الخبر وما وراء الخبر

«لغز الباليستي»: مخزون مُطوّر… بأيدٍ يمنية

76

فايز الأشول/ الاخبار اللبناني
«نحن نصنع أفضل المعدات العسكرية في العالم، هناك ضربة أقدمت عليها إيران للتو، من وجهة نظري ضد السعودية، تعلمون بذلك؟ رأيتم الصاروخ الذي انطلق، وأنظمتنا اعترضته في السماء، هذا يبيّن كم نحن جيدون، لا أحد يصنع ما نصنع، والآن نحن نبيع ذلك للعالم أجمع».

لا يعلم الصحافيون الذي رافقوا الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، على متن طائرته الرئاسية، في زيارته إلى اليابان في الخامس من تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، بصاروخ أطلقته إيران على السعودية، ولم يشاهدوا اعتراض الـ«باتريوت» للصاروخ في سماء الرياض، فهم لحظتها كانوا برفقته في سماء طوكيو، ولكن ذلك يبيّن أن «مهرّجاً» يحكم العالم، وأن مؤلف كتاب «فن إبرام الصفقات» الذي كتب 9 من فصوله في ليلة واحدة، لا يجد صعوبة في إبرام مزيد من الصفقات مع أمراء الخليج، وأن شعباً فقيراً كالشعب اليمني يتعرض لحرب إبادة منذ 3 سنوات لرفع مبيعات شركات الأسلحة

حصار بري وبحري وجوي على اليمن منذ إطلاق «التحالف» الذي تقوده السعودية عملياته العسكرية في الـ26 من آذار/ مارس 2015. ومع ذلك، لا يزال النظام السعودي يسهب في التهويل من خطر التدخل الإيراني في اليمن، ومدّ حركة «أنصار الله» بالسلاح، للتغطية على فشل الحرب التي يشنها عليها منذ ما يقارب ثلاثة أعوام. قَصَف طيرانه الأخضر واليابس، وحَوّل البلد الفقير إلى كومة من الخراب، وأعلن في الأسابيع الأولى من الحرب أنه نجح في القضاء على مخزون الصواريخ التي كانت بحوزة نظام الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، كما صرّح حينها الناطق باسم «التحالف» العميد أحمد عسيري.
لكن الصواريخ لا تزال تخترق دفاعات الـ«باتريوت» في السعودية، مع تطوّر مداها من 300 كلم ليقترب من الـ1000 كلم، كما هو مدى الصاروخ الباليستي «بركان H – 2» الذي أطلقته الحركة في كانون الأول/ ديسمبر الماضي باتجاه قصر اليمامة، المقر الرسمي للملك في الرياض، حيث نقلت حينها وكالة «رويترز» عن شهود عيان سماعهم دوي انفجار عنيف في العاصمة. ومع كل عملية إطلاق لصاروخ من اليمن، تتجدد التساؤلات عن حجم القوة الصاروخية اليمنية ومصدرها وحقيقة إصابتها لأهدافها وقوتها التدميرية.

تجارب ومحاولات

تتراكم أكياس الأسمدة الزراعية في منفذ الوديعة الرابط بين اليمن والسعودية، كما تتراكم بجوارها أنابيب الحديد الخاصة بآبار المياه الارتوازية. فإدارة المنفذ من الضباط السعوديين لا تسمح بدخولها إلى اليمن، وتجبر سائقي الشاحنات المحملة بها على إفراغها في العراء، بحجة استخدامها من قبل حركة «أنصار الله» في صناعة الصواريخ، وهو ما يكشف زيف ادعاءات الرياض ومزاعم واشنطن عن تهريب صواريخ إيرانية إلى اليمن.
أكثر من ذلك، تسبق كلَ عملية إطلاق ناجحة لصاروخ باليستي تجارب فاشلة يتكتم الإعلام الحربي لحركة «أنصار الله» عليها، على الرغم من أنها تزيح شبهة تهريب صواريخ من الخارج. ففي الـ24 من كانون الأول/ يناير الحالي، سقط صاروخ في شمال صنعاء بعد لحظات من إطلاقه، كما سقطت عدد من الصواريخ بطريقة مشابهة خلال العام الماضي في محافظات صعدة وعمران والجوف وتعز وحجة.
ضابط رفيع في وزارة الدفاع في صنعاء، طلب عدم الافصاح عن اسمه، قال، لـ«الأخبار»، إن «90 صاروخاً باليستياً أُطلقت على قواعد عسكرية ومطارات ومنشآت نفطية في السعودية منذ بداية عدوانها على اليمن وحتى مطلع العام الحالي»، مضيفاً أن «الخبراء اليمنيين في دائرة التصنيع الحربي ظلوا يواجهون صعوبة في ضبط نظام التحكم بالصواريخ المطورة من (سكود) الروسية و(موسودان) الكورية، وكان ينعكس ذلك في انخفاض مستوى دقة الإصابة، وانحراف عدد من هذه الصواريخ عن أهدافها من 200 – 400 متر». وتابع أن «هذه المشكلة ظلت حتى عملية إطلاق صاروخ باليستي على مطار الرياض في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث تم ضبط نظام التحكم وتحقّق النجاح في إصابة الهدف».

مخزون الصواريخ

تتفق مصادر عسكرية عدة على أن حركة «أنصار الله»، عقب سيطرتها على صنعاء في كانون الأول/ ديسمبر من العام 2014، وضعت يدها على معسكرات الصواريخ في محيط العاصمة، والتي كانت تضم حينها صواريخ أرض – أرض ذات مدى يبلغ 120 كم، وصواريخ «هواسونغ – 5» بمدى يصل إلى 320 كم، وصواريخ من نوع «سكود بي» تُقدّر المصادر عددها بـ500 صاروخ كان حصل عليها اليمن من الاتحاد السوفياتي في ثمانينيات القرن الماضي، إلى جانب صواريخ «توشكا» روسية الصنع، يبلغ مداها 120 كم، واستخدمت عدداً منها حكومة اليمن الشمالي في حرب 1994 رداً على هجمات صواريخ «سكود» التي أُطلقت على صنعاء من الجنوب. (أطلقت «أنصار الله» أول صاروخ من نوع «توشكا» في أيلول/ سبتمبر 2015، مُستهدِفةً به معسكر صافر في محافظة مأرب، ما أوقع 99 قتيلاً من قوات «التحالف»، معظمهم ضباط وجنود من القوات الإماراتية).

يُضاف إلى ما تقدم، أنه في الـ22 من شهر أيار/ مايو من العام 2010، أقام الرئيس الراحل، علي عبد الله صالح، عرضاً عسكرياً حضره الملك السعودي الراحل، عبد الله بن عبد العزيز. وكشف النظام في صنعاء يومها امتلاكه صواريخ «موسودان بي إم» متوسطة المدى، تتفوق على «سكود» و«توشكا»، وتعاقدت الحكومة اليمنية مع كوريا الشمالية على شرائها عام 1998، لتعترض البحرية الإسبانية شحنة منها في البحر الأحمر عام 2002.
وقالت وكالة الصحافة الفرنسية، حينها، إن «الحكومة اليمنية تمكنت من إقناع الولايات المتحدة بالإفراج عن الشحنة المكونة من 15 صاروخاً مخبأة تحت حمولة من الإسمنت، على متن السفينة سوسان، وتبيّن بعد التحقيق أنها كانت موجهة إلى اليمن». كما نقلت الوكالة الفرنسية أن «الولايات المتحدة وافقت على السماح بتسليم الصواريخ إلى اليمن بمقابل»، فيما نددت كوريا الشمالية بعملية اعتراض السفينة، وقالت وزارة خارجيتها في بيان أذاعته وكالة الأنباء المركزية الكورية إن «على الولايات المتحدة أن تعتذر عن القرصنة التي تنم عن الاستبداد الذي ارتكبته ضد سفينة تجارية تابعة لبيونغ يانغ، كانت تحمل مكونات صواريخ وبعض مواد البناء بموجب عقد قانوني مع اليمن». وأضاف البيان أن «جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية لا تنتج صواريخ للدفاع عن نفسها من التهديد العسكري الأميركي، وإنما تصدّرها أيضاً للحصول على عملة صعبة».

الخبراء العراقيون

صواريخ «موسودان» الكورية يصل مداها إلى 500 كلم، لكن حركة «أنصار الله» تستهدف السعودية مؤخراً بصواريخ يقترب مداها من الـ1000 كم، فكيف تمكنت من ذلك؟ عقب سقوط العاصمة العراقية بغداد بيد الاحتلال الأميركي عام 2003، وبحسب مصادر عسكرية، استقبلت صنعاء أكثر من 200 خبير عسكري عراقي تم توزيعهم على معسكر القوات الخاصة الذي كان يقوده نجل الرئيس اليمني السابق، العميد أحمد علي عبد الله صالح، إضافة إلى معسكر الفرقة الأولى مدرّع التي كان يقودها اللواء علي محسن الأحمر الذي يشغل اليوم منصب نائب الرئيس اليمني، ويقيم في العاصمة السعودية الرياض.
استُحدثت دائرة التصنيع الحربي في وزارة الدفاع في صنعاء، وتم إنشاء ورش ومعامل خاصة لتطوير الأسلحة، وفي المقدمة تطوير الصواريخ الروسية والكورية بالاستفادة من خبرات الجنرالات العراقيين. ومع سيطرة حركة «أنصار الله» على صنعاء، أضحت دائرة التصنيع الحربي التي يعمل فيها ضباط يمنيون تم تأهيلهم على يد الجنرالات الهاربين من بغداد تحت إشرافها. يخفي الجنرال علي محسن الأحمر كل ذلك عن الرياض، ويشارك النظام السعودي نحيبه على تدخل إيران في اليمن، ودعمها للحوثيين بالخبراء والصواريخ.

قوة ردع

هذه الصواريخ اليمنية، وإن لم تكن قادرة في الوقت الحالي على معالجة الخلل في موازين القوة مع «التحالف» الذي تقوده السعودية، إلا أنها تشكل قوة ردع لا يُستهان بها، وأثبتت عجزه عن تحييدها وتفادي خطرها، بعد تشكيك خبراء عسكريين في فعالية منظومة الدفاع الأميركية، «باتريوت». ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز»، في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، عن خبراء في معهد «ميدلبوري للدراسات الدولية» في مونتيري في كاليفورنيا قولهم إن «منظومة باتريوت التي تسخدمها السعودية قد تكون فشلت في اعتراض صاروخ باليستي أُطلق من اليمن، وانفجر قرب مطار الرياض، خلافاً لما أعلنته السلطات». وبحسب هؤلاء الخبراء، فإن السعودية أطلقت خمسة صواريخ اعتراضية من منظومة «باتريوت» الأميركية، ولكن الصواريخ «إما أصابت مؤخرة الصاروخ وأبقت على رأسه المتفجر فواصل طريقه، أو أنها أخطأته تماماً فانشطر الصاروخ بنفسه إلى قسمين». فشَل الـ«باتريوت» يدفع الرياض إلى استعجال تملّك منظومة «أس 400» الروسية، على الرغم من أنها تدعي أن منظومتها الأميركية تمكنت من اعتراض الصواريخ الـ83 (بحسب الأرقام المعلنة) التي أُطلقت من اليمن على السعودية.
الكاتب والمحلل في الشؤون العسكرية والاستراتيجية، أحمد عايض، يقول، لـ«الأخبار»، إن «التطوير والتصنيع الصاروخي اليمني يأخذ مرحلة تصاعدية مسابقة للزمن، وسيضع اليمن كقوة إقليمية يُحسب لها ألف حساب، خصوصاً أن صواريخه المطورة محلياً تجاوز مداها 1300 كم، مما يهدد مستقبل ونفوذ الأدوات الأميركية التي تعبث بالمنطقة»، مضيفاً أن «القوة الصاروخية حافظت على عامل الردع، واستطاعت أن تكون البديل لمواجهة التفوق الجوي والبحري لدول العدوان، وستغير قريباً من موازين القوة».