الخبر وما وراء الخبر

ومضات من هدى القرآن الكريم …الغذاء أهم من السلاح

156

بقلم / أحمد يحيى الديلمي

تكمن المعضلة الحقيقية التي تعاني منها الأمة العربية والإسلامية في الهيمنة الاقتصادية والسياسية التامة للقوى المستكبرة والتي على رأسها أمريكا، التي لا تقبل بأقل من الهيمنة التامة على مقدرات الأمة، والعبودية والاستسلام الكامل لها ، وهذا ما يؤكده الواقع المؤسف لهذه الامة التي تعاني من ظاهرة مستشرية تتعلق بكونها تحوّلت الى أمة منتجة الى أمة مستهلِكة تستورد كافة الاحتياجات الاساسية من اعدائها.

وبعباءة التنمية تمكنت الدول الرأسمالية من الهيمنة الاقتصادية على الدول النامية ومنها الدول العربية والاسلامية وجعلها تابعه ، حيث استطاعت الحصول على أكبر عدد ممكن من مناطق النفوذ في العالم بهدف ضمان استمرار فتح أسواقٍ لتصريف منتجات شركاتها، لاسّيما وأن الثورة الصناعية ولّدت حركة تصنيع واسعة، فانتشرت المصانع الكبيرة في تلك الدول، وزاد إنتاجها عن حاجة أسواقها، فبدأت تبحث عن أسواق جديدة لتصريف منتجاتها، وعملت على نقل بعض شركاتها ومصانعها إلى الدول النامية للاستفادة من الايادٍ العاملة الرخيصة.

ولم يكن توجُّه السيد حسين الحوثي مقتصراً على العلوم الشرعية الدينية المعروفة فقط ، ولم تنحصر نظرته في محيطه الجغرافي فقط ؛ بل كان يصب جّل اهتمامه أيضاً على الجوانب الاقتصادية التي ترتبط بها عزة الأمة وقوتها وسيادتها من منطلق التأكيد بأن الإسلام يهتم بالجانب الاقتصادي فيما يتعلق بالمسلمين ، ويقول: “الجانب الاقتصادي بالنسبة للمسلمين مهم في أن يستطيعوا أن يقفوا في مواجهة أعدائهم، في أن يستطيعوا أن يقوموا بواجبهم وبمسئوليتهم أمام الله من العمل على إعلاء كلمته ونصر دينه، ونشر دينه في الأرض كلها”.

ومن بين القضايا التي حذر منها السيد حسين قضية الهيمنة الاقتصادية على الامة العربية والاسلامية والتي تدخل معظمها في مسمى “الدول النامية” في العالم ، والتي تعتمد بشكل أساسي على منتجات شركات ومصانع الدول الرأسمالية وهو ما جعل هذه الدول تفرض سيطرتها وهيمنتها عليها.

وأستطاع السيد حسين أن يقدم رؤيته الاقتصادية الواسعة التي تتضمن التشخيص الفعلي لواقع الامة وما تعانيه ، وتطرَّق في دروس عدة من هدى القرآن الكريم لحقيقة الهيمنةِ الاقتصادية للدول الرسمالية على الأُمَّــة العربية والإسـلاميةِ ، وأتحه لبيان وتشخيص بعض المفاهيم والقضايا الهامَّة ذاتِ الصلة كمفهومِ التنمية التي تستخدمها الدول الرأسمالية كعباءة للهيمنة على الامة العربية والاسلامية ، وتطرق الى طبيعة تلك التنمية في جعل شعوب الامة مجرد أسواقاً استهلاكيه ، واستغلالهم كأيادٍ عاملة في شركاتهم العملاقة “متعددة الجنسيات” ،والسعي نحو القضاء على الصناعات المحلية واغراق الاسواق بالمنتجات الاجنبية ومحاربة المنتجات الوطنية .

وعقب الحرب العالمية الثانية، وبعد نجاح العديد من الدول العربية والإسلامية في الحصول على استقلالها ، أخذت الدول الرأسمالية على عاتقها العمل على ربط اقتصاديات تلك الدول باقتصادياتها، وعملت على تقييدها عن طريق القروض الربوية والمساعدات المالية الخارجية والاستثمارات الاجنبية المباشرة عبر المنظمات المالية الدولية ، وبرزت على السطح قضايا مشاريع التنمية ،حيث اتخذت الدول الرأسمالية مشاريع التنمية بأنها طوق النجاة للدول النامية وخاتم الرضى، وبالتالي فلا مفر من الارتباط بها والخضوع لها ، لاسيما وأنها حالت دون احداث تنميه اقتصاديه وصناعيه حقيقية لتلك الدول ، وعملت على ابقائها مجرد مجتمعات استهلاكيه غير منتجه واسواقاً لمنتجاتها ،وذلك عبر منظمة التجارة العالمية والشركات متعددة الجنسيات ،ناهيك عن المنظمات المالية الدولية “صندوق النقد والبنك الدوليين” التي تَتّخذ من مشاريع التنمية وبرامج الإقراض ستاراً للهيمنةِ والسيْطَرِة على العالم ، ووسيلة لرهن إرادة شعوب وحكومات الدول النامية ، فأغرقت كاهلها بالقروض الربوية وفوائدها المشبوهة تحت مبررات مشاريع التنمية التي تحدد هي مجالات انفاقها وتوظيفها في مشاريع استهلاكيه غير انتاجيه وصناعية ، والحيلولة دون نهوضها اقتصادياً وتنمية صناعاتها وصولاً الى تحقيق الاكتفاء الذاتي لها.

وينظر السيد حسين بدر الدين الحوثي إِلَى مشاريع التنمية التي تطرحها وتسوق لها الدول الرأسمالية بقيادة أمريكا بأنها مجرد خديعة بغية الهيمنة على الأُمَّــة العربية والإســلامية وابقائها مجرد اسواقاً لمنتجات شركاتها العملاقة “متعددة الجنسيات” لتكون مجرد مجتمعات استهلاكيه غير منتجه، واستغلال شعوب الامة لتكون مجرد أيادٍ عاملة داخل المصانع والتي ينشئونها داخل البلدان العربيةِ والإســلامية عبر شركاتهم متعددة الجنسيات.

ويشير السيد حسين الى أن التنمية من منظار الدول الرأسمالية لا تخرج عن استراتيجية أن تبقى الشعوب مستهلكة، ومتى ما نمت فتتحول إلى أيادٍ عاملة داخل مصانعهم ، يقول: “لا تخرج تنميتهم عن استراتيجية أن تبقى الشعوب مستهلكة، ومتى ما نمت فلتتحول إلى أيد عاملة داخل مصانعهم في بلداننا لإنتاج ماركاتهم داخل بلداننا, ونمنحها عناوين وطنية[إنتاج محلي] والمصنع أمريكي، المصنع يهودي، والمواد الأولية من عندهم، وحتى الأغلفة من عندهم”، ويعزز ذلك بالقول :”التنمية من منظار الآخرين هو تحويلنا إلى أيدٍ عاملة لمنتجاتهم ، وفي مصانعهم , تحويل الأمة إلى سوق مستهلكة لمنتجاتهم ، أن لا ترى الأمة , أن لا يرى أحد, وليس الأمة, أن لا يرى أحد من الناس نفسه قادراً على أن يستغني عنهم؛ قوته، ملابسه، حاجاته كلها من تحت أيديهم” ،ليتساءل بعد ذلك: “هل هذه تنمية؟”[1].

ودون ادنى شك فإن معظم البلدان العربية والاسلامية التي تدخل في تصنيف الدول النامية لازالت مجرد اسواقاً استهلاكية لمنتجات شركات الدول الرأسمالية العملاقة “متعددة الجنسيات” في ضل توجهات منظمة التجارة العالمية التي تفتح المجال لهذه الشركات العملاقة ، وتكسر الحواجز الجمركية أمامها ،ونتيجة لغياب أي برامج تنموية حقيقية، والاستفادة من الطاقات الوطنية ؛ تحولت معظم الدول العربية والاسلامية إلى مجتمعات استهلاكية محّضة، وأسواقا استهلاكية لمنتجات الشركات متعددة الجنسيات ،يقول السيد حسين الحوثي :“هم يعملون أشياء أخرى ولكن لن تجد نفسك أكثر من متجول في سوق كبيرة تستهلك منتجاتهم، ولن تجد نفسك تتجول داخل مصانع يمنيه.. المصانع تتحرك، والأيدي العاملة تتحرك وتحركها, كلها تعمل معهم ليس هناك تنمية؟”.

ويؤكد السيد حسين الحوثي أن الدول الرأسمالية تسعى لأن تظل الامة العربية والاسلامية مجرد سوقاً استهلاكية ولا تريد أن تصل الى تحقيق الاكتفاء الذاتي ، يقول :هم لا يريدون أن يصل الناس إلى مستوى أن يصنعوا لأنفسهم ، أن يكتفوا بأنفسهم في مجال الزراعة, في مختلف شئون الحياة لا يودون لنا أي خير يريدون منا أن نظل سوقاً استهلاكية نستهلك منتجاتهم ،ويرى السيد حسين أن الامة العربية والاسلامية أصبحت تستورد كل شيء من الغذاء وحتى الادوية ، يقول : “في اليمن نفسه كم من الأراضي في اليمن تصلح للزراعة, ونحن نستورد حتى العدس وحتى الفاصوليا والقمح والذرة من استراليا ومن الصين وغيرها؟ واليمن يكفي – لو زُرع – لليمن ولغير اليمن ، مُشيراً الى أن :”الدواء كذلك معظم الأدوية من شركات أجنبية” ويضيف بالقول : “وفعلاً نحن هنا في اليمن كمثال ناهيك عن بقية الدول العربية والمسألة هي واحدة طعامنا، لباسنا، أدْوِيَتُنا، مختلف الكماليات التي نستخدمها، الصابون، الشامبو مختلف المشروبات، مختلف العطور، الأشياء الكثيرة جداً جداً التي نستهلكها معظمها شركات أجنبية بأيدي اليهود”.

وفي ضوء هذا، يصف السيد حسين ذلك بالوضعية الخطيرة التي وصلت اليها الامة ، ويتساءل :”حتى البيضة تأتي من خارج، الدجاجة تأتي من خارج، كل ما بين أيدينا كل ما في مطابخنا، كل ما في أسواقنا كله من خارج، من عند أعدائنا، أليست هذه وضعية سيئة، وضعية خطيرة جداً”.

وازاء ذلك، يضرب السيد حسين مثالاً بسيطاً للوضعية الخطيرة التي وصلت اليها اليمن على وجه الخصوص بأنها أصبحت تستورد حتى ” الملاخيخ” ، يقول : “وجدنا كيف أنفسنا أراضي كثيرة مهملة, ساحات واسعة صالحة للزراعة مهملة, ونستورد, نستورد كل شيء حتى [الملاخيخ], نستورد كل شيء حتى [القلوة]! ألسنا نستوردها؟ يذهب واحد يشتري كم [فشار]! وهكذا وضعية البلدان الأخرى. تدخل سوق الملح, أسواق صنعاء, وترى فيها فاصوليا, وعدس, وترى فيها فول, وترى فيها مختلف الحبوب, هذا من استراليا, وهذا من الصين, وهذا من تركيا, وهذا مدري من أين..!”.

وتعتمد الدول الرأسمالية على سياسة اقتصادية من خلال تجسيد سياسة تبعية الدول النامية للأسواق الدولية لاسّيما وأن الدول النامية تعتمد على معظم حاجاتها الغذائية من الخارج ولا تنتج غذاء كافياً لها ،يقول الحوثي: ولهذا تجد الناس ثرواتهم لم تعد تشكل شيئاً. ألم نصبح نحن عالة تقريباً في مأكلنا، في ملبسنا على الآخرين؟! حتى في البلدان التي لديها ثروات هامة أصبحت عالة على الآخرين! مأكلنا، ملبسنا، أدويتنا، الوسائل الضرورية والكمالية كلها من عند الآخرين من الخارج.

وبالرغم من أن اليمن كانت دولة منُتجة ومصدرة للحبوب ولكن للأسف حلت الكارثة وأصبحت تستورد معظم الحبوب من الخارج بكميات كبيرة كالقمح والأرز الفول والفاصوليا والبازلاء ..الخ ، وتشير منظمة الاغذية والزراعة للأمم المتحدة “فاو” ،الى أن اليمن تستورد نحو 90 % من احتياجاتها من الأغذية الأساسية، حيث تستورد من القمح ما يصل إلى 2.4 مليون طن وهي كمية هائلة جدًا.

وفي سبيل تحقيق ذلك ؛ يكشف السيد حسين أن الدول الرأسمالية تقوم عبر المؤسسات المالية الدولية بتنفيذ مشاريع تحت عناوين التنمية ومنها مشاريع تحديد النسل التي ينفذها البنك الدولي “مشاريع الصحة الإنجابية” ،والتي تحمل ورائها اهدافاً اقتصادية بشعة بأن يصبح افراد الامة في الأخير مجرد مستهلكين فقط ، يقول: “إهلاك الحرث والنسل يكون أحياناً على ما نلمس، يكون بالطرق هذه المتعددة. يحاولون فعلاً أن يهلكوا حرث الناس هذا، فلا يعتبر منتج، لا نعد نشكل بالنسبة لهم شيء، ويريدون أن نصبح في الأخير مجرد مستهلكين، وما خسره في عملية إهلاك حرثك، عندما يحاول أن يصدر لك كميات مدعومة تراها رخيصة، أرخص من الناتج المحلي، في الأخير عندما يعطل زراعتك أنت، سيستعيد ما خسره بأضعاف مضاعفة، سيرفع السعر قليلاً قليلاً، في وقت قد أنت محتاج إليه! هذه سياسة عندهم ثابتة “.

وبناءً على ذلك ، يحذر السيد حسين الحوثي أن ذلك من اكثر القضايا خطورة ، ويبين أن من الآثار السلبية لتلك الوضعية الخطيرة على الامة أنها أصبحت بحاجة إلى الغذاء أشد من الحاجة إلى السلاح ، يقول :”ما دمنا مفتقدين إلى تأمين غذائنا فلا نستطيع أن نعمل شيئاً”، ويجزم بالقول : لا نستطيع أن نقف موقفاً واحداً ضد أعداء الله، أصبحت حاجتنا إلى الغذاء أشد من حاجة المسلمين إلى السلاح.. هل تفهمون هذا؟. حاجتنا إلى الغذاء أشد من حاجتنا إلى السلاح في ميدان وقفتنا ضد أعداء الله ، الغذاء، القوت الضروري لا تستطيع أن تقف على قدميك وتصرخ في وجه أعدائك وأنت لا تملك قوتك، وإنما قوتك كله من عندهم”.

وبعد إن أكد السيد حسين بأن : “كل موادنا الغذائية، كل أكلنا، كل لباسنا، كل معداتنا، كل شيء من الضروري والكمالي لنا كله يخضع لهيمنة أمريكا، وبقرار من أمريكا تستطيع أن تقطع كل شيء” ؛ يتساءل: “لماذا يستورد اليمنيون كل شيء مما هو خاضع لهيمنة أمريكا وإسرائيل؟”.