سجدة شكر في محراب اللحظة الوطنية الكاملة
بقلم / صلاح الدكاك
سيدُ الثورة يطوي ملابساتِ مرحلة من عمر ملحمة الصمود والدفاع الوطنية الكبرى بالتفنيد والتشخيص لطبيعتها، ويرسم ملامح مرحلة مقبلة من الكينونة الوطنية اليمنية الوازنة وغير الهجينة ولا ملتبسة الوجهة والمسار ولا مرتابة في مآلات صبرها وصمودها ورفضها وبسالة مواجهتها لتحالف العدوان الكوني الرامي لتعبيدها مجدداً لحظيرة الوصاية.
وَكما أن معركتنا كانت معركةُ شعبنا الشريف بعموم أطيافه ومكوناته وروافده الأصيلة مشروع التعبيد والهيمنة في أكثر تجلياته التأريخية السياسية والعسكرية والاقتصادية بشاعةً فإن معركتنا في هذا المنعطف من تمظهرات العدوان في لبوس فتنة داخلية هي معركة ضد العدوان الأجنبي ذاته في لبوسه العدوانية الصريحة والمباشرة ضد شعبنا وَبلدنا ولم تكن ولن تكون معركة شخصية ضد أحد أَوْ ثأراً من أحد وهي حقيقة عاشها شعبنا خلال ثلاثة أيام الحسم الآنفة يقيناً كتفاصيل ومجريات منظورة وكتداعيات عبرت عن طويتها عملياً ولم تكن تهويمات مفتقرة للبراهين روَّج لها مكون ما وتذرع بها لجني من ورائها مصلحة ضيقة.
كانت معركتُنا الحاسمة ضد الوسائط المحلية للمؤامرة الخيانية معركة الوطن وكانت معركة رموز هذه المؤامرة والفتنة حرباً بالوكالة عن تحالف قوى العدوان الذي استبسل في إسنادها إعلامياً وعسكرياً ومهّد لها منذ فترة من وضوح إخفاقه في غزو واحتلال اليمن من الخارج، فكانت محاولة غزوه من الداخل ورقته الوازنة الأخيرة التي أسقطها بجدارة وَزمن وجيز شعبُنا بجيشه ولجانه وأجهزته الأمنية وقيادته السياسية والثورية من خلال ثقته وتعويله ويقينه بالله وصدق وعوده للصابرين الباذلين المجاهدين رفضاً للهيمنة والعبودية لسواه.
معجزة أُخْرَى منظورة وغير قابلة للنُكران والجحود من قبل عالمٍ لم يقدر شعبنا حق قدره، وَظن أنه يمكن له أن يصيب إيْمَانه بالله وعدالة قضيته في مقتل فيؤله قدرة آلة العدوان وأَدَوَاتها ويركع مقراً بعجزه أمامها أَوْ يعتقد في قرارته أن لا انتصَار ولا صمود إلا باتباع زعامة ما عوّلت على امتلاكها زمامه بما يتيح لها أن تجُرَّه خلفَها لحرب أَوْ لسلم وصوب الوطن المختزل تأريخياً في سلالتها أَوْ صوب مستنقع خيانة الوطن والعمالة للعدوان فيمتثل في الحالين، موقناً بحكمتها وحنكتها واستعصائها على طائلة الدهر والفناء حقاً كان مسعاها أَوْ باطلاً.
يشخّص سيد الثورة أبو جبريل بإلمام وعمق طبيعة الاشتباك الراهن بتمظهراته الخارجية والداخلية وحوافز شعبنا للاستبسال فيه دفاعاً عن كينونته الكريمة الحرة المستقلة وعوامل انتصَاره خلال المنعطفات الآنفة منذ بدء العدوان وفي المنعطف الراهن الذي أفضى إلى قضاء شعبنا المبرم على آخر أوراق العدوان ورهاناته وأخطرها ويتجاوز سيد الثورة تفنيد طبيعة الاشتباك وعوامل النصر فيه إلى تظهير ثمار صمود وصبر واستبسال شعبنا وثقته المطلقة بالله خلاله في صورة مستقبل يمني زاهٍ وزاهر وكريم وَوازن يتخلق من ضخامة التضحيات المبذولة على طريقه بحيث بات يمن المستقبل المنشود في مجال رؤية اليمنيين الشرفاء المجاهدين منذ اللحظة الراهنة الموجوعة الدامية التي راهن العدو على أن تغل مسيرة شعبنا وتجهض آمالهم المكابرة الطامحة بأكبال آلامها فخاب ويخيب.
مرةً أُخْرَى يضعُ سيدُ الثورة شعبَه في حقيقة ما جرى من فتنة استهدفت تقويض رصيد التضحيات وتسليم رقاب الشعب بثمن زهيد لسواطير تحالف العدوان وَزمن وجيز وصولاً إلى مآلاته الصادمة لكل توقعات العدو.. يسرد سيد الثورة في الأثناء وكما سبق أن سرد مراراً التنازلات المبذولة من قبل الأنصار لتلافي هذه اللحظة المفخخة بأقبح النوايا وسيناريوهات الكيد والمموهة بأقنعة داخلية محسوبة على الصف الوطني المناهض للعدوان والتي أفصحت علناً عن عمالتها وباء تدبيرها بالخسران.
هكذا يغدو الشعب شاهداً لا مشاهَداً وفاعلاً لا منفعلاً وشريكاً في القرار والمسؤولية المترتبة عليه لا متلقياً سلبياً لأوامر عليا يتحتم أن يؤمن بصوابيتها وينهض بها كأداة تنفيذية غير واعية وبلا حيلة في صلاته بالمجريات المصيرية..
يسيرُ القائدُ في علاقته الشفافة هذه بشعبه ومن هذه المسافة الحميمة، جنباً إلى جنب مع الشعب غير متقدم ولا متخلف عنه وهكذا تتحقق سلطة القائد عليه وانقياده له من خلال الندية بين الطرفين لا من خلال الفوقية التقليدية البيروقراطية المتسلطة في اتصالها بالشعب كخشبة مسرح راغمة ومنقادة لها بالقصور الذاتي لموقعها الدنيوي.
يحكِّم سيد الثورة عبدُالملك الحوثي قبائل شعبه وعقلاءه وحكماءه وشرفاء المؤتمر في مجريات المعضلة موضوع اللحظة فيما يملي علي صالح على هؤلاء أوامره بوصفهم فصيلا من القاصرين وحشماً وخدماً مقتوين له بوصفه القيادة التأريخية المالكة لزمام اللحظة سرمداً ولا تعقيب عليها في المنشط والمكره.. كما وبوصفها الاختزال الوجودي المطلق للشعب لا تعبيرًا عن إرادته. ً
يتريّث سيدُ الثورة في مقاربة آفاق الفعل وتبعاته ولا يرتجل قراراته بمنأى عن مجتمعه بمختلف طيوفه فيما يندفع علي صالح للغيلة وتفجير الوضع داعياً الشعب والقوات المسلحة والقبائل إلى تعميم الصدام وتعميقه وجعله هبة شاملة وانتفاضة واسعة النطاق دفاعاً عن حماه العائلي المنتهب، حد زعمه.
يناشد سيدُ الثورة خصمَه الافتراضي- الذي هو في الحقيقة خصم البلد والشعب- أن يلجم الفتنة الموشكة على الحدوث ويحتكم لمرجعيات الشراكة وللعقلاء من حزب المؤتمر كـ(زعيم موقر)، فيما يتوسل علي صالح نجدةَ تحالف العدوان، متعهداً بفتح صفحة جديدة معه في حربه على البلد والشعب وبتخليصه من القوى الثورية والوطنية الناهضة بجهد المواجهة مع العدو على مختلف الصعد والمناحي.
يحصرُ سيد الثورة مواضعَ الخصومة وأطرافها ويوسعها صالح..
ثم تنتهي المواجَهة بانتصَار القائد بشعبه ولشعبه واندحار اللاعب بالنيابة عن العدوان بمعية نفر غفير ممن باعوا للشيطان دينهم وترابهم وشعبهم في الوقت بدل الضائع من عمر الاشتباك وإفلاس مشروع العدوان – فقط؛ لأنهم لا يرون أن يداً يمكن أن تعلو على يد أمريكا ومهما امتدت ملحمة الصمود والاستبسال فإن الإذعان للمشيئة الأمريكية هو المآل..
إنه الفارقُ الشاسعُ والبيِّن بين المولودين من رحم الشعب والتراب الوطني وبين مواليد فقاسة الوصاية وأطفال أنابيب الهيمنة..
فارق يقف معه الأصيل ليشرط على تحالف قوى الاستكبار أمن بلدانها بأمن بلدنا المستهدف بعدوانها فالموجود بذاته لذاته في مملكة الله الواحد الأحد لن يعجزه اجتراح مضمار إنتاج وسائط الدفاع عن وجوده وترويع القوى المستكبرة بترسانتها المملوكة بانتفاء ذوات مالكيها الموجودين بذات المنتج الأمريكي ولذات أمريكا.
إن الخليجَ المنخرطَ في العدوان على اليمن ليس وجهة ملائمة للاستثمَارات أيها المستثمرون الكونيون يقول سيد الثورة مخاطباً العالم ويسترسل متهكماً من ألوهية السوق الامبريالية الزائفة ورأس المال الجبان: (إذا أردتم الاستثمَار فاستثمروا رساميلكم في عُمَان وسوريا، أما الإمارات والسعودية وبلدان العدوان على اليمن فإنها بلدان غير آمنة كما ثبت بضربة كروز اليمني بعيد المدى وكما سيثبت بالضربات المقبلة إذا ما استمرت هذه البلدان في تهديد أمن شعبنا وبلدنا…)..
إنَّها اللحظة اليمنية المنتصرة، حيث جوهر القيمة الوجودية الوطنية يوزن بوقفة كبرياء كاملة غير مثلومة بالوهن المهيمن في محيط من القطعان.. لحظة واعية لوزنِها الحضاري وطاقتها الجبارة على تغيير معادلة الهوان العربي والإسْلَامي والإنْسَاني وثوباً من واقع الحصار وصفرية الإمْكَانات المادية وقرارات التجويع والعزل الأُمَـمية.
تتويجاً لكل هذا الزخم من الانتصَارات التي لا حيلة أمام العالم المنافق والمعتدي سوى الإقرار بها والإذعان لموجباتها، يصل سيد الثورة شعبه بينبوع القوة الإلهية المطلقة ومعين النصر السرمدي فيدعوهم إلى سجدة شكر عميمة بين يدي ملك الملوك ومالك الملك الذي لا معبود بحق سواه في يمن أيلول الأنصار اليوم..
كما وإلى مسيرة شعبية مشهودة تطهر التراب المنتصر من دنس فتنة خابت بوعي والتفاف شعب الأنصار الناهل من ينبوع الوعد الإلهي بنصر من الله وفتح قريب.