بعثنا الروحي
بقلم | د. أحمد عبدالله الصعدي
بدأ العدوان البربري السعودي الأمريكي على اليمن في 26/ مارس ونحن في أوضاعٍ تعاني من الضعف والإرباك على كافة الأصعدة، أغرت العدوَّ السعودي بإمْكَانية إشباع شهيته وابتلاع اليمن بسهولة.
وكانت أخطر مكامن ضعفنا -كدولة ومجتمع- تكمُنُ في المجال الروحي، حيث كانت قد تظافرت جُملةٌ من العوامل مع جهود حثيثة قامت بها قوى خارجيةٌ وسايرتها نُخَبُ الحُكم والمعارضة، وهدفت إلى تكريس اليأس لدى المواطن اليمني وتبخيس كُلّ ما هو وطني وتكريس الدونية واحتقار الذات وزَرْع فكرة استحالة العيش إلا على ما تتفضّل به موائدُ اللئام، وأصبح من المألوف سماعُ ادّعاءات تكتسي ثوبَ الحقيقة، على غرار القول إن موقع اليمن الجغرافي لا يتمتعُ بأيَّة أهميّة، وأنْ لا أحد في العالم يهتمُّ لهذا الأمر، وأن الإنْسَانَ اليمني كسولٌ ومرتشٍ بطبيعته واتّكاليٌّ، وأن القبائل اليمنية ليست سوى مجموعات من المرتزقة لا تقيم وزناً للأمانة والصدق والإخلاص، وأصبحت أوصافَ إدوارد جلازر المتحيزة التي أطلقها في القرن التاسع عشر في كتابه (رحلتي في بلاد أرحب وحاشد) وفي كتبه الأُخْرَى أَوْ قول صاحب كتاب (حوليات يمانية) إن اليمني لا دينَ له ولا ملة، وأن دينَه الدينار بمثابة مسلّمات مطلقة لدى المثقفين والمتعلمين.
إلا أنَّ هذه الحربَ التي تدخُلُ في مارس القادم عامها الرابع بكل وحشيتها وقساوتها سَقَت الفولاذ اليمني وأظهرت أثمن ما فيه من الخصال الحضارية والإنْسَانية.
فالقبائل دحضت التصوّرات الساذجة والمغرضة وهَبَّ أبناؤها بعتادهم وأموالهم إلى الجبهات، والمقاتل اليمني أظهر شجاعةً وحنكةً وإيْمَاناً بالله وبعدالة قضيته، وأبدع وسائلَ تقنيةً ومهاراتٍ قتاليةً لم يكن أحد يتصورها. وبرزت المرأة اليمنية في أروع صور الصمود والبذل والعطاء والكرم، وهل في الأرض أكرم من أمهات وزوجات الشهداء؟!.
والخلاصة هي أننا أمام يمن جديد وإنْسَان يثق بقدرته على الدفاع عن وطنه في وجه أي معتدٍ مهما بلغ جبروتُه العسكري والمالي، إنْسَان تحرّر من عُقدة الضعف المستدام وتبخيس الذات والارتهان إلى الآخرين.
إننا أمام بعث حقيقي لعالمنا الروحي، عالم قيم الكرامة والحرية والاستقلال الوطني المنسجم مع روح الانتماء القومي العربي التحرري والإحساس بواجب التضامن مع الشعوب المناضِلة في سبيل حريتها وكرامتها في كُلّ أرجاء العالم.
وهذا البعثُ الروحي يستحقُّ ما تُقَدَّمُ لأجله من تضحيات وما نلاقيه من معاناة في حرب فرضها طغاةٌ متوحشون ووضعوا الشعب اليمني أمام خيارَين لا ثالث لهما: أن يكون أَوْ لا يكون، وقد قرّر أن يكون بجدارة برغم أن بعضَ أبناء هذا الشعب اختار أن يكونَ مطيةً للغزاة.
يكفينا القول إنَّ حربَنا الوطنيةَ ضد عدوان ضَمَّ أكثر من عشرة جيوش وجحافل من المرتزقة المحليين، وهي الحرب الوحيدة في العالم -تقريباً- التي يذهب الناسُ لخوضها طواعيةً، بمن فيهم المنتمون إلى المؤسسات العسكرية والأمنية، وكلما اشتدت ضراوتُها ازداد عددُ الملتحقين بالجبهات من غير أي إلزام أَوْ قسر وَإكراه!