الخبر وما وراء الخبر

حرب اليمن وزمن سقوط الأقنعة

130

ذمار نيوز -مقالات

19 أكتوبر, 2015 – 3:35

الكاتب:  جمال الطويل
المصدر: صحيفة الرأي العام

ما الذي فعله اليمن حتى يُفرض عليه الحرب وهذا الحصار الشامل والخانق من قبل تحالف عسكري مباشر تقوده السعودية وبإسناد ودعم لوجستي وسياسي واستخباراتي أمريكي وغربي بإمتياز ؟.

هل يُشكل اليمن المصنف اليوم كواحد من البلدان الفقيرة والنامية أي تهديد للأمن الإقليمي والدولي ، حتى يتم فرض هذه الحرب الظالمة عليه وبهذا الحجم والشراسة ؟.

وإذا كان العمل العسكري المُعلن من قبل التحالف السعودي لا يستهدف سوى الأهداف العسكرية ، فلماذا يتم قصف وتدمير البنية التحتية المدنية والخدمية والإنتاجية دون إستثناء ؟. ولماذا يتم قصف المدنيين وقتل النساء والأطفال والشيوخ وإفناء عائلات وقرى ومُخيمات وأحياء سكنية بأكملها ودفنها تحت الأنقاض ؟.

ولماذا تعرقل السعودية جهود إحلال السلام وإستنئناف العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة بين اليمنيين حتى الآن ؟. وهل يُمكن الوثوق بأن أنظمة قمعية وراثية وإستبدادية كالسعودية ودول الخليج لا تؤمن بالديموقراطية والتداول السلمي للسلطة بين المكونات والفئات الاجتماعية الأخرى جادة في رعاية وتنمية الديموقراطية والعملية السياسية في اليمن أو غيرها ؟ !.

لم يستثن قصف التحالف السعودي حتى تاريخ اليمن ومعالم حضارته العريقة .. فهاهي مدينة صنعاء التاريخية ذات الإرث الحضاري والإنساني الكبير والمدرجة على قائمة التراث العلمي تتعرض للقصف والتدمير !. وإذا كان عزائنا فيما قامت به حركة طالبان من تدمير للإرث الحضاري والإنساني والمعالم التاريخية في افغانستان ، وما تقوم به القاعدة وداعش وغيرها بنفس التدمير للموروث الحضاري والإنساني والعالمي في كل من العراق وسوريا هو أن تلك الأفعال التخريبية والإجرامية تصدر من قبل منظمات وجماعات ارهابية متطرفة ومتمردة على الشرعية العالمية قانونيا وأخلاقيا وإنسانيا بإمتياز .

لكن الفاجعة هي عندما تقوم دول كاملة العضوية في الأمم المتحدة ، كدول التحالف السعودي والموقعة جميعها على المعاهدات الدولية الخاصة بتجنيب المواقع والمدن والمعالم التاريخية والحضارية والإنسانية أثناء النزاعات والحروب بإنتهاك تلك المعاهدات الدولية وقصف وتدمير الموروث الحضاري والتاريخي والإنساني للأمم والشعوب ، فإن ذلك يستدعي تدخل المجتمع الدولي الجاد ولعاجل لإيقافه ؟.

لاشك أن الشعب اليمني اليوم يشهد حالة من حرب الإبادة الجماعية على مرأى ومسمع من العالم .. فاللشهر السابع على التوالي والتحالف السعودي يفرض حصاره البري والبحري والجوي الكامل على شعب بأسره . وكل شيء يشهد تدهورا وانحسارا في الغذاء والدواء والسلع الاستهلاكية والمشتقات النفطية والخدمات المختلفة بمتوالية حسابية وهندسية معا .

كما أن المال السعودي والخليجي وبإسناد أمريكي وغربي يعمل على عزل وتغييب وتشويه قضية الشعب اليمني سياسيا واعلاميا وانسانيا بشكل مُخز وفاضح .. حتى الأمم المتحدة لم تكلف نفسها وتبذل جُهدا يُعتد به لإرسال بعثة أو لجنة لتقصي الحقائق والأوضاع على الأرض ، وحول استخدام أسلحة محرمة دوليا في اليمن ، والتحقق من عسكرية ومدنية الأهداف التي يُصيبها القصف ، وبما يكفل حماية المدنيين وفك الحصار ورفع المعاناة . إنها حرب شرسة بكل المقاييس تهدف الى تدمير كل شيء في هذا البلد دون رقيب أو حسيب !. كما انها عُزلة مطبقة ومفروضة في كل الإتجاهات تهدف في مجملها إلى جعل الحرب على هذا البلد أمرا مُغيبا ومنسيا ، ليتم إرتكاب أفظع وأبشع الجرائم والتجاوزات بحق أرضه وإنسانه ؟!.

لم نسمع حتى الآن صوتا حقيقيا للإتحاد الأوروبي .. بل ان قيام هولندا – وهو البلد الأوروبي الذي كان قد وجه انتقادات حادة لما تقوم به السعودية من تجاوزات في اليمن – بسحبها لمشروع قرار كانت قد قدمته للمنظمة الدولية يقضي بتشكيل لجنة تحقيق دولية حول حدوث وقائع لجرائم حرب وانتهاكات للقانون الدولي وحقوق الانسان في الحرب التي تشنها السعودية على اليمن يُعد تخليا عن المسئولية الدولية والإنسانية ، وتراجعا لمكانة القانون الدولي والإنساني لصالح قوى التفرد والهيمنة في العالم ؟!.

بل إن المُفارقة العجيبة التي حدثت مؤخرا ، هو فوز السعودية بمنصب رئاسة لجنة خبراء حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة ؟!. وكيف لبلد كالسعودية سجلها السياسي والديموقراطي والإنساني هو من بين دول العالم الأكثر قتامة أن تحتل هكذا منصب .. وفي وقت تقوم فيه بشن حرب لاإنسانية ولا أخلاقية وغير مُبررة على بلد كاليمن ؟!. أليس السماح للسعودية بالترشح لهذا المنصب من الأساس فضيحة أممية صارخة وصك براءة مُسبق تجاه ما ترتكبه من انتهاكات وتجاوزات في حق أبناء شعب اليمن ؟!.

لم يُسمع أيضا أي صوت أو مساعي جادة لمنظمة مؤتمر العالم الإسلامي بشأن ايقاف الحرب وفك الحصار على الشعب اليمني أو حتى التحدث عن رفض أو التنديد بإنتهاك حُرمة الأشهر الحُرُم التي حُرم فيها القتال والحرب ؟!.

إن الأسباب الحقيقية وراء إعلان الحرب على اليمن ومحاصرة شعب بأكمله ، هما سببان رئيسيان: _

الأول : – الإستمرار في التحكم والتسلط على المقدرات والثروات والإمكانيات الطبيعية والجغرافية لهذا البلد ومصادرة قراره وسيادته وخياراته الوطنية والقومية والدولية .

ثانيا : – بروز وصعود تيار سياسي قوي ذو حاضنة اجتماعية على الساحة اليمنية ممثلا بأنصار الله الحوثيين . وهو التيار الذي يرفع شعارا مُناهضا ورافضا لسياسة الإلحاق والتبعية والدوران بالفلك الأمريكي .. مما يعني إتساع دائرة ومحور المقاومة والممانعة في المنطقة . وهو الأمر الذي ينبغي لأمريكا التصدي له وفقا لنظرية القيادة من الخلف عبر حلفائها وأدواتها في المنطقة .

وبالتالي فإن الحرب على اليمن تأتي في إطار حروب التطويع والحروب الإستباقية للحفاظ على النفوذ ، ولإبقاء ثروات ومقدرات وضمان استمرار وضع هذا البلد وإبقاءه ضمن الحديقة الخلفية للسعودية وفي دائرة الفضاء الأمريكي والغربي بلا مُنازع !!.

بالتأكيد أن اليمنيين لم يعودوا يعولوا نهائيا على الجامعة العربية التي لا زالت مستمرة في شرعنة الحرب عليهم وحصارهم وتدمير تاريخهم وحاضرهم ومستقبلهم .. فاليمنيون أصبحوا لايرون في جامعتهم العربية بوضعها الحالي إلا أنها للأسف (( لم تعد جامعة … ولم تعد عربية ؟!)).

أما في جانب المجتمع الدولي ، فلن ينسى التاريخ يوما أن هناك ضميرا عالميا كان صامتا ومتفرجا على جريمة حصار وتدمير ومحاولة إبادة شعب بأكمله دون تحريك ساكن ؟!!.

تحية للشعب اليمني العظيم الصامد الصابر والمحتسب ,, وليحمي الله اليمن وأهله إلى الأبد … آمين .