الخبر وما وراء الخبر

الأخلاقية يمانية والتحرير يماني

216

بقلم / صلاح الداودي

الصمود الأخلاقي لشعب اليمن نموذج فريد فرغم فظاعة “الحرب المنسية” قصفا عنقوديا وذبحا وهدما وحصارا وتشريدا ومجاعة وكوليرا… لم نر ولم نسمع عن كذبة إنسانية أو إشاعة أخلاقية أو فبركة إعلامية لصورة أو فيديو فيه إدعاء على العدو أو تضليل أو تزييف أو تزوير لحقيقة العدوان لا بعنوان حرب نفسية ولا حرب إعلامية ولا بتكتيك حرب مواقع ولا بحرب مناورة.

اللافت أن هذه الظاهرة الأصيلة ليست حكرا على إعلام حربي أوحزبي أو وطني أو رسمي وليست حكرا على مسؤول سياسي أو مقاتل ميداني، بل أخلاقيات عامة وسلوك شعبي لا غبار عليه.
وهو من الصلابة المسلكية والرسوخ المبدئي ومن الصرامة السياسية والصدقية الأخلاقية، ما يؤثر على إعلام وشعوب المنطقة والعالم، بما في ذلك في وسائل الاتصال الاجتماعي، وأكثر من ذلك، لطالما حاول حلف العدوان الإرهابي على اليمن التشويه والتهويل والتجريم والتكفير وخاب خيبة سوداء وسقط سقوطا مدويا من الشاهق إلى السحيق، وبخاصة في كذبة مكة الكبرى الأولى والثانية، ولم تهتز حقيقة الصمود مقابل العدوان لحظة ولم تهتز سمعة ومناقبية الإنسان والمقاتل اليمني لحظة عند من يعلم الكثير ومن لا يعلم إلا القليل لذلك نقول إن الأخلاقية يمانية والتحرير يمان، حيث العدوان أصلا، بمعنى من المعاني، نكث للعهود وانقلاب على العقود من طرف الطرف المرتبط بالعدوان وبقوى العدوان.

من هنا عمق الألم الأخلاقي أو جذرية الحق مقابل جذرية الظلم أو “الشر الجذري” على حد عبارة الفيلسوفة حنا ارندت.

فعندما نسأل أنفسنا أمام اللوحة المجردة لكل آلام الحرب الإرهابية الشاملة على المنطقة، ماهو الألم؟ نشعر على الفور أن اليمن هو الألم، ونعبر عن ذلك بكلمات قليلة نشك في أنها قد توجع أحدا، لهول الصمت الأسود الذي يحاصر أكبر قضايا الحق في هذا العصر، كلما تكلمنا عن اليمن، يكون ذلك بكلمات مقتصدة لا جدال حولها ولا يتخيل أحد أنها قد تطول على أحد، لاحظنا ذلك حتى في التقارير العالمية وفي الأفلام الوثائقية وفي الإحصائيات الحقوقية وحتى في مجرد إيراد الخبر.

حقيقة، لم نكن لنتخيل يوما أن ما سنراه في اليمن سينسينا ما عرفناه عما نسميه الآن فلسطين الأولى أي اليمن الحالي. نعنى فلسطين الأربعينيات تهجيرا وتدميرا وحرقا وحصارا وتقسيما واستباحة وتذبيحا وطوفا في الدماء، وبمعنى التخلي وما بعد التخلي، حتى أننا نتخيل في بعض الأحيان أنه يمكن للفلسطينيين، بالنظر إلى اليمن، لا تذكر أنفسهم فحسب أو تمثل أنفسهم في اليمن.

وأحيانا نقول: عليهم أن يخرجوا للعالم ليقولوا: اليمن هو الألم، ليقولوا اليمن أولا، اليمن اليوم وغدا فلسطين، وبمعنى التحقق اليقيني أن لليمن، على ما يتحمله صامد في وجه الأعداء، وصب التحالف الإرهابي جوف جهنم في قلبه، أن لليمن عمقا استراتيجيا رمزيا مهولا من ناحية الصمود الفلسطيني في المستقبل أيضا.

عندما نقول أن اليمن هو أكبر احتياطي قتالي استراتيجي ووجودي سينهي تحالف الظلام والظالمين في العالمين، نحن نقول أيضا، وليفهمها كل كما يريد، أن اليمن هو ظهر كل المقاومة في كل المنطقة وأن اليمن هو أهم مخالب المقاومة في المنطقة مثله مثل لبنان وأن اليمن من أهم صدور المقاومة في المنطقة مثله مثل سوريا، ولكن ليس كمثل لبنان كمثل اليمن وليس كمثل سوريا كمثل اليمن، حاليا بالعدوان مقابل التخلي وغدا بالانتصار نفس الانتصار. وهكذا يكون اليمن هو الأمل… وكل ماهو منتظر.

بلا يمن، كل الانتصارات منقوصة ومرة مهما كانت كبيرة وناجزة فمهما ظلمنا، ما ظلمنا مثلما ظلمنا في اليمن ومهما انتصرنا، نحتاج نصر اليمن ومهما انتصرنا، دونه لم ننتصر.
هذا ولن يكتمل أي نصر إلا بنصر اليمن.