التربية في فكر الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي
التربية في فكر الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي
ورقة عمل مقدمة من الباحث/ حمود عبدالله الأهنومي
في ندوة في رحاب الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي
صنعاء – 1437هـ
المقدمة
تتصف مسيرة السيد الشهيد القائد حركة إحيائية غيّرت الواقع، وغيرت الفرد، والمجموع، وقدّمت نموذجا ملهِما في التغير والتغيير، واستطاعت تكوين مجتمع وأمة موحدة باتجاه واحد، ومن غير شك فإن هذا يعود لعدد من العوامل، ولعل أهمها عامل التربية والتعليم وسببيتهما، وإذا كان عدد مدرسي مدارس التربية والتعليم وصل إلى مئات الآلاف، وبلغ عدد أساتذة الجامعات اليمنية ما يقارب عشرة آلاف أستاذ، فأين هي مخرجات التربية والتعليم الأساسي والجامعي في مضمار حركة التغير والتغيير؟ بينما استطاع شخص واحد مثل الشهيد القائد أن يحدِث هذا التغيير في مدة زمنية قصيرة جدا، وهذا ما دفع لطرح عدد من الأسئلة؛ منها ما هو مفهوم التربية عند الشهيد القائد، وما هي مصادرها؟ وكيف تم تشخيص واقعها في اليمن والعالم الإسلامي؟ وأين تقع التربية الوطنية منها؟ وكيف يجب أن نؤسس لتربية فاعلة ومؤثرة تصل إلى الهدف وتحقِّقه؟ وأين الثقافة القرآنية من كل هذا؟
ذلك هو مشكل المقالة الذي تحاول الإجابة عليه.
ومنهجي في البحث هو المنهج الوصفي، المتمثلُ في جميع عدد من المقولات التي وردت في بعض ملازم السيد، ووصفُها، وتصنيفُها، وتحليلُها، واستخلاصُ النتائج منها، وعرضُها على واقع حركة السيد أيضا. مُسْنِدا كلَّ معلومة إلى الملزمة التي تم أخذ المعلومة منها. مع شعوري بالحاجة إلى استخدام منهج المقارنة والتحليل لما طرحه السيد من أفكار في هذا الموضوع، لولا ضيق الوقت.
أهمية هذه المقالة في أنها تطرق أهمّ المجالات والعوامل الحيوية في حياة الشعوب ونهضتها، وتطورها الحضاري، إنه التربية والتعليم، وتحاول شرح مفهوم مؤسس حركة أنصار الله في التربية والتعليم في التربية، وربما أعطت تفسيرا لهذا الاجتياح الشعبي الواسع الذي حقّقته الحركة في أوساط المجتمع اليمني، وكيف انتقلت من مكان صغير، هو عزلة مران من مديرية حيدان، بدأ فيها الشهيد القائد وانتهى شهيدا، إلى أن أصبحت تغطي مساحات واسعة من اليمن، وأصبحت حديث الإقليم والعالم، كما تندر المقالات والدراسات الجادة حول مشروع هذه الحركة، وكثير مما كتب حوله، كان ينطلق من الإعجاب المبالَغِ فيه، أو من الحقد والكره الذي لا يصل إلى الحقيقة البتة. وتظهر أهميته أيضا في أنه يشير إلى المستقبل الذي ستذهب إليه الحركة، فأي حركة لها موقف إيجابي من التربية والتعليم فإنه بلا شك سينعكس إيجابا على مستقبلها، ويشير إلى أي نوع من أنواع المستقبل.
مفهوم التربية
من خلال الموارد التي وردت فيها التربية في محاضرات السيد حسين يمكن تعريف التربية لديه بأنها تنشئة نفسية وأخلاقية تساعد الفرد والمجتمع للوصول بالأمة إلى كمال الإيمان، بحيث ينعكس وجدانا فياضا بالشعور الإيماني، وأهمية التحرك، وأفعالا مبادرة إلى التحرك الواسع وفي جميع المجالات المهمة في واقع الأمة.
وتتخذ التربية في فكر الشهيد القائد شكلا فلسفيا متجذِّرا، فالإنسان الذي هو هدف هذه العملية، هو محط عناية الله أولا؛ إذ هو المربي، وقد تناول الشهيد القائد هذه القضية من منطلق حاجة الأمة التي شعر بها، في هذا المجال إلى الثقافة الدينية الإسلامية؛ بعد أن شخَّص افتقارها إلى قضية أساسية في التربية وهي قضية الارتباط بالقرآن الكريم.
تخرج الشهيد حسين بدر الدين من كلية الآداب، صنعاء، في قسم علوم القرآن، ودرّس في عام 1987م في مدرسة خميس مران، كما بالتأكيد درّس في مراكز التعليم الديني وأشرف عليها وأدارها، وكانت التربية جزءا مهما وأصيلا في مسار حياته وعطائه، وتحدث في محاضراته عن المنهج، والأساليب، والوسائل، والطرق، والتقويم، وعن مفردات كثيرة، يتداولها علماء التربية، ولكنه حين تناول هذه القضية في محاضراته لم يتناولها من منطلق أنه خبير تربوي، أو منظِّر فيلسوف، بل تناول هذه القضية من حيث أهمية تعزيز التربية وموادها ومناهجها وأساليبها وطرقها بمادة القرآن الكريم، وأساليبه، ومنهجيته، ووسائله، والانفعال الوجداني به، وتحويل مفاهيمه وتعاليمه إلى واقع وسلوك ومواقف، وجعل هذا ضمن توجيهاته التربوية الفاعلة والمؤثرة للأمة لكي تصحح مسار الجمود والغفلة واللامسؤولية.
لقد وضع جميع المعارف ولا سيما ما سماه الثقافة القرآنية في سياق الحركة الجادة والتحرك الفاعل والمثمر، وفي الاتجاه والدفع الحثيث بالأمة إلى الكينونة المطلوبة، والقوة الكافية، على مستوى الفرد والمجتمع.
لقد أراد للأمة أن تتربّى التربية القرآنية، والتي هي على حد وصفه: “التربية التي أخرجت ذلك الرجل الذي كان يقول: (والله لابنُ أبي طالب آنسُ بالموت من الطفل بثدي أمه)، لكنه كان وهو يتذكر اليوم الآخر، كان يتخشّب جسمه خوفا من الله، وخوفا من اليوم الآخر”[1].
الرب والتربية
تتعمق الرؤية التربوية للشهيد القائد من كون الله عز وجل هو المربي في الأساس، وجاءت تشريعاته للناس لكي تقوِّم سلوكهم، وتصحِّح مسارهم على النحو الذي فُطِروا عليه، وتصل بهم إلى الغاية المنشودة من خلقهم، ومن هذا جاء اسم الرب تبارك وتعالى؛ فهو يقول في محاضرة الاستقامة: “ربنا الله وحده لا شريك له، لا نعبد سواه، ..؛ لأن الربوبية هي من التربية، الله هو الذي ربانا، ويربينا باستمرار، هو الذي يقوم بتدبير شؤونا، هو القيوم على كل أمورنا”[2]، وبصدد وجوب استقامة قول المكلفين مع أفعالهم، ينحو باللائمة على أولئك الذين يناقض قولُهم سلوكَهم، فيقولون: الله ربنا، “ولكن يدينون بالولاء لتشريعات بعيدة عن الله، لأنظمة بعيدة عن الله، هذا إقرار يناقضه العمل”[3]. إنه يصف ولاية الله لعباده بأنها “ولاية رحمة، ولاية رعاية، ولاية تربية، وليست مجرد سلطة هكذا، سلطة قاسية، أوامر ونواهي فقط، ولاية رحمة بكل ما تعنيه الكلمة”[4]. وحين يعلِّل بعض التشريعات والتكاليف يصفها بأنها أحكام تربوية، وتشريعات تربوية، تعالج النفس البشرية وتهذب طباعها، وتقوِّم سلوكها، وتخلق فيها قوة الإرادة.
لا يختلف الشهيد القائد في هذا مع ما قاله السيد محمد حسين فضل الله في تفسيره (رب العالمين)، الذي عنون فقرته بقوله: (الله هو المربي)، ثم يشرح امتزاج معنى الربوبية بالألوهية قائلا: “فهو الإله الذي يخلق الخلق، ولكن لا ليتركهم في الفراغ، بل ليرعاهم فيربّي لهم إحساسهم من خلال الأجهزة التي أودعها في داخل كيانهم، ومن خلال الأشياء التي خلقها لهم من الطعام والشراب وغير ذلك، مما يتوقف عليه نموّ أجسادهم، ومما يربّي لهم عقولهم من خلال العناصر الدقيقة الخفية التي أقام عليها كيانهم الفكري، ومن خلال الوسائل الحسية التي حرَّكها لتموّن جهاز العقل في وجودهم، ليبدع ما شاء اللّه له من النتاج الفكري الذي يرفع مستوى الحياة في أكثر من مجال، ويربّي لهم حياتهم الروحية والعملية بالرسالات التي تمثّل أعلى درجات السموّ والخير والإبداع. ثُمَّ كانت تربيته للوجود كلّه في مخلوقاته الحيّة والنامية والجامدة، في ما أبدعه من النظام الكوني الذي يضع لكلّ موجود نظاماً بديعاً من الداخل والخارج، ويربط فيه بين المخلوقات في عملية التكامل الذي يتمثّل في الترابط الوجودي المتحرّك أو الساكن في وجود الأشياء”[5].
مصادر التربية
– القرآن الكريم
حين تحدث الشهيد القائد عن التربية قصد بها تربية الإنسان بغض النظر عن عمره أو مكانه أو وظيفته، فلا مكان محدد للتربية لديه، ولا مرحلة عمرية معينة، وليس الفرد فقط هو من يجب أن تُوَجَّه إليه العملية التربوية، فكل الأمة بحاجة إلى التربية الدائمة، في كل وقت، وفي كل زمان، صغارا وكبارا، وهو بهذا يعطي بعدا واسعا وعميقا للتربية، وهو أمرٌ مفهوم من شخصية قيادية تطمح لتغيير حال المجتمع وتحاول أن يحيي فيه قيم النهضة والحرية، وتربي فيه العزة والكرامة.
لهذا لم يتحدث الشهيد القائد بالتفصيل عن التربية للناشئة، وعن الطرق والوسائل التي تناسبهم، ولا عن طرق التدريس، ولم يهمه تصنيف (بلوم) للأهداف المعرفية، ولم يهمه أيضا الحديث عن التقويم وطرقه، ولا مهارات التدريس الفاعلة، كالتعزيز والتقويم وإدارة الصف، كما لم يبحث نظريات فلاسفة التربية، ولا آخر ما توصلوا إليه في عملية تحليل المناهج وصياغتها؛ بل ركّز همه على الموضوع الذي شغل باله كثيرا، وهو كيف يجب أن نحرِّك جمود هذه الأمة، ونحيي مُواتَها، وأين الحلقة المفقودة بين اقوالها وأفعالها، بين نظرياتها وتطبيقاتها، أين الخلل في واقع الأمة؟ ولماذا صارت ضعيفة مهانة؟ وكيف يتم الأخذ بيدها؟ ومن أين يجب الإصلاح والاستنهاض؟ وأين واقعها مما افترضه القرآن الكريم عليها؟
لقد كان دائم السؤال: لماذا نجح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في إدخال أهل الجزيرة العربية إلى الإسلام في غضون عشر سنوات، بينما نحن (وقصد الناشطين في العمل الإسلامي الزيدي بالتحديد) لم نحقق شيئا خلال 12 سنة، ولماذا فشل الإخوان المسلمون أيضا في تحقيق أهدافهم ولهم خمسون سنة في العمل التربوي والدعوي، وهو سؤال طالما طرحه في أكثر من محاضرة[6].
لقد رد ذلك إلى الابتعاد عن القرآن الكريم، وإلى ضعف الاهتداء به في الحياة عموما وفي الجهاد خصوصا، كانت أهمية حركة الشهيد القائد أنه جرّأ الأمة اليمنية على اقتحام قضية الجهاد، التي كادت أن تنسى في الواقع، وباتت مصطلحا معيبا، يُتَدَاوَل على استحياء، وخوف، وهلع، وهاهو الآن أصبح مصطلحا ملء السمع والبصر في المعرفة والوجدان والسلوك، لقد جعل الشهيد القائد للقرآن الكريم محورية أساسية في العملية التربوية ضمن رؤيته العامة لتربية الأمة والمجتمع، واستنهاضهما نحو المشروع القرآني الإسلامي، ووضع القرآن الكريم باعتباره مصدرا أساسيا في العملية التربوية، بل واعتبر كل المصادر الأخرى إذا لم تقترن بالقرآن الكريم فاشلة وأن مصيرها إلى الفشل.
يرى الشهيد القائد أن كل أعمالنا يجب أن ترتبط بالقرآن الكريم؛ لأنه كتاب هداية، يهدي الناس إلى ما يريده الله منهم، وفيه المنهجية القرآنية التي هي أكثر نجاعة ونجاحا من غيرها، وفيه الأساليب المناسبة، والسلوكات المعينة، التي تكفي للوصول إلى الكمال.
يعلل ذلك بأن القرآن شخّص الإنسان والناس بشكل كامل، شخّص إشكاليات المجتمع بشكل واضح[7]، وحين يقول لك الله: إن القرآن كتاب هدى، فافهم أن لديه منهجا، ووسائل، وأساليب منهجية يرسمها، وحتى في أسلوبه العام، في الخطاب العام يرسم لك منهجا، دعويا، تربويا. وإذا كان الله قد تكفل بالهداية والإرشاد، فمعنى هذا أن الهداية بالتعليم والإرشاد تحتاج إلى مناهج وأساليب، وسلوكات معينة، وآليات معينة، وأن من تكفل بأن يهدي هو أيضا متكفل بأن يرسم المنهج، ويرسم الطريقة، ويرشد إلى الوسائل وإلى الأساليب. ويكرِّر بأن في القرآن المناهج والوسائل والأساليب الكافية للهداية، وفيه مناهج لزمان أوسع من أي زمان أنت فيه، ولوضعية أوسع من الوضعية التي أنت فيها[8].
يقول: كل أعمالنا يجب أن تكون مرتبطة بالقرآن الكريم، بعناوين ثقافة قرآنية، وعلمٍ قرآني، وتحرك قرآني، القرآن الكريم هو الذي لم يحظ في تاريخ الأمة بأن يرجع إليه الناس فعلا بشكل كامل، وبشكل جاد، ولهذا يجب أن يكون هناك اهتمام كبير بالقرآن، والقرآن جعله الله نورا، وهدى، وموعظة، وفي نفس الوقت جعله الله سلاحا. القرآن كتاب مرتبط بالحياة، مرتبط بالحركة، والاهتداء به تدخل إلهي.[9]
– النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم
كما أن مصادر التربية الأعلام وعلى رأسهم سيد الأنام، محمد صلى الله عليه وآله وسلم في سيرته الكريمة والجليلة، الرسول الذي ربّى أمة عظيمة في غضون سنوات قليلة، هو ذلك الرجل العظيم الذي لما رأى أحدهم يتبختر استطاع أن يوظف هذه الرجولة لصالح الإسلام، وأن يربيها فيه تربية حسنة، فأعطاه سيفه، الرسول الذي ظل طالب علم دائما، وهو أعلم الناس وأحكمهم، وهو يغالب الحياة، ويعالجها، ظل طالب علم، يقول الشهيد القائد: الرسول ظل طالب علم (ورب زدني علما)، يعتبر طالب علم في قضايا كثيرة جدا في حركته في الحياة، في تبليغ الرسالة، الدين ممتزج بالحياة بكل قضاياها، بكل طرقها، بكل شعبها، بكل مجالاتها[10].
– أهل البيت عليهم السلام
يرِدُ أهل البيت عليهم السلام في مكان مهم في قدوات المجتمع لدى الشهيد القائد، يقول: “إنه لا يمكن أن تحصل تربية إيمانية للأمة، تربية إيمانية للأمة إلا على يد أهل بيت رسول الله صلوات الله عليه وعليهم”، وأنه “على يد أهل البيت (عليهم السلام) كالإمام علي (صلوات الله عليه) ومن بعده من أئمة أهل البيت هم من عملوا على تربية الأمة تلك التربية التي ترقى بها في درجات كمال الإيمان”[11]، ورأى في هزيمة طالبان على يد الأمريكان دليلا على ما سماه تبخر الإيمان عند أولئك الذين لا يتربون في مدرسة أهل البيت عليهم السلام، “لأنه نوعية أخرى ليس هو الإيمان الأصلي تقليد ـ إن صح التعبير – . فأولئك الذين ملئوا الدنيا بأصواتهم، وقالوا بأنهم يربون الأمة تربية إيمانية فضحهم الواقع، تبين أن إيمانهم ليس بإيمان, وتربيتهم ليست بتربية إيمانية”، واعتبر ذلك شاهدا “بأنه لا تحصل الأمة على تربية إيمانية إلا عن طريق أهل البيت ومن نهج نهجهم”، مبينا أن أبرز مظاهر التربية الحقة “هو الوقوف في وجه الكافرين بكل عزة, وبكل صمود, وبكل قوة, بل هذا شرط في تحقيق الإيمان في ميدان المواجهة نفسها، حيث تصبح الهزيمة أمام الكافرين جريمة {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} (لأنفال: من الآية16)”[12].
– الأعلام من عظماء الإسلام
ينتقد الشهيد القائد تغييب القدوات النموذجية والذين يسميهم الأعلام من مناهج المدارس، ومن الإعلام، والثقافة، في العالم الإسلامي عموما وفي اليمن خصوصها، ويرى أن هذا كان متعمدا لكي لا ينشدّ الناس إلى العظماء، فيحركونهم بطريقة فاعلة وصحيححة، بل بالعكس فبدلا من التركيز عليهم “رأينا كيف أنه في مناهجنا الدراسية وعلى شاشات التلفزيون وفي غيره من وسائل الإعلام نرى أعلاما أخرى تقدم للأمة ويتحدثون عنها كثيرا في المساجد، في المعاهد، في المراكز، في الجامعات، وفي كل مكان، هذه الأعلام عند من يفهم واقع الأمة الآن أن أمريكا، أن اليهود والنصارى يتحكمون تقريبا في كل شيء، في الجوانب الإعلامية، الثقافية، التربوية، الاقتصادية، السياسية، في الدول كلها يتحكمون فيها، ويتدخلون في كل صغيرة وكبيرة. هم يعرفون أن تلك الأعلام لا تصنع شيئا؛ لأنه لو جسِّم في نفسك على أكبر ما يمكن لما كان باستطاعته أن يحركك، ليس فيه ما يحركك، إنما هي نمور من ورق كما يقال”[13].
ويستدل على أهمية الربط بالأعلام بأن الإمام الحسين سلام الله عليه ظل حالة جامدة في نفوس الإثني عشرية لقرون من الزمن، لكنه لما جاء الإمام الخميني استطاع تفعيله في نفوسهم وتحويله إلى حالة ثورية واقعية.
ويأخذ العلَم حيزا كبيرا في حركة الشهيد القائد، وحين وضع ملامح مشروعه الإحيائي، جعل للعلم حضورا متميزا، وقويا، وفاعلا، وفلسفة العلم تحتاج إلى بحث خاص، ولا تتسع هذه المقالة للاستفاضة أكثر في هذه القضية.
– العقيدة السوية
يرى أن من مصادر التربية العقيدة السوية، التي تنتج أعمالا تنسجم معها، أما تلك العقيدة الباطلة فلن تجلب إلا التراجع والانحسار، وفي هذا يرجِع هزيمة طالبان أمام أمريكا، وخوف الوهابيين في اليمن ممثلا في جامعة الإيمان من تهديد الأمريكيين بسبب اعتقادهم عقيدة تناقض مفاهيم القرآن، وهي عقيدة (شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي) التي لا تربي صاحبها على الاستقامة والثبات، بل تشجعه على الهروب والفرار.
يقول: ” نقول لأولئك الدعاة الذين يملئون محاريب المساجد بأجسامهم الدسمة والضخمة: نحن الآن في مواجهة مع اليهود والنصارى, في مواجهة مع أمريكا وإسرائيل، وأنتم الآن وكما نراكم, وكما ترون أنفسكم في قائمة المطاردين من جانب أمريكا وإسرائيل: راجعوا أنفسكم, وانظروا من جديد إلى ما كنتم تقدمونه للناس من عقائد، راجعوا عقائدكم، صححوها، وإلا فإنكم إنما تبنون أمة منهزمة، وإلا فإنكم إنما تصدِّرون الشواهد, الشاهد تلو الشاهد على أن الإسلام يقبل الهزيمة، وأنه لا يستطيع أن يصمد في مواجهة الكافرين”[14].
– كتاب الكون
ما أجمل ما قاله حين قال: “متى ما كانت رؤى الناس صحيحة سينفتح عليهم العلم واسعا، بل يصبح الكون كله كتابا واحدا، كل شيء أمامك كتاب، كل شيء يعطي علما، كل شيء يعطي معرفة[15]، وهو هنا يبين أن من مصادر التربية للناس، هذا الكون كله بما فيه من تجارب وأعمال وخبرات واعتبارات ونظائر.
واقع التربية في اليمن
في ملزمة الثقافة القرآنية انتقد الشهيد القائد “تغييب القرآن في المناهج المدرسية وانتقاص مقرراته”، وحين عرض أنهم كل مرة ينتقصون من مقرراته توقع أنه سيأتي اليوم الذي يجعلهم يلغونه تماما، وبحسب طلب اليهود الماكرين.
وعرض صورة يومية للمعلم الذي لا يرتبط بروحية القرآن في التربية، وهي صورة نمطية للمدرسة الخاوية عن روحية القرآن الكريم، وصورة نمطية للمدرس الأجوف الذي نشاهده يوميا، فيقول: “هذه المدارس ما داخلها ؟ المعلمون أنفسهم ما هي ثقافتهم؟. هل هم يحملون روحا إسلامية, روحا عربية، كما يحمل المعلم اليهودي داخل المدرسة روحا يهودية, روحا قومية يهودية؟.. لا . بل معلم أجوف لا يهمه شيء، يهمه أن ينظر إلى الساعة متى ستنتهي الساعات التي هو ملزم بالعمل فيها, ويُمَشِّي حال الطلاب بأي شيء. ليس هناك تربية لا داخل مدارسنا, ولا داخل مساجدنا, ولا داخل جامعاتنا، ولا داخل مراكزنا”. وكان يقارن هذا بتحرك الأمريكيين إلى تغيير المناهج بذريعة مكافحة الإرهاب[16].
واعتبر أخطر أمر عملته السلطة اليمنية، أن يسمحوا للأمريكيين يأن يتجهوا للتحكم على مدارسنا، ومساجدنا، ويعلل تجرأ الأمريكان على ذلك، بأنهم: كانوا يتحدثون عن الإرهاب في بعض الجامعات، وحين سكت الناس، إذا بهم يتحدثون عن وجوب تغيير المناهج وتنقيتها من مصادر الإرهاب على حد زعمهم، ورأى أن ذلك شكّل فضيحة للأمريكيين، وخديعة لا تنطلي علينا، “لأن المدارس الحكومية في مختلف بلدان الدنيا هذه لا تنتج متشددين، لا تنتج ملتزمين بالإسلام! فلماذا بادروا إليها ليحتووها، ويغيروا المناهج التعليمية، ويصيغونها على ما يريدون؟”، يجيب لأن “الأمريكيين متجهون لتغيير ثقافة الأمة هذه؛ ليبنوا جيلاً يتولاهم، يحبهم، يجلهم، يمكِّنهم من الهيمنة عليه، بدلا من أن يكونوا أولياء لله، ومحبين لله، وأن يمكنوا كتاب الله من أن يحكم عليهم. يكون البديل هم اليهود، فهم يريدون هذه، يريدون الاحتلال لأفكارنا، لنفوسنا، لبلادنا، لقيمنا، لكل ما يربطنا بديننا”.
يواصل: “نقول: الآن افتضح الأمريكيون، افتضحوا، الذين قالوا إنهم لا يريدون إلا أن يحاربوا الإرهابيين!”[17].
وشرح كيف سيطر الوهابيون في اليمن على التربية والمساجد، بميزانية سعودية، حيث كانت ميزانية المعاهد من السعودية، والذين هم في خدمة الأمريكان، والأمريكيون يخططون لإحلال الوهابية ونشرها، لإيجاد خلخلة في الشعوب، لينشروا عقائد ليست جيدة، حتى إذا كثروا، قالوا: هؤلاء إرهابيون وعندئذ يسهل ضربهم وضرب الإسلام من خلالهم، وكذلك ضرب الشعوب ومقدراتها[18]. ويستخلص أن: الوهابية صنيعة استعمارية، تساعد الاستعمار، وتمكّنه من البلدان، وفيها قابلية له؛ لأنها تنسف بعض المبادئ التي تؤدي إلى بقاء المسلمين معتزين بولائهم، وبتاريخهم، وأعلامهم، لأنها تنسف تاريخ المسلمين وأعلامهم، ورموزهم الدينية[19].
وعرض سيطرة الوهابيين على مفاصل التربية وقنواتها، حيث قال: “أفسحوا المجال للوهابيين ليدخلوا، من مكّنوهم من وزارة التربية والتعليم والأوقاف والمساجد وغيرها، ثم متى ما تحدث أحدٌ ضدهم، أو خطب خطيبٌ ضدهم، أو حصلت مشكلة في جامع معهم انطلقوا ليسجنوا الزيدي, ويطلقوا الوهابي. الوهابي كان يستطيع أن يتصل مباشرة بـ[علي محسن]، والزيدي لا يستطيع أن يتصل بأحد ، لا يجيبه أحد حتى المحافظ ، حتى إذا ملأوا الشعب من أولئك الناس، وجعلونا نقف عاجزين أمامهم؛ إذا بهم يقولون عنهم إرهابيون؛ ليخرج هؤلاء وسنأتي بنوعية أفضل! جاءوا بالأمريكيين ، أزالوا الوهابيين وجاءوا بالأمريكيين”[20].
وعلّق على ظاهرة التخبط في المناهج المدرسية، ظاهرة المناهج التجريبية التي تستمر سنينا طويلة، وظاهرة التعديلات في كل مرة، ويُرْجِع ذلك إلى عدم الأخذ بالمنهجية القرآنية، يقول: “ما تزال المناهج الدراسية تحت التجريب، وما زالوا يبحثون عن تخريج خبراء، بكيفية إنشاء منهج، فإذا صمّم منهجا قالوا ليس بالشكل المطلوب، وقالوا سنعمل تعديلات”[21].
ويعزو ما نراه “فساداً في الشباب، في كثير من الشباب، في كثير من الكبار الذين هم خريجو مدراس” إلى “خطأ في التربية، من القائمين على التربية”، وأنه ليس “القضية أن هناك زحمة في السكان ! لا. بل لأنها تربية سيئة … تربيته تربية فاسدة في معظم ما يقدم إليه، أما ونحن أيضاً فاتحون المجال بأن يأتي اليهود يربون الناس، فهذا [أطم]، وهي أيضاً أسوأ وهذا جاء من القائمين على الناس، الذين همُّ أحدهم أن يسلم منصبه، أن تسلم رؤوس أمواله، أن تسلم مصالحه، ولو ضحى بالناس، وبدين الله، و بكتابه”[22].
التربية الوطنية
يرى جدوائية التربية الدينية القرآنية بخلاف التربيات الأخرى، فما يسمى بالتربية الوطنية، ثبت – كما قال – عدم فعاليتها، ورأى أن أكثر من يتحدثون عن الوطنية هم من يخونون أوطانهم، ومن يبيعون أوطانهم، يقول: ” والتربية للجيش تربية وطنية بحتة: من أجل الوطن، من أجل الوطن، من أجل الوطن، هذه المسألة بدت بأنها ليس لها قيمة في الواقع، وجدنا ممن يهتفون بها هم هم ممن يبيعون الأوطان فعلاً، ممن يبيعون الأوطان”. لكنه لما تحدث عن علاقة المتجهين إلى الله بالوطن قال: “الناس الذين يتجهون في سبيل الله، ومن أجل الله، هم الناس الذين تعتبر الأوطان غالية لديهم، وتعتبر الأعراض عزيزة لديهم، وتعتبر الممتلكات هامة لديهم، فعندما ينطلقون في سبيل الله لا يعني: بأنهم لا يبالون بالوطن، أو أنها على حساب الوطن، أو على حساب الأعراض، أو حساب الناس أبداً”[23]. وهذا ما أثبتته للأسف أحداث العدوان على اليمن.
لماذا لم تثمر التربية أمة واحدة؟
تطرق الشهيد القائد في مواضع متفرقة إلى الأسباب التي لم تجعل التربية تثمر أمة واحدة بأن أول المحق وأول الضلال هو أن يذهب المعلم أو المرشد ولا يبني الشعور بوجوب أن يكون هناك أمة واحدة فيهم. وأن من يضرب الناس هم أولئك المعلمون الذين يقدمون نظرات خائطة عن الدين، أو بشكل غلط”. وتضييع الأسس، حيث نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض، نقدم بعض الدين ونشتغل فيه، ونترك بعضه، حيث يضربنا الأثر للجانب الذي لا نحركه، لأن منفعة هذا مترتبة على حركة هذا. كما أن كتب التاريخ أصبحت عبارة عن مقروءات لمجرد القراءة[24]. وأرجع الأمر إلى نصابه حيث قال: إذا لم ننطلق انطلاقة قرآنية سنغلط في كل شيء، سنغلط في كل شيء[25].
كيف يجب أن نؤسس لتربية سليمة تقود إلى أمة ناهضة
تميزت حركة الشهيد القائد بنجاعتها، وصارت نجاحاتها السريعة مثار تعجب الباحثين والمراقبين، ولكن ذلك الاستغراب سيزول حين نعرف أن المؤسس كان صادق التوجه مع نفسه ومجتمعه، وأن همه الأكبر تمثل في إيجاد أمة قوية تثق في الله ثقة مطلقة، وهذه بعض القضايا التي اعتمدها في بناء الأمة القرآنية الإسلامية القوية بالله تعالى، من خلال معرفة الله المعرفة الصحيحة، المعرفة التي تستولي على وجدان صاحبها، وتحوله إلى متحرك جادٍّ ينسجم وجدانه وواقعه مع معارفه.
ولهذا كانت معرفة الله هي أول قضية ركز عليها ودعا إلى اعتبارها جزءا مهما من مكونات التربية الحقيقية، ففي محاضرة (لقاء مع المعلمين) بيّن أن أول قضية يجب التركيز عليها هي قضية معرفة الله سبحانه وتعالى، التعريف بالله من خلال نعمه، إحسانه، شرح أسمائه، إلى آخر ما ذكره القرآن الكريم عن الله تعالى، التعريف بالله الذي يملأ وجدان الناس بروح المسئولية في بناء الأمة الواحدة والقوية والمنطلقة مع الله تعالى. ومحاضراته في معرفة الله تشكل الركن الركين الذي أوجد أمة عظيمة في اليمن، تشعر بمعية الله القوي القهار، وتتوكل عليه، لا يضرها من خالفها أيا كان.
وفي محاضرة (لقاء مع المعلمين) طلب ممن يريد التأثير على الناس، بأن يعي أن هناك أسبابا في الموضوع مرتبطة بالله، بأنه هو الذي يجعل في ذلك التحرك فاعلية وتأثيرا. وأن على المنطلق مع الله تعالى والعارف له معرفة صحيحة أن يتحرك ثم يكل الأمر إليه تعالى في كمال النتائج وتحقق الأهداف.
وحذر رضوان الله عليه من تناول الدين على أنه أجزاء منفصلة أو الاقتصار على جانب دون آخر فيه؛ لأن الدين مترابط بعضه مع البعض الآخر، “هذا يخدم هذا، وهذه المسألة تخدم تلك، وهذه القضية تهيئ لتلك، سلوكيات، أو معتقدات، أو عبادات، أو أقوال، كلها قضايا يخدم بعضها بعضا”.
وأكّد على أن من الأسس في هدي الله أن تقوم الهداية على أساس بناء الأمة الواحدة، هدى من الله بالشكل الذي يبني أمة واحدة. وطلب من العاملين في إرشاد الناس أن يبنوا فيهم هذا الشعور، الشعور بالمسؤولية، وأن يغرسوا فيهم هذه المسؤولية. وعليهم أن يثقوا أن الله حين قال: (ولتكن منكم أمة) وضع منهجا متكاملا لصناعة الأمة، من خلال ثنائية (المنهج والأعلام).
وركّز الحديث بأنه يجب على المعلِّم والمرشِد أن يرسِّخ في المجتمع الذي يتحرك فيه روح المسؤولية بالتحرك الجاد مع الله عز وجل، وفي بناء الأمة الواحدة والقوية، وأنهم مسؤولون، وأن يعملوا لدينهم، وأن يكونوا أنصارا لربهم، وأن يكونوا حركيين.
واقترح وجوب التركيز على قاعدةٍ مكانيةٍ محدَّدةٍ في بداية العمل الحركي لتكون نموذجا لحالة الهدى الواقعي، ومنها يكون الانطلاق وتصبح النموذج المثالي للآخرين للانجذاب إليها والانشداد نحوها، كما فعل الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم في المدينة حين جعلها قاعدة ينطلق منها لتكوين مجتمع مسلم، وقد حاول الشهيد القائد أن يجعل من منطقة مران قاعدة للانطلاق، ونموذجا للاحتذاء انطلاقا من هذا التوجه التربوي؛ حيث دعا إلى تجمع واحد، بمعنى أن يكونوا متوجهين توجها واحدا، قيادتهم واحدة، موقفهم واحد، توجيههم واحد، وعلّل قضية الهجرة في الإسلام بأنها جاءت لتكوين القاعدة الإسلامية الأولى، والمجتمع الإسلامي النموذج.
واشترط بأن يكون المتحرك مع الله على فهم بقضية أن يكون قدوة، في ما يطرحه، مستدلا بقول أمير المؤمنين عليه السلام: (من نصّب نفسه للناس إماما فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه، ومعلم نفسه ومؤدبها أحق بالإجلال من معلم الناس ومؤدبهم)، محذرا في هذا السياق من أن الغلطة تفرِّع غلطات؛ ولهذا لا بد أن يكون المعلم على فهم كبير وعلم كاف في مجال تحركه.
وأوجب تقديم الدين على مثاليته وكماله، وحذّر أنه من الخطإ تقديم نصف الدين أو بعضه، وترك البعض الآخر بحجة استحالة أو صعوبة تنفيذه، وشدّد على أهمية تقديمه كاملا غير منقوص حتى لو تصور البعض أنه لا يمكن تطبيقه في الواقع، كاملا ليظهر للعباد أنه لا يوجد في الدين تقصير، ولا خلل، ولا قصور، ولا إغفال. مبينا أن القرآن الكريم يعطينا الإذن باستخدام العبارات والأساليب البديلة، كما فعل نبي الله موسى عليه السلام مع فرعون.
ودعا إلى أسلوب التذكير باعتباره أسلوبا تربويا قرآنيا، تذكير الجيل المعاصر بالأجيال السابقة، وما حصل لهم، وهو أسلوب استخدمه مؤمن آل فرعون، واعتبر هذا الأسلوب منهجا للناس يسيرون عليه، وذكر أن هذه مادة واسعة في القرآن الكريم، ورصيد كبير جدا على حد وصفه، ثم تساءل في حينه حين كانت تموج العراق بعد الحرب عليها بالطائفية والتفجيرات والتخريب والتدمير عن أثر الحرب على العراق، تساءل: لماذا لا يبحث اليمنيون عن هذه القضية؟ وماذا لو كان مصير اليمن في يوم من الأيام مصير العراق؟ ولم لا يخافون أن يكون مصيرهم مصير أولئك؟.
وحث على إرشاد المعلّمين والمربين بأنه حين يكون هناك تراجع أو انتكاسة في مسيرة الحركة أو في أحد منعطفاتها فليس ذلك آخر التاريخ، ولا آخر المطاف، كما حصل للمسلمين في حنين، وأحد على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فطلب من المعلمين والمرشدين أن يفتحوا باب الأمل في الله عند الناس عند أي تراجع أو انتكاسة، وأن يرشدوهم إلى الرجاء فيه تعالى، وأن بعد العسر يسرا.
وأرشد تربويا إلى التعامل السليم مع الشباب الطموح، الذي يبدي طموحا، ونزوعا نحو القوة، والفتوة، والرجولة، باستثمار ذلك النزوع وتوظيفه في المنهج الصحيح، وفي المكان الصحيح، يقول: إذا رأيت شابا فيه طموح وإباء ورجولة فأرشدْه أين يجب أن تكون هذه النفسية، ودُلّه على أن يعبِّد نفسه أولا لله، وقد رسم الله لنا منهجا نكون فيه عظماء وكبارا، وأقوياء، وأشداء، وفي نفس الوقت رحماء في ما بيننا، متصافحين، متآخين، متعاونين؛ مستدلا بفعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع أبي دجانة.
وهناك أساليب ووسائل وقضايا تربوية تطرّق إليها الشهيد القائد، في رؤيته التربوية، غير أن الوقت لم يسعفنا للتعمق فيها بشكل أفضل، ولعل فرصة قادمة تمكن الباحث أو غيره من الوقوف بشكل أفضل وأعمق، وفي طرح أجلى بإذن الله تعالى.
نتائج وتوصيات
بعد هذا العرض، يتضح:
– أن للشهيد القائد رؤية تربوية واضحة وناجحة أيضا، وأنه أولى موضوع التربية التوضيح والتبيان والجهود، وعمل على العمل بهذه الرؤية على أرض الواقع، فاكتسبت الرؤية الأصالة والواقعية، وصارت نموذجا يمكن الاهتداء بها في طول وعرض بلاد المسلمين.
– كما تبين أن الارتباط بالقرآن الكريم والثقة المطلقة بما عند الله، والشعور بمعيته لعباده المخلصين المجاهدين، تعطي صاحبها تربية فاضلة وتصنع منه شخصية فاعلة، وتضفي على تحركه الخير والبركة والنجاح والتوفيق والسداد.
– وظهر أنه فكّر في شؤون الأمة، وحاول إيجاد الحلول لمشاكلها المستعصية مستهديا بالقرآن الكريم، وتميز على كثير من المفكرين والمنظرين بأنه تواكبت تنظيراته مع واقع أحدثه، ووضعٍ أسّسه، وأن تلك التنظيرات والرؤى قابلة للحياة والانطلاقة، وتعطي القوة على تحدي قوى الشر في العالم، وإنكار شرورها.
ولهذا يوصي الباحث بـ:
– إجراء المزيد من الدراسات في أدبيات هذه الحركة بشكل عام، ومقاربة صيغها الحضارية، وتوضيح الملتبس منها، وتوجيهه بحسب الروح الحضارية العامة للمشروع، وتحتاج للتعمق فيها بقراءات موضوعية منصفة، حيث لا زالت أدبيات هذه الحركة بكرا، وكثير من التفاصيل في فروعها قابلة للتشكل والنقاش والحوار.
-دعوة التربويين في العالم الإسلامي إلى الاستفادة من هذه الرؤية التربوية التي أحدثت تغييرا واقعيا كبيرا في غضون سنوات قليلة وفي ظل ظروف كثيرة معيقة، ودعوتهم لا سيما في اليمن إلى ربط الناشئة خصوصا وطلاب الجامعات والدراسات العليا خصوصا بمشروع الأمة الواحدة والقوية، وأن يكونوا أنصارا لله تعالى.
– تكثيف مادة القرآن الكريم والثقافة الدينية ومعرفة الله في المناهج المدرسية والتعليمية الأساسية والجامعية، والعمل على جعلها روح التربية والتعليم وتثقيف الطلاب بالثقافة القرآنية الجامعة والفاعلة لكي تنعكس عليهم معرفة ووجدانا وواقعا وممارسة وانتماء.
– تشجيع الدراسات العلمية في العكوف على القرآن الكريم ودراسة منهج القرآن وأساليبه ووسائله واستخراج المزيد من الوصايا والآداب التربوية، والاهتداء به في جميع مجالات واقع الإنسان اليمني.
وصل اللهم وسلم على مولانا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
[1] معرفة الله – وعده ووعيده – الدرس الثاني عشر.
[2] الاستقامة.
[3] المصدر السابق.
[4] الدرس الثالث والعشرون من دروس رمضان.
[5] من وحي القرآن، تفسير آية (الحمدلله رب العالمين)، سورة الفاتحة.
[6] مثلا انظر: لقاء مع المعلمين.
[7] المصدر السابق.
[8] المصدر السابق.
[9] المصدر السابق.
[10] المصدر السابق.
[11] في ظلال دعاء مكارم الأخلاق، الدرس الثاني.
[12] المصدر السابق.
[13] معرفة الله – وعده ووعيده – الدرس الثالث عشر.
[14] في ظلال دعاء مكارم الأخلاق، الدرس الثاني.
[15] المصدر السابق.
[16] المصدر السابق.
[17] آيات من سورة الكهف.
[18] لقاء مع المعلمين.
[19] المصدر السابق.
[20] دروس من وحي عاشوراء.
[21] لقاء مع المعلمين.
[22] الدرس التاسع من دروس رمضان.
[23] المصدر السابق.
[24] لقاء مع المعلمين.
[25] الإسلام وثقافة الاتباع.