الخبر وما وراء الخبر

دويلاتُ الخليج.. بين مطرقة التقسيم وسندان القبول بالابتزاز

160

بقلم / اللواء محمد عبدالله الكبسي

من المسلّم به أن الحالة الخليجية لم تكن بالإمْكَان كما هو عليه الحال اليوم لو لم تكن تابعة ومخالفة لقرار تشكيل مجلس التعاون في عام 1981م الذي من أهدافه تحقيق الوَحدة بين هذه الدول والذي حدد نظامها الأساسي حينها لتسوية النزاعات المتمثلة في:

1- النزاعات الثنائية بين الأعضاء وهذه الدويلات.

2- المنازعات الناشئة حول تفسير وتطبيق النظام الأساسي للمجلس، بدليل أنه توقع أزمات وصراعات؛ باعتبار أن هذه الدويلات خضعت للسيطرة الاستعمارية إلى وقت قريب في ظل الاحتلال المباشر، وها هي اليوم تخضَعُ للاحتلال نفسه بطريقة غير مباشرة.

وكانت قد أسهمت هذه الدول الاستعمارية من أجل تحقيق مصالحها عند مساعدة هذه الدويلات في استقلالها الشكلي بعد أن وضعت لها قدماً في هذه التكوينات وقت استقلالها ونشأتها من أجل أن تظلَّ التبعيةُ قائمةً للدول الاستعمارية من خلال المنازعات البينية وغرز روحَ الجهورية والمناطقية في تقسيماتها وفي عقول حكامها.

إن كيانَ هذه الدويلات الاجتماعية أَصْبَحت متعبة ومقهورة ومنحورة الجسد ومتعبة الوعي وبالذات عند الشعور بغياب روابط العروبة واعتماد قياداتها على علاقاتها وحمايتها على الدول الاستعمارية الضامنة لحكمها، متجاوزة علاقتَها مع شعوبها، وهذا يعتمد على التجهيل المتعمد لهذه الشعوب وجعل أوطانها وساحاتها وبقاء وجودها سُلّماً يصعد به الأعداء إلى مراكز التخطيط فيها واستلام مفاتيح خزائن مالها واستلاب قرارها السيادي بعد أن أَصْبَحت هذه الدويلات عبارةً عن منطقة مفتوحة لتجاذب الدول الاستعمارية وابتزازها، فكلما أفلست الدول الاستعمارية أَوْ شعرت بعجزٍ في موازنتها أَوْ وجود بطالة زائدة أَوْ مقنعة في شعبها أوغلت في ابتزاز حكام هذه الدويلات.

إن المتتبع والمهتم والمتعمق في دوافع هذا الابتزاز وهذه السيطرة وهذه التبعية يجد مدى سذاجة قيادة هذه الدويلات وتسابقها بتبعيتها وخروجها عن أبناء جلدتها ووطنيتها، ونستحضر في هذا المقال تهديدَ أحد أجداد بوش وأوباما وترامب، المستر كولومبس في عام 1502م عندما هدّد الهنود الحمر بأنه سوف يأخذ عليهم قمرَهم إذا لم يعطوه ما يحتاجه من مؤن وإمْكَانيات، ولكون الهنود الحمر في ذلك التأريخ يشبهون حكام الدويلات الخليجية سلموا بالأمر وتوقعوا فعلاً أن كولومبس سوف يأخذ قمر بلدهم لجهلهم، معتقدين أن بلدهم هي الكرة الأرضية جميعها وأن لا أحد يعيش في هذا الكوكب غيرهم؛ وكون المستر كولومبس كان يعلم مسبقاً بوجود خسوف وكسوف للقمر بحكم اطلاعه بعلم الفلك وأن القمر سوف تكون لها ظاهرة طبيعية في ذلك الوقت، مما جعل الهنود يقتنعون بأن تهديداته جادة ويرضخون لمطالبه ويسلمون له الأمر فيما طلب.

اليوم وبعد ألف عام أَوْ يزيد نجد لعبةَ الغرب تنطبق على دويلات الخليج العربي وعلى قطر والإمارات والسعودية بالذات وكل دويلة تسلم ما يطلب منها وما يبتز به ترامب، من أجل حمايتها والاستقواء به على جاراتها عندما فقدت شرعيتها وسلبت قرارها بعد أن وافقت عَلى مشروع تفتيت الدول العربية في أمنها وجغرافيتها وثقافتها والمكونات الاجتماعية لها ورضا حكامها بالعدوان على مراكز القوة في الشرق الأوسط من الدول العربية، كمصر والعراق وليبيا والجزائر واليمن وسوريا، وتآمرت على قادتها، ووافقت على مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يقسّم المنطقة ويفتتها؛ من أجل حماية الكيان الإسرائيلي؛ ظناً منهم أنهم سيكون بعيدين عن هذا المخطط التقسيمي التفتيتي المشار إليه وخوفاً من المشروع القومي العربي النهضوي الذي أطيح بقيادتها من الزعماء العرب.

ما يدركه حكامُ دويلات الخليج أن المشروع الصهيوني الأمريكي الغربي المنفذ حالياً لمخططات التقسيم سيكون منتقماً منهم في القريب العاجل، كما انتقموا من قادة العرب الذين سبقوهم، دون أن يعرفوا أن الصراع في الساحة أساسه هو من أجل الثروة والغاز وعلى ممراتهما المائية الدولية وعلى حماية إسرائيل، وهم يعرفون جيداً أن ليس بمقدورهم كدويلات خليجية الدفاع عن أنفسهم وثرواتهم المهددة، لهذا يرتمون أَكْثَر في أحضان الاستعمار العربي ويعتمدون في ذلك على ثرواتهم، غير مدركين أن الثروة الحقيقية الحامية لهم هي شعوبهم والدول العربية والمحيطة بهم التي تجمعها بهم مصير واحد ومن خلفها الدول الإسْلَامية التي تربطهم بها حضارات وتأريخاً وعقيدةً.

وليس خافياً على قيادات تلك الدويلات أنهم سيصبحون في نفس الوضعية التي خطّطوا لغيرهم فهل سيعتبرون؟

وهل سيرجعون لشعوبهم؟ وهل سيرفضون التآمرَ على بعضهم البعض وعلى قيادة الأُمَّـة العربية والإسْلَامية وشعوبها أم سيظلون في غياهب الجب الغربي؟.