كتاب إسرائيلي يفضح دور “الموساد” في تقسيم السودان
كشف كتاب إسرائيليّ جديد خبايا وخفايا التدخل الإسرائيلي في جنوب السودان، والدور الذي أداه “الموساد” في تقسيم السودان، حيث أوضح أن الإسرائيليين يرون ذلك إنجازا ونجاحا باهرا لجهاز استخباراتهم.
فقد سمحت الرقابة العسكرية الإسرائيليّة بصدور الكتاب الإسرائيلي الجديد، الذي تضمنّ تفاصيل عن تدخل جهاز الاستخبارات والعمليات الخاصة “الموساد” في عملية تقسيم السودان، وبناء القوة العسكرية والاقتصادية لدولة الانفصاليين في الجنوب.
وجاء هذا النشر تصديقا لقول وزير الأمن الداخلي السابق آفي ديختر، الذي كان رئيسا لجهاز الأمن العّام (الشاباك)، وهو اليوم نائب في الكنيست الإسرائيليّ، عن حزب الليكود، حيث قال إن “انفصال جنوب السودان يُشكّل مصلحة إسرائيلية بالدرجة الأولى، لأنّ كل الزعماء تبنوا خطا استراتيجيا واحدا في التعامل مع السودان، يقضي بالعمل على تفجير أزمات مزمنة ومستعصية، وقد حان الوقت للتدّخل في غرب السودان، وبالآلية والوسائل ذاتها لتكرار ما حصل في جنوبه”.
وجاء الكتاب تحت عنوان “مهمة الموساد في جنوب السودان”، الذي نشره موقع (ميدا) الإسرائيلي بشكل ملخص.
. ويؤرخ الكتاب لدور ضابط في “الموساد”، اسمه دافيد بن عوزئيل، في تدريب الانفصاليين وتوجيههم وتسليحهم، منذ ستينيات القرن الماضي، وصولا إلى استقلالهم في عام 2011.
وتناول الكتاب قصة عوزئيل أو “الجنرال جون” الذي يعرف بلقب “طرزان”، حيث كان جميع أصدقائه في طفولته ينادونه بهذا اللقب.
ووثق الكتاب تصريحات سفير جنوب السودان في إسرائيل لدى تقديم أوراق اعتماده للرئيس الإسرائيلي، رؤفين ريفلين، في كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي، حيث أكد فيها أنّ جنوب السودان أقيم بفضل الإسرائيليين.
وأضاف السفير أن “الجنوب ولد بفضل إسرائيل والجنرال جون”، وفق تعبيره.
وكتب في الجنرال جون (طرزان) في جنوب السودان أنه “كان سلوكه يختلف عن كل الناس البيض الذين التقينا بهم، إنه لا يجلب لنا سوى الأسلحة.. كان لديه طريقة خاصة للنظر في قلوب الناس.. هذا الرجل أعتقد بأنه أرسل إلينا من الله، لأنه كان من الصعب مقارنة سلوكه مع لونه”.
ما مصلحة إسرائيل من تقسيم السودان؟
ولفت الكتاب إلى أن إسرائيل رأت في السودان “عقدة شائكة” تتطلب علاجا خاصا، وتحديدا أنه يتشكل من ديانات وإثنيات متعددة، موزعة بين الشمال العربيّ المسلم، والجنوب المسيحيّ، الأمر الذي يسهل عملية تقسيمه.
وفيما يتعلّق بالأسباب التي دفعت تل أبيب إلى العمل على تقسيم السودان وتقديم العون والمساعدة والمشورة للانفصاليين، لفت الموقع إلى أن إسرائيل أردات منع الترابط بين وحدات الجيشين السوداني والمصري.
أما الهدف الآخر فهو أنها أرادت أن تعزز علاقاتها بدول محيطة بالدول العربية، وتشمل (آنذاك) تركيا وإيران وإثيوبيا وكينيا، من خلال إضافة جنوب السودان إلى هذه الدول.
وبيّن أن رئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة، غولدا مائير، قررت العمل على تقسيم البلد والموافقة على طلب المساعدة التي تقدم بها الجنوبيون إلى تل أبيب في الستينيات، وهو المسعى الذي تكلل بالنجاح بعد أربعة عقود.
وأشار الكتاب إلى أن حركة “الانيانيا” الانفصالية التي تأسست خلال الحرب الأهلية السودانية الأولى 1955 ــ 1972، تحولت فيما بعد إلى جيش قوي بفضل ثلاثة من ضباط “الموساد”، في مقدمتهم “طرزان”.
ولفت إلى أن طرزان كان له الدور الأهم في تقديم المشورة العسكرية والتنظيمية للانفصاليين.
وكشف أن طرزان كان يعمل إلى جانب ضابط آخر هو إيلي كوهين، الذي عمل مستشارا سياسيا للانفصاليين، وضابط آخر عرف باسم تشارلي.
وأدى الضباط الثلاثة دورا مهما في تدريب الجنوبيين على كيفية تأسيس الجيش وتقسيمه إلى وحدات عسكرية، إضافة إلى تزويدهم بالأسلحة.
تسليح الانفصاليين
ووفقاً لما استعرضه الكتاب، فمنذ الستينيات من القرن العشرين، استمر الدعم العسكري ونقل الأسلحة والمعدات الحربية من إسرائيل إلى جنوب السودان، وهذه الأسلحة شملت بنادق ورشاشات وقنابل يدوية وألغاما وصواريخ مضادة للدروع وأجهزة اتصالات.
ولم تكتف إسرائيل بذلك، ولكنها أيضا قامت بإمداد الانفصاليين بألبسة عسكرية هي في معظمها غنائم من حرب الأيام الستة من الجيشين المصري والسوري، عام 1967.
ودلل الكتاب على الدعم الإسرائيلي من خلال إشارة رئيس جنوب السودان، سيلفا كير ميارديت، لذلك موضحا أنه استمر طوال العقود الماضية، بل إنه وجّه دعوة إلى “طرزان” لزيارة بلاده بعد إعلان انفصاله عن السودان.
واستقبل سلفاكير الجنرال جون (طرزان) وكرّمه بصورة خاصة في القصر الرئاسي، بل وجّه رسالة إلى رئيس الوزراء الإسرائيليّ، بنيامين نتنياهو، أشار فيها إلى أنه عيّن الجنرال جون موفدا وممثلا شخصيا خاصا عنه في إسرائيل، وفق ما أورده الكتاب.
ما سر علاقة إسرائيل بالسودان؟
وتناول الكتاب الكيفية التي وصلت فيها إسرائيل إلى الانفصاليين في جنوب السودان، حيث أوضح أنها تمت عبر ثلاث مراحل.
أولى هذه المراحل كانت إقامة علاقات إسرائيلية مع السودان قبل انفصاله عن مصر، والدلائل على وجود تلك المرحلة عديدة، فبعد تأسيس إسرائيل مباشرة أقيمت علاقات تجارية بين الطرفين.
وفي عام 1953، بدأت الحكومة الإسرائيلية مرحلتها الثانية، حيث دعمت معسكر استقلال السودان عن مصر، فالتقى الصادق المهدي ومحمد أحمد عمر بالسكرتير الأول للسفارة الإسرائيلية في لندن، مردخاي غازيت بعد أن ساعدت بريطانيا على ذلك، ووعدت إسرائيل في هذا اللقاء بمساعدة حزب الأمة من أجل الحصول على الاستقلال.
ووفقا للكتاب، استمرت هذه العلاقة مع حزب الأمة حتى حصول الانقلاب الذي وصل بموجبه الفريق إبراهيم عبود إلى الحكم.
وتمت المرحلة الثالثة بحسب الكتاب عن طرق محاولة إسرائيل التفاعل مع الانفصاليين السودانيين بعقد مقارنات، تفيد بأن الجماعات الإثنية في السودان تتعرض لاضطهاد كما حدث مع اليهود عبر التاريخ.
وبدأت إسرائيل بتقديم الدعم بحجة تقديم “المساعدات الإنسانيّة” للاجئين الفارّين من الجنوب السوداني فيّ إثيوبيا خصوصا بعد عام 1958، إذْ كان الكثير من الجنوبيين يفرّون بأرواحهم نحو إثيوبيا.
يشار إلى أن الكتاب حاول عكس صورة “إنسانية” عن الجنرال جون، في حين أنه كان يدفع نحو الانفصال، وعمل على تسليح الانفصاليين، وعزز من شعور التعرض للاضطهاد، وربطها “بما حدث مع اليهود في تاريخهم”، ونسب في النهاية جهود الموساد في الانفصال إلى الدور الذي أداه طرزان من خلال شعبيته التي امتدت بين الانفصاليين.
*متابعات