اجتماع فيينا السوري: الأسد بــــــاقٍ والمؤسسات تظل قائمة.. والسعودية تنفض وفاضها كفاً بكف
خلاصتان أساسيتان انتهى إليهما اجتماع فيينا بشأن الملف السوري، وهما: مسار جديد قد بدأ، والأميركي وسيط فيه لا طرف، اجتماع الجمعة شارك فيه وزراء خارجية 17 دولة، بينها تركيا والسعودية، وإيران التي تشارك للمرة الأولى في اجتماع دولي من هذا القبيل.
الفجوة تصبحُ أكبرَ بين الأميركي وحليفيه، السعودي والتركي حين يصل النقاش إلى الوضع الميداني والتطورات العسكرية على الأرض، فالأخير ظل على مدى ساعات يظهر توتره وفقدان شيء من بعض الصواب، في محاولة جرّ المتحاورين إلى معادلة أن التدخل العسكري في سوريا يجب أن يشمل في أهدافه سلطة دمشق، فيما كان موقف كيري جازماً: نحن في سوريا لن نضرب إلا داعش.
وعندما أبلغ الناظر الأميركي الحاضرين أن البيت الأبيض سيعلن عن إرسال قوات عسكرية محدودة إلى الشمال السوري للمساعدة في الحرب ضد داعش وحدها دون سواها، صار التوتر التركي ظاهراً على تقاسيم الوجه وحركات اليدين.
كأنه يعتبر أن الخطوة الأميركية مرتبطة باستحقاق الانتخابات التركية بعد ساعات، أكثر منها ارتباطاً بما يحصل في دمشق وبما قد يكون مستقبل حكمها الراهن.
التركي الخاسر الأكبر في بوكر فيينا- كما تقول جريدة الأخبار، لا طرح، ولا حتى حلفاء. والسعودي حلّ طبعاً في مرتبة الخاسر الثاني بوضوح.
ذلك أن مشروعه المحصور برحيل الأسد، بدا يتيماً وعقيماً. حتى هو كان عاجزاً عن بلورة آلياته أَوْ طرح عمليته التنفيذية، إذ ظهر السعودي عالقاً بين استحالتين بالنسبة إليه: استحالة أن يدعو إلى إسقاط الأسد بالقوة. وهي استحالة باتت أقرب إلى الجنون في حضور الثنائي الكبير على رأس الطاولة: الروسي يقاتل إلى جانب الأسد.
والأميركي يؤكد أنه صار مستعداً لبذل التضحيات البشرية، لكن في عملية ضرب داعش لا سواها. أما الاستحالة الثانية فأن يدعو السعودي إلى إسقاط الأسد بالانتخابات وفي صناديق الاقتراع.
هنا بدا السعودي وكأنه أَمَـام محظورين اثنين: أولاً عجزه المفهومي، كنظام عائلي وكسلطة أوتوقراطية، عن أن يلفظ كلمة انتخاب أَوْ يعلن مطلباً متلازماً مع مبدأ الاقتراع. وثانياً إدراكه أن (الرئيس) الأسد قادر على الفوز في أية انتخابات نزيهة تجرى في ظل أي إشراف حيادي عادل. هكذا اكتفى السعودي على مدى ساعات بتكرار لازمة بدت مملة مضجرة: رحيل الأسد.
ولو حشر أكثر بسؤاله حول كيفية الطرح، لأجاب ربما: على الطريقة السعودية.
بصفقة، بتهريبة، بتصفية، المهم أن يرحل!
لهذا تراجعت السعودية مرغمةً
وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، كان الأربعاء الفائت، يرعد ويزبد وهو يعقد مؤتمراً صحافياً مع نظيره البريطاني فيليب هاموند، ويقول للصحافيين إنّ اجتماع فيينا سيكون آخر فرصة لاختبار نيات الإيرانيين والروس والوصول إلى موعد محدّد لرحيل الرئيس السوري، وإنه ما لم يتحقق ذلك بالتوصل إلى موعد محدّد لهذا الرحيل، فلن تحضر بلاده اجتماعات لاحقة، وستلجأ إلى وسائل وطرق أخرى.
وبعد أن انتهى اجتماع فيينا كل ما بوسع الجبير أن تحدّث باقتضاب عن تأجيل قضايا الخلاف إلى اجتماع مقبل يحدّد موعده لاحقاً.
السعوديون ذهبوا إلى فيينا للمرة الأولى –كما يقول ناصر قنديل – وهم يعلمون أنّ سيف العسكر الروسي صار عاملاً حاسماً في تقرير مستقبل الميدان في سورية، وأنّ الأمر ليس بحجم القدرة النارية الروسية التي توفرت للجيش السوري وحلفائه فقط، ولا بدقة تصويبها والتحقق من نتائج التعامل مع أهدافها وفقاً لمنظومة أقمار صناعية واستخبارات تقنية متشابكة ومتقدّمة ومعقّدة متصلة بقاعدة رصد ومسح للفضاء الكوني في سيبيريا، وأنه على أهمية كُلّ ذلك في فرض إيقاع جديد للحرب في سورية، واستطرد قنديل بالقول: إلا أنّ الأهمّ هو أنه من يقف وراء ذلك هي دولة عظمى اسمها روسيا، يسقف وجودها حركة ما عداها وفقاً لمبدأ أنّ الدول العظمى لا تضع أقدامها قبالة بعض فوق الأرض ذاتها مباشرة، وأنّ حلفاء الدول العظمى يُمنع عليهم أن يفعلوا ما تمتنع عنه الدول العظمى.
وهذا يعني أن لا أميركا ولا حلف الأطلسي عاد ممكناً الرهان على وجودهم البري ولا تمركز قواعد لهم في سورية أَوْ على حدودها بما يمثل تحدياً للحضور الروسي، وأن ليس بمستطاع «إسرائيل» ولا السعودية ولا تركيا ولا سواهم أن يفعل ذلك، وأنّ خيار النصر على الإرهاب صار يعادل معنويات الدولة العظمى روسيا، وانّ إفشالها بالطرق غير المباشرة على طريقة أفغانستان أيام دخول الجيش الأحمر السوفياتي، غير ممكن ليس فقط بسبب تغيّر واختلاف البيئة الحاضنة والجيش الحليف وتبلور الخصم كتشكيل إرهابي صرف وليس كقوة وطنية مقاومة لغزو أجنبي.
باب وحيد للتدخل الأمريكي
ليس أمام أمريكا والغرب وحلفائهم من طريقة لوضع أقدامهم على أرض سوريا إلا تدعيم مجموعات من المعارضة مستعدّة للمشاركة في الحرب على «داعش»، وتحقيق السبق على روسيا وإيران والجيش السوري في بلوغ مناطق سيطرة «داعش»، قبل أن تُنهي روسيا وحلفاؤها وضع شمال سورية وجنوبها، حيث تسيطر «جبهة النصرة»، وتتفرّغ لمناطق سيطرة «داعش»، فتقاسم الجغرافيا التي تحتلها «داعش» و«النصرة» بين الجيش السوري ومجموعات المعارضة المدعومة من الغرب وحلفائه، سيتيح تحسين شروط التفاوض.
كان على الجبير أن يتأدّب ويقرأ الرسالة؛ لأن أميركا بعد جهد جهيد، وصلت إلى نتيجة مفادها أتى على لسان الرئيس باراك أوباما، الذي قال: “نظراً لأهمية القرار وتأريخيته، إنها ستشارك لتحقيق هذا الهدف بقوات برية، قوامها عشرون مقاتلاً، لرعاية هذه العملية التأريخية النوعية”، وأنّ وزيرَ الخارجية جون كيري قال، بحضور نظيره الروسي سيرغي لافروف: “إنّ خلافات واشنطن وموسكو لا تمنع الاتفاق على مواصلة عملية سياسية تنتهي بترك الأمر للسوريين ليقرّروا مصير الرئاسة السورية”.
*متابعات