبر أَيْضاً جليلة، فهذا المجاهد جسّد المسيرة القُــرْآنية تجسيداً حركياً، وهناك كثير من أمثاله في كُلّ الجبهات يقومون بما يقوم به من بطولات لم ترصدْها كاميرا الإعْلَام الحربي، ولكن الأهم والأعظم أنها رصدتها كاميرا الله عز وجل.
سلامُ الله تغشى كُلّ مجاهد في كُلّ جبهات العزة والشرف وكل جريح أصيب في جبهات العزة والشرف وكل شهيد سقط في جبهات العزة والشرف وكل نفس ساعدت وساهمت في جبهات العزة والشرف وكل نفس ما زالت تعد نفسَها لجبهات العزة والشرف..
واليمن بهذه المسيرة القُــرْآنية السليمة المتحَــرّكة، بحول الله وقوته، سينتصر، وستعم الرحمةُ الدينيةُ العالَمَ أجمعَ على أيدي اليمنيين ولو كره الكافرون (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ).