العيد بنكهة الجبهات (2) حقائق مغيبة
بقلم / حمير العزكي
كثيرة هي الأقلام التي تصدرت الكتابة عن الجبهات ورجالها، وتفننت في نقل أحداثها ووقائعها وأهوالها وأحوالها، روى البعض ما شاهده بعينيه وحدث البعض بما سمعه بأذنيه وعبر البعض عن إحساسه الكامن مابين خافقيه، وليس من يحس كمن يسمع ولامن يسمع كمن يرى ، والأغرب بين كل الذين كتبوا ممن زار الجبهات ليعمى عن كل محاسنها متتبعا الهفوات التي لاتكاد تذكر كاتبا بإسهاب مقزز وإسهال مقرف عنها ؟؟!!! .
في خضم زيارتي الأكثر زخما في ذاكرتي والأبرز أثرا في ذاتي تجلت لي العديد من الحقائق التي حضرت عيانا أمام ناظري ، لم أسأل لأكتفي بإجابة تطمئنني ولم يشكو رجال الرجال لأنقل شكواهم إلى المعنيين ولكن لاتحتاج الشمس إلى أدلة على سطوعها في كبد السماء، فالمواقع المتباعدة والأرتاب المتزايدة والطقوم التي لاتكاد تتوقف والمواجهات التي لاتفتئ تهدأ حتى تشتعل وتضطرم ، وجنود الجيش المرابطين في مواقعهم، وتشكيلات اللجان الشعبية ومكوناتها، وغيرها من الأمور التي تحمل حقائقا تعمد الإعلام المأجور والموتور والمسكون بالحقد والغرور وحب الظهور تغييبها وإثارة الإشاعات حولها.
تنقلنا خلال زيارتنا بين مايزيد على خمسين موقعا و رتبا موزعة بين تضاريس مختلفة تربطها شبكة طرقات ترابية، ظننا للوهلة الأولى أنه تم شقها وتعبيدها بوحدات الشق التابعة لدائرة الاشغال العسكرية أو من اعتمادات السلطة المحلية، وقدرنا تكلفة شقها بعشرات بل بمئات الملايين، ليفاجؤنا المجاهدون بأنهم قاموا بشقها بأنفسهم بواسطة حركة الطقوم الدائمة فيها وبأعمال المجاهدين اليدوية في المناطق الوعرة ، فكم احتاجت تلك الطقوم من الإطارات ؟؟ومن الوقود ؟؟ ومن جهود السائقين ؟؟ وكم تكاليفها ؟؟ ومن يقوم بتغطية تلك التكاليف ؟؟ دون تأخير وبلا روتين معقد وبدون مبالغة في التكلفة أو تحايل في الجودة؟؟!!
وجدنا أن الإمداد يصل إلى كل موقع يوميا ثلاث مرات وأحيانا أكثر بمرات ومرات وذلك لإيصال الوجبات الغذائية اليومية وتوابعها عبر تلك الطرقات الترابية، وجبات متكاملة لم نكتفي بشهادة المرابطين المتوجة بعبارة (مكيفين مع الله ) بل شاهدناها واكلنا منها فكانت ألذ وأشهى ماذقناه منذ نشأنا ، فمن أين يتم توفير تكلفة تلك الوجبات ؟؟ وبصورة يومية وبعناية واهتمام وبسخاء ودون تقصير .
وعندما علمنا بمرابطة أفراد من أحد الوية الجيش أصرينا على زيارتهم و تشوقنا للقاء بهم ، وسمعنا منهم مايثلج الصدور من معنويات عظيمة يفتقدها من زينت أكتافهم النجوم والسيوف والطيور ، من عشاق الخدور والمتباكين على المرتبات والأجور، قالوا لنا : لاشيئ ينقصنا وما يوفر للجان الشعبية يتم توفيره لنا على السواء بدون تفريق او تمييز ، فماذا تبقى لمن يعتذر من افراد الجيش عن التوجه إلى الجبهات من مبررات لتقاعسهم عن واجبهم المقدسة ؟؟ وماذا تبقى لمن يتشدقون بتهميش واستبعاد الجيش عن الجبهات سوى أن يبلعوا ألسنتهم ويغمروا بالوحل رؤوسهم التي تأبى أن ترتفع لترى أبعد مما بين أقدامهم ؟؟
وعند تعريف المجاهدين بأنفسهم تركت الكنى وأنتبهت للألقاب والصفات من الفرد وحتى المشرف ، فوجدت كافة شرائح وطبقات وفئات المجتمع اليمني الأصيل والعظيم ، لا معيار هناك للنسب ولا للمكانة الاجتماعية ولا للمستوى التعليمي ولا الوضع المادي، المعيار الوحيد هو الإخلاص والثقافة القرآنية والتحرك الجاد والمبادرة والمسارعة في العمل في سبيل الله.
ختاما كم أتمنى أن يجد ها هنا المتسائلون بسوء نية عن مصير المجهود الحربي الإجابات الكافية ! وأن يجد المهووسون بالمناطقية والعرقية في شهادتي هذه المضادات الحيوية الشافية ! ومن كذب جرب ومن احتار زار وإلا فقد ظلم وجار ومكر مع الماكرين و ( وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ ).