الخبر وما وراء الخبر

المحاضرة الرمضانية الـ13 للسيد عبدالملك بدر الدين الحوثي – ذكرى استشهاد الإمام علي عليه السلام 02 – رمضان 1438هـ 15-06-2017م(نص + فيديو)

1٬233

https://www.youtube.com/watch?v=bEkUhIDfDPo

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله خاتم النبيين، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وارض اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين وعن سائر عبادك الصالحين.
أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وتقبّل الله منا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال.

نتحدث في هذه المحاضرة استكمالا لما بدأناه للمحاضرة السابقة من الحديث عن الإمام علي عليه السلام بما لذلك من أهمية بالنسبة لنا كمسلمين في علاقتنا بهذا الرجل العظيم، تلك العلاقة الإيمانية التي يتحتم علينا فيها أن نكون محبين له، حبه إيمان وبغضه نفاق، وأن نتطلع إليه باعتباره النموذج الإيماني الأرقى والأكمل في أمة محمد ومن أتباع محمد ومن تلاميذ محمد رسول الله خاتم النبيين صلى الله وسلم عليه وعلى آله الطاهرين، وأن نتطلع إليه باعتباره حلقة الوصل ما بيننا وبين نبينا، ما بعد وفاة نبينا صلى الله عليه وعلى آله في حمله راية الإسلام ولمشروع الإسلام في روحيته وفي معارفه وفي علمه وفي أخلاقه وفي مواقفه.

واليوم مثل ما تحدثنا بالأمس عن بعض وقليل من النصوص الشهيرة التي نقلتها الأمة بشأن الإمام علي عليه السلام فيما تدل عليه تلك النصوص والأحاديث التي أجمعت الأمة على صحتها ونقلتها الفرق والمذاهب المختلفة فيما تدل عليه من مقامه ومن دوره ومن كماله الإيماني العظيم، نتحدث اليوم بشيء محدود ويسير عن سيرته وحياته عليه السلام، وكما قلنا بالأمس لا يمكن أن تتسع محاضرة أو كلمة للحديث عن الإمام علي عليه السلام في كل أبعاد حياته وشخصيته، لا، الإمام علي عليه السلام منهج متكامل، مدرسة متكاملة تلتقي به وأنت تتعرف عن الإسلام في أحكامه وشرائعه، تلتقي به كنموذج عظيم في موقع القدوة والأسوة في اتباع الرسول صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، الإمام علي عليه السلام تلتقي به في التراث الإسلامي في كل المجالات وفي كل الجوانب، ولكن للذكرى وللاستفادة، الإمام علي عليه السلام حينما نتحدث عنه من أهم ما نستفيده بشأنه عليه السلام أننا نرى فيه إبداع الرسول صلوات الله عليه وعلى آله، وثمرة جهده، الإمام علي عليه السلام هو تربية رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله، هو الذي رباه، هو الذي علمه، هو الذي اهتم به، فكل ما نراه من عظمة في شخصية علي عليه السلام فيما نراه من أخلاق، فيما كان عليه من علم، فيما كان عليه من ارتقاء أخلاقي وإنساني وكمال هو شاهد للنبي صلوات الله عليه وعلى آله، هو أثر للنبي صلوات الله عليه وعلى آله، هو نتاج لجهود النبي صلوات الله عليه وعلى آله، هو دلالة على عظمة النبي صلوات الله عليه وعلى آله، فالنبي صلوات الله عليه وعلى آله واحد من تجليات وآثار عظمته وآثاره وأخلاقه ما نجده في الإمام علي عليه السلام، وإذا أتينا لنتحدث وباختصار شديد عن الإمام علي عليه السلام وفي محطات محدودة عن ولادته ونشأته وفي محطات محدودة من حياته كشواهد ونماذج، هذا هو المهم كشواهد ونماذج نستفيد منها ونتطلع من خلالها إلى غيرها وإلى ما وراءها.

الإمام علي عليه السلام كان له خصوصيات عجيبة جدا، فمنذ ولادته كان عليه السلام وليد الكعبة، كان شخصية امتاز حتى بهذه الميزة، أن كان مولده في الكعبة المشرفة، ففي السِّيَر وفي الأخبار أن والدته رحمة الله عليها عندما أصابها الطلق والمخاض ذهبت إلى الكعبة لتدعو الله أن يسهل عليها ولادتها، فأخذها طلق الولادة ومخاض الولادة وأشرفت على الولادة وألجأها ذلك إلى الدخول إلى الكعبة، فما إن دخلت إلى داخل الكعبة إلا ووضعته فور دخولها إلى الكعبة، فكان وليد الكعبة، وهذا كان من لطف الله به وصنيع الله له، كان أيضا من صنيع الله له ولطف الله به ورعاية الله له والإعداد له لدور كبير ودور مهم في إطار النبي صلوات الله عليه وعلى آله وفيما بعد وفاة النبي صلوات الله عليه وعلى آله أنه كان له من الاختصاص بالنبي ما لم يكن لغيره، فالنبي صلى الله عليه وآله أخذه وهذا كان قبل مبعثه رسولا، أخذه في مرحلة طفولته، أو لا يزال طفلا، وذلك ليخفف عن والده، ليخفف عنه نفقة العيال وهَمِّ المعيشة، ولتدبير من الله سبحانه وتعالى وتهيئة إلهية ورعاية إلهية، أخذ عليا منذ طفولته عنده، فاهتم بتربيته، الرسول صلوات الله عليه وعلى آله كان في طفولته في إطار كفالة عمه أبي طالب، لأن النبي نشأ يتيما، في مرحلة يتمه وطفولته اهتم به جده عبد المطلب إلى أن توفي والنبي ما يزال طفلا صغيرا، وتولى كفالته والعناية به عمه أبو طالب، النبي صلوات الله عليه وعلى آله قابل هذا الجميل، وأخذ عليا لديه وبتدبير وتهيئة إلهية، وهو ما يزال طفلا صغيرا، فاعتنى به واعتنى بتربيته وتنشئته وعني به فيما يتعلق بأخلاقه، وتحدث الإمام علي عليه السلام عن هذه المسألة فقال عليه السلام: (وقد علمتم موضعي من رسول الله صلى الله عليه وآله بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا ولد)، فالنبي أخذه لديه منذ طفولته، إلى أن يقول: (ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل أثر أمه)، يعني ألازمه، كما كان ولد الناقة يلازم أمه، فكانت ملازمته له ملازمة مستمرة لا ينفك عن ملازمته، وملازمة فيها اتباع فيها اقتداء فيها اهتداء فيها تأثر بأخلاقه، قال عليه السلام: (يرفع لي في كل يوم من أخلاقه عَلَما، ويأمرني بالاقتداء به)، فكان في كل يوم يحرص على أن يترك أثرا من أخلاقه في الإمام علي عليه السلام، والإمام علي عليه السلام في نفس الوقت وقد حظي بهذه الدرجة بهذا الفضل الكبير، بتربية مباشرة وعناية وتنشئة خاصة برسول الله صلوات الله عليه وعلى آله، قابلها من جانب الإمام علي عليه السلام قابلية عالية جدا، وهذه مسألة مهمة، مثلا قد يمكن أن تحظى باهتمام تربوي وأخلاقي، لكن إذا لم يكن لديك قابلية كبيرة قد يعاني من يهتم بك، قد يعاني من يعمل على تربيتك، قد يعاني من مدى تقبلك، من مدى تفاعلك، من مدى ومستوى تأثرك، أما الإمام علي عليه السلام فإنه في الوقت الذي حظي بأن يكون من يعتني به وبتربيته الرسول صلوات الله عليه وعلى آله بكمال أخلاقه لأن النبي صلوات الله عليه وعلى آله ما قبل مبعثه رسولا حظي برعاية خاصة وعناية وإعداد إلهي خاص، ما قبل مبعثه رسولا كان يحظى منذ ولادته، الله أعده خصيصا لمهمة كبيرة عالمية وعظيمة هي الرسالة، والرسالة في أكبر مستوياتها، في أكبر مراحلها، في أهم مراحلها، وخاتم النبيين، وهو سيد المرسلين، فإذن النبي في كماله العظيم اعتنى بالإمام علي عليه السلام، وفي نفس الوقت كان هناك قابلية جدا وتأثر كبير كالأرض الطيبة الخصبة جدا التي ينبت فيها ما بُذر فيها، (والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خَبُث لا يخرج إلى نكدا)، الإمام علي كان كالأرض الطيبة الخصبة جدا، ما ألقي فيها من بذور نبتت فيها ونمت فيها وكانت مثمرة فيها، فهذه القابلية العالية جدا التي تجعله يتفاعل، يتأثر تأثرا كبيرا، ينتفع انتفاعا كبيرا بما يبذله النبي من جهود في تربيته، ونتاج هذه التربية كما قال: (وما وجد لي كذبة في قول ولا خطلة في فعل)، فكان لها هذا الأثر في الإمام علي عليه السلام، ارتقاء على نحو عجيب منذ الطفولة، استقامة على نحو عجيب، وما وجد لي كذبة في قول، ولا حتى كذبة واحدة، الكذبة الواحدة في الكلام، أو التصرف غير اللائق، ولا خطلة في فعل، ولا أي تصرف سيء أو تصرف غير حكيم، أو تصرف لم يكن عن رَوِيَّة وعن تفكير وعن تصرف صحيح، ولا خطلة في فعل، هذه النتيجة هذا الأثر العظيم، هذه التربية العظيمة في شخص متقبل، منتفع، واستمر على هذا الأساس في إطار النبي، في إطار تربيته صلوات الله عليه وعلى آله إلى مبعث النبي رسولا صلوات الله عليه وعلى آله، وحينما بُعث النبي رسولا كان علي لا يزال لديه عنده في منزله، يحظى بتربيته، يلازمه، وبالتالي كان الإمام علي عليه السلام مع خديجة زوجة الرسول صلوات الله عليه وعلى آله، والنبي بُعث كما في الأخبار والآثار يوم الاثنين وفي يوم الثلاثاء عرض عليهما الإسلام فأسلما وصدقا به وأمنا به رسولا من عند الله سبحانه وتعالى، الإمام علي عليه السلام في الوقت الذي صدَّق فيه برسالة النبي، وسبق إلى ذلك كل أبناء الأمة لم يكن قد سبق إسلامُه شرك، ولم يكن قد سبق إيمانَه تلوثٌ بدنس الجاهلية ورجسها، لا،

النبي نفسه كذلك صلوات الله عليه وعلى آله، النبي كان موحدا ما قبل مبعثه رسولا، وكان على الحنيفية، على دين إبراهيم عليه السلام، لم يسبقه في إيمانه أو في مبعثه رسولا من عند الله لم يسبق ذلك شيء من الشرك والعبادة للأصنام أو التلوث أيضا بشيء من رجس الجاهلية، لا، كان طاهرا وكان زكيا وكان يحظى برعاية خاصة من الله وطهارة وحفظ وصون من الله سبحانه وتعالى، فالإمام علي عليه السلام في ظل هذه التربية وهذا الاختصاص بالنبي صلوات الله عليه وعلى آله وسلم ما قبل مبعثه رسولا، كذلك حفظ في هذه التربية في ظل هذا الجو الراقي والإيماني، حُفظ من أن يسجد لأي صنم، أو أن يعبد غير الله سبحانه وتعالى، ولذلك تعارفت الأمة أن تقول عن الإمام علي عليه السلام، كرَّم الله وجهه، من باب الاخصاص له، يقال عنه، على وجه الخصوص، يتحدث مثلا عن بعض الصحابة يقال رضي الله عنه إلى آخره، لكن الإمام علي أيضا يقال عنه كرم الله وجهه، يقال لأنه من هذه الكرامة، كرم الله وجهه لم يسجد لصنم قط، كان الكثيرممن أسلموا والتحقوا بالإسلام فيما بعد، كان الكثير منهم سبق إسلامه شرك، عبادة للأصنام، بل كان البعض حتى من كبار الصحابة قد انقضت مدة شبابهم في عبادة الأصنام، يعني كانوا كل ما مضى من حياتهم في حالة عبادة للأصنام وفي تلوث وغرق بين دنس الجاهلية إلى أن جاء الإسلام فتطهروا بالإسلام وشَرُفوا بالإسلام ووحدوا، ودخلوا في دين الإسلام وتركوا الأصنام، كبار من الصحابة كان كل شبابهم كل حياتهم فيما مضى في ظل عبادة للأصنام، في ظل غرق وتأثر بالبيئة التي عاشوا فيها، البيئة الجاهلية، بكل ما فيها من خمر ومن متاهات وملذات وشهوات وعادات وتقاليد، حتى جاء الإسلام فتطهروا بالإسلام، الإمام علي عليه السلام، لا، نشأ نشأة طاهرة، نشأة صالحة، نشأة زكية، لم يتلوث فيها بأي من رجس الجاهلية ولا بكل ما كان فيها من أشياء سيئة بصفة تقاليد أو بصفة عادات، أو بصفة اعتيادية للناس في طعامهم وشرابهم وغير ذلك، في ذلك الجو الطاهر النظيف نشأ عليه السلام وتربى وبقابلية عالية ومع هذه السلامة تربية وتنمية أخلاقية، ليست فقط مجرد سلامة من تلك الأرجاس ومن تلك العادات وبقاء في وضع عادي، يعني يَسلَم ولكن يبقى على وضعية طبيعية، على فطرته وبالحد الأدنى من أخلاقه ومن مستوى الصلاح والزكاء، لا، تنمية عالية وارتقاء كبير في كل مكارم الأخلاق، وحميد الصفات وجميل الصفات، ارتقاء مستمر، فحينما أتى مبعث النبي رسولا صلوات الله عليه وعلى آله، سرعان ما التحق وآمن وصدق به رسولا من عند الله من غير سابقة شرك ولا دنس الجاهلية ولا رجسها، ولذلك ورد فيما ورد من أثر: (إن أول هذه الأمة ورودا على الحوض)، يعني يوم القيامة، (أولها إسلاما علي ابن أبي طالب)، فضيلة السبق إلى الإسلام وأن يكون أول الأمة إسلاما وسابقة، هذا فضل كبير، هذا شرف عظيم، هذه منزلة كبيرة وعالية، الله سبحانه وتعالى قال في كتابه الكريم: (والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم)، السابقون لهم فضيلة عند الله، لهم منزلة عالية عند الله سبحانه وتعالى، اختصاص بمقام عال عند الله سبحانه وتعالى، فكان هو في سابقي الأمة أسبقهم، السابقون من أبناء هذه الأمة هو أسبقهم، أسبقهم في الإسلام والتصديق لرسول الله رسولا ونبيا من عند الله سبحانه وتعالى، يقول الله في آية أخرى: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم)، ففضيلة السبق إلى الإسلام فضيلة كبيرة جدا ولهذا أُثير اللغط في بعض كتب التراث وفي بعض الآثار وعند بعض الكتاب والمؤلفين خصوصا الذين انشغلوا بالجدل، ركزوا على أن يثيروا الجدل في من هو أول الأمة إسلاما، ولكن الثابت في الاستقراء التاريخي والشيء الطبيعي جدا وهو لدى النبي صلوات الله عليه وعلى آله أنه أول الأمة إسلاما، لهذا كان الإمام علي يقول: (اللهم إني لا أعرف أن عبدا لك من هذه الأمة عبدك قبلي غير نبيك محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم)، فكان له مع الاختصاص، ولذلك الجو التربوي، والاختصاص بالنبي على نحو ليس لغيره، كان له فضيلة السبق أيضا ودخل في الإسلام هذا الدخول الذي سبقه تهيئة تربوية وروحية وأخلاقية عالية، وبالتالي كان خطاه كان مسيره في هذا الإسلام مسار ارتقاء، كان مساره مسار ارتقاء نحو الأفضل نحو الأعلى، وتناميا إيمانيا عظيما وراقيا.

جانب آخر من جوانب حياته عليه السلام ومن جوانب إيمانه وارتقائه الإيماني هو جهاده في سبيل الله، إذا أتيت إلى القرآن الكريم لتعرف جوانب الإيمان ومجالات الإيمان تجد أن من أهم ما في الإيمان من أخلاق وأعمال ومسؤوليات ويرتبط به أشياء كثيرة هو الجهاد في سبيل الله، وهو أيضا فضيلة عظيمة وشرف كبير ومنزلة عالية عند الله سبحانه وتعالى، وفيه أيضا الدلالة التي تدل بوضوح على حقيقة الإيمان فنجد الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم يتحدث عن الجهاد في سبيله كصفة إيمانية من أهم الصفات الإيمانية، ونجده يتحدث عنه كمنزلة رفيعة وعالية (وفضَّل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما درجات منه ومغفرة ورحمة).

الإمام علي عليه السلام كان جهاده في سبيل الله وإسهامه الكبير جدا في مواجهة أعداء الإسلام وفي الدفاع عن الإسلام وعن الأمة وفي الإسهام الكبير في إقامة هذا الدين كان متميزا نستطيع القول ما بعد النبي صلوات الله عليه وعلى آله، ليس لأحد من أتباعه ولا من أصحابه ولا من أنصاره ما هو للإمام علي عليه السلام في هذا الجانب، فكان جهاده وإسهاماته ومواقفه وعناؤه الكبير في سبيل الله واستبساله وفدائيته العالية جدا في سبيل الله سبحانه وتعالى وطول مسيرة الإسلام وفي كل المشاهد والمقامات والمواقف الكبيرة في الإسلام كان كل ذلك متميزا بين أتباع الرسول أكثر من أي شخص آخر بين المسلمين، وهذا أيضا نتاج لتلك التربية من النبي صلوات الله عليه وعلى آله، لم تَضِعْ جهود النبي في تربيته، لم تضع عبثا أبدا، جهودٌ أثمرت أيما ثمرة عظيمة، وأثمرت أيما أثرا عظيما، وكانت في نفس الوقت شاهدا على عظمة الإسلام نفسه، لأن عليا هو صنيعة الإسلام، أثر الإسلام، كل ما فيه من أثر هو أثر أخلاق الإسلام، لقيم الإسلام لمعارف الإسلام، وبجهد من النبي صلوات الله عليه وعلى آله وبسعي من النبي صلوات الله عليه وعلى آله، وبتربية من النبي صلوات الله عليه وعلى آله، فالمعلم والمربي هو النبي، والذي رباه به وعلمه به وأنشأه عليه هي أخلاق الإسلام، معارف الإسلام، قيم الإسلام، فكان شاهدا للنبي وشاهدا للإسلام وعلى عظمة هذا الإسلام، وتجلت فيه قيم هذا الدين وأخلاق هذا الدين على أرقى مستوى، هناك مسلمون عظماء، هناك أيضا من الصحابة من برزوا عظماء في إيمانهم في عطائهم في جهادهم، في صبرهم، ولكن ليس بمستوى ما كان عليه الإمام علي عليه السلام، وليس بمستوى ما وصل إليه الإمام علي عليه السلام، والنبي صلوات الله عليه وعلى آله أولاه اهتماما خاصا وفي نفس الوقت كانت قابليته أعلى من قابلية غيره، لم يمتلك أحد من المسلمين من قابلية بقدر ما امتلك هو من قابلية عالية في نفسه وفي مداركه وفي مشاعره وفي إحساسه وفي وجدانه وفي قدراته وفي طاقته إلى آخره، ، فكان جهاده ومسيرته الجهادية، موطئه الجهادي على نحو عظيم، ولذلك تستطيع الحديث عن الجانب الجهادي بالنسبة للإمام علي عليه السلام من جوانب متعددة.

أولاً هو بطل الإسلام، بين تلامذة الرسول بين أتباع الرسول مامن أحدٍ بين المسلمين وأتباع رسول الله مامن أحدٍ يصل إلى مستوى الإمام علي عليه السلام في بطولته في ثباته في سجاعته في قوته المعنوية، كان يمتلك قوةً معنويةً عالية، وصنعها فيه الإسلام والرسول، ووهبه الله سبحانه وتعالى هذه الهبة العظيمة والعالية، فالإمام علي عليه السلام كان يمتلك طاقة معنوية وقوة معنوية عالية جداً، لأنها ليست فقط قوةً غريزية البعض يمتلكون شجاعةً غريزية أكيد يتوفر الإمام علي عليه السلام الشجاعة الغريزية ولكن قد تكون القوة الغريزية فيك والفطرة الربانية قد تكون بمستوى معين، إنْ أنتَ قمت بتنميتها وتنشئتها والرفع من مستواها والإعلاء من شأنها كان لديك القابلية ونمت وتعاظمت وتجذرت وتمكنت وأثمرت وإن أنت لم تنمي هذه الفطرة ولم تسعى إلى التفاعل معها تبقى في مستوى محدود وأحياناً الإنسان قد يضرب فطرةً معينة في نفسه قد بضربها أصلاً فلا يستفيد منها وتكاد أن تنعدم فيه فكلٌ منا يمنحه الله في فطرته أشياء عظيمة أشياء مهمة اشياء ذات قيمة وكل الملكات اللازمة للإنسان التي يحتاج إليها في حياته للصلاح وللخير وللتقوى وللرشد وللإرتقاء الإنساني والأخلاقي كلٌ منا يمنحه الله في فطرته ذلك، لكن إذا كان إلى جانب هذه الفطرة تنمية وتنشئة وبناء وإرتقاء نمت وتعاظمت وأثمرت، وهذا هو ماكان بالنسبة للإمام علي عليه السلام إلى جانب ذلك كان له الأثر الإثماني الأثر الإيماني إلى جانب الفطرة التي فطره الله عليها ونمت وتعاظمت بفعل التربية بفعل التنشئة الإيمانية المباركة والتنمية الأخلاقية والتنمية الإنسانية والبيئة الراقية التي تربى فيها غلى جانب ذلك الأثر الإيماني ولذلك قدم الله سبحانه وتعالى هذا الإستبسال في سبيل الله هذه الفدائية العالية في سبيل الله وهذه الطاقة المعنوية العالية في سبيل الله قدمها القرآن تقدمةً إيمانية قال الله تعالى ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ)

يذكر المفسرون وبروي الرواة أن أول وأعظم مصاديق هذه الآية من أبناء الإسلام من أتباع الرسول هو الإمام علي عليه السلام، أول مصاديقها من أبناء الأمة ومن أتباع النبي هو الإمام علي ونعني بأنه أول مصاديقها أن الآية لا تخصه وهي لا تعنيه فقط ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ ) هي تشمل كل من يبيع نفسه من الله ويتجه هذا التوجه ( إبتغاء مرضاة الله ) من اتجاه صحيح وفي اتجاه صحيح وسليم لا تشوبه شوائب باطلة ولا محبطة، ولكن أرقى من فعل ذلك أعلى شأناً من ذلك أكمل إيماناً من فعل ذلك اصدق من فعل ذلك من أتباع رسول الله من الأمة الإسلامية وأولهم في المرتبة الأولى الأول من أبناء الإسلام من أتباع النبي هو علي بن ابي طالب، فأنت تتطلع إليه كجندي من جنود الإسلام إذا أنت تجاهد في سبيل الله تتطلع إلى هذا الجندي الذي سبقك من جنود النبي من جنود الإسلام وهو علي ابن ابي طالب كيف كان على هذا النحو وكيف كان السابق أيضاً، وسبق علي في الإسلام كان سبقٌ إليه في التصديق بالنبي رسولاً وسبقٌ في كل فضائل الإسلام في كل مجالات العمل الإسلامي العظيمة والمهمة كان سباقاً صداقاً سباقاً يحمل روحية السبق في كل مجالات الإسلام حينما يدعو النبي إلى شيء ويأمر بشيء ويحث على شيء فهو من يسبق إلى فعل ذلك.

سجّل التاريخ وسجّل السيّر للإمام علي عليه السلام من المواقف البطولية والفدائية ومواقف الاستبسال في سبيل الله مالم يسجل لغيره، حتى برز الإمام علي عليه السلام عُرف بين الأمة الإسلامية وبين البشرية كافة بأنه بطل الإسلام عظيم الإسلام في جهاده عظيم أتباع النبي عظيم رجال النبي عظيم جنوده بطل جنوده صفوة جنوده، ونتحدث بإيجازٍ جداً يعني لأن المعول لأن يستفيد الناس من التاريخ ومن السير في هذا الشأن ومن التراث الإسلامي فيما ورد، من المواقف التي سجلها التاريخ وسجلتها السير ليلة المبيت على فراش النبي صلوات الله عليه وعلى آله بعد أن تآمر الأعداء على قتله لأنه بعد أن أتى البعض من الأوس والخزرج من الأنصار إلى مكة وأسلموا وعزم النبي على الهجرة فتفاقم القلق لدى المشركين والكافرين في مكة، واتخذوا قراراً بقتل النبي صلوات الله عليه وعلى آله والتخلص منه قتلاً وأذن الله له بالهجره، فالليلة التي تآمروا فيها على قتل النبي صلوات الله عليه وعلى آله وفق خطة أعدت سلفاً جمعوا فيها من كل بطن من بطون قريش مقاتلاً شرساً فتاكاً يحمل سيفاً حاداً بغية أن يقتلوا النبي بضربة واحدة بسيفوهم فحسب قولهم يتفرق دمه في القبائل فيعجز بنو هاشم عن الثأر له، ففي تلك الليلة بعد أن أعدوا خطتهم هذه وجهزوا لتنفيذها وأرسلوا أولئك المقاتلين للتنفيذ، جبريل عليه السلام بوحي من الله أخبر النبي صلوات الله عليه وعلى آله مسبقاً، وأعطاه الاذن والأمؤ من الله بالهجره ولكن لنجاح عملية الهجره والخروج من منزل النبي ضلوات الله عليه وعلى آله سيما والمكان الذي كان يبيت فيه النبي كان مكاناً مكشوفاً يتضح ما إذا كان النبي موجوداً أو غائباً كان لابد من عملية تمويه حتى يتوهم أولئك أن النبي لا زال موجوداً بينما يتمكن هو بالخروج والهجره، فالنبي صلوات الله عليه وعلى آله عندما أخبر الإمام علياً عليه السلام بذلك كان جاهزاً لإفتداء النبي وقال نعم الكرامة وفرح بذلك واستبشر جداً أنه سيحضى بهذه المهمة الفدائية التي يبيت فيها في فراش النبي حتى يتوهم أولئك الأعداء أن النبي لا يزال في فراشه وأنه يبيت في منزله فينتظروا حتى اللحظة التي حددوها لقتله فينقضوا عليه لقتله وحينها يكون النبي قد خرج، وبات علياً عليه السلام في فراش النبي صلوات الله عليه وعلى آله، وعندما هجم أولئك مع طلوع الفجر تفاجأوا وثار فيهم الإملم علي عليه السلام تفاجأوا بأن الموجود هو علي بن ابي طالب أما النبي صلوات الله عليه وعلى آله فلم يكن موجوداً وكان قد خرج، قصة شهيرة في التاريخ وفي اسلير والحديث عنها وماقبلها واثناءها وبعدها حديثٌ واسع.

هذه الليلة سجلت في التاريخ وورد عن النبي صلوات الله عليه وعلى آله بشأنها مواقف أن الله باهى بعلي بعض ملائكتة كيف بقي تلك الليلة في موقفٍ فدائي يجهز نفسه للشهادة ويعد روحه للشهادة وحاضر للشهادة في سبيل الله في تلك اللحظة وفي ذلك الموقف ونزل الله قول الله سبحانه وتعالى ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ) فكان علياً أول المؤمنين أول جنود النبي من طبّق ذلك فعلياً مع النبي صلوات الله عليه وعلى آله.

نأتي إلى مقامات أخرى كذلك بإختصار شديد، يوم بدر يوم بدر عندما قال الله (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ).. وكان أعظم هؤلاء المؤمنين أثرا يوم بدر وعطاء وجهدا كان هو الإمام علي عليه السلام هو تميز بذلك وعرف يوم بدر ببطولته وثباته واستبساله استبساله العجيب في سبيل الله وجدية العالية في القتال وأداءه المتميز عرف بذلك كله وكان علي عليه السلام حامل الراية راية النبي صلوت الله عليه وعلى آله راية الإسلام في يوم بدر وفي مشاهد النبي كلها التي حضرها كان هو حامل الراية وكان دائما وفي العادة يوكل حمل الراية إلى من يعرف بثباته واستبساله وشجاعته وتماسكه وإقدامه وصبره والإمام علي عليه السلام كان هو حامل راية النبي صلوات الله عليه وعلى آله.. في يوم بدر كان أول ما حدث في المعركة أن برز من جانب المشركين ثلاثة مقاتلين هم عتبة بن ربيعة وأخوه شيبه وولده الوليد كبار المشركين ومن أبطالهم أبطال الشرك والكفر وتقدموا للمبارزة فقال النبي صلوات الله عليه وعلى آله.. القصة طويلة نأتي إليها باختصار.. قم ياعلي ياحمزة وقم يا عبيده ابن الحارث فقام الثلاثة ودخلوا في أول مبارزة في المعركة ونتج عنها مقتل الذين خرجوا من المشركين ونزل قول الله سبحانه وتعالى( هَٰذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ).. خصومة في ربهم على الإسلام وعلى الحق وعلى الدين الإسلامي.. إلى آخر الآيات بما فيها من ثناء على المؤمنين بما فيها أيضا من كلام ووعيد لإعداء الله الكافرين.. في يوم بدر من أعجب ما نقله المؤرخون أن عليا عليه السلام كان له أكبر إسهام مع أنه كانت أول معارك يخوضها لكن كان له أكبر إسهام في القتال لدرجة ان البعض من المؤرخين وأصحاب السير أحصوا في إحصائية للقتلى من المشركين أن عليا قتل قرابة النصف من قتلى المشركين يعني نصف المعركة حسبت عليه.. قرابة النصف من قتلى المشركين كان هو من قتلهم وكان معروفا عنه أنه قتل صناديدهم.. صناديد الأعداء وأبطالهم ومقاتليهم الأشداء بل إن بعض مقاتليهم الأشداء عندما تقدم كان البعض من المسلمين يتهرب من مواجهته فيكون علي من يتقدم ويواجه.. أما في يوم أحد وما أدراك ما يوم أحد عندما انهزم المسلمون وهرب الكثير منهم قال الله تعالى( إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا) وكذلك قال( إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَىٰ أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ ).. الإمام علي عليه السلام كان له موقف متميز جدا بثباته مع النبي صلوات الله عليه وعلى آله يوم أحد وفي صبره ومرابطته واستبساله العجيب جدا ماقبل الفرار قبل الهزيمة وهروب الكثير من المسلمين هروب الأكثر وما بعد أيضا ما بعد ماهربوا ماقبل الفرا منهم ومابعد الفرار.. ماقبل الفرار كان هو قاتل أصحاب الرايات من المشركين فقتل معظمهم ومواقفه في ذلك مسجلة.. قتل فلانا وفلانا وفلانا.. يذكرون بالأسماء من الابطال الذين يعتمد عليهم الأعداء في بطولتهم في دورهم القتالي في شجاعتهم في إقدامهم.. ثم ما بعد الفرار من جانب المسلمين كان صموده كذلك صمودا أسطوريا وعجيبا جدا صمودا لانظير له ثبت مع النبي صلوات الله عليه وعلى آله واستبسل هو كسر جفن سيفه لأنه في البداية شاعت شائعه عن استشهاد النبي صلوات الله عليه وعلى آله وهرب الكثير من المسلمين فكسر الإمام علي جفن سيفه وكان هذا صنيع من يريد ان يستشهد وليس في أمله أن يعيد سيفه إلى جفنه.. يريد أن يقاتل حتى يستشهد وحمل حبله على الأعداء حتى كشفهم فوجد النبي صلوات الله عليه وعلى آله جريحا ومغماً عليه ودافع عن في استبسال حتى عاد النبي صلوات الله عليه وعلى آله وخرج من حالة الإغماء وأفاق واستبسل الإمام علي عليه السلام مع قلة قليلة جدا من الصابرين والثابتين يحصون بالعدد اليسير جدا على اختلاف في الروايات في ذلك .. من الثابت والمجمع عليه في التاريخ ثبات الإمام علي عليه السلام لم ينهزم فيمن انهزموا واستبسل استبسالا عجيبا جدا ومنحه الله عونا منحه الله عونا عجيبا جدا.. وهتفت له الملائكة وهو يستبسل ذلك الاستبسال في ما اصبح معروفا ومنقولا لدى الأمة.. لاسيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي.. في ما يروى من أحداث أحد مايروى عن النبي صلوات الله عليه وعلى آله وسلم انه في أثناء المعركة وهي محتدمة جدا ما بعد هزيمة المسلمين وما بعد بقاء النبي بقلة قليلة من الثابتين وأبرز موقف كان هو موقف الإمام علي عليه السلام بعد استشهاد حمزة واستشهاد من استشهدوا من ابطال المسلمين قرابة السبعين شهيدا.. كان الأعداء يحرصون في تلك اللحظات على قتل النبي كهدف رئيسي هدف رئيسي لهم فكانت تتقدم كتيبة كل آونة تتقدم كتيبة لهذا الهدف للاقتحام والسعي على قتل النبي مباشرة صلوات الله عليه وعلى آله.. كان النبي جريحا ومثخن بجراحه وكان على جانبه جبريل عليه السلام والبعض من الملائكة حاضرون فكان النبي يقول للإمام علي عليه السلام ياعلي ويأمره أن يتجه إلى تلك الكتيبة ويجهه أن يواجه تلك الكتيبة.. كلما أقبلت كتيبة أمر عليا بالتصدي لها.. كام علي عليه السلام يتجه إلى كل كتيبة تسعى للاقتحام على النبي وقتله فيقتل فارسها وقائدها وبطلها وأهم الفرسان فيها فسرعان ما تتراجع.. تأتي كتيبة أخرى يقتل قائدها سرعان ما تتراجع تأتي كتيبة ثالثة وهكذا..

لاينفك يتصدى لهذه الكتيبة ثم يتحول إلى تلك الكتيبة في قتال واستبسال بشكل عجيب فقال جبريل عليه السلام إن هذه لهي المواساة فقال النبي إنه مني وأنا منه فقال جبريل وأنا منكما.. هذا شرف لايفوقه شرف أبدا فضيله هذه ومنقبة عظيمة جدا تدل على علاقة الإمام علي عليه السلام بالنبي صلوات الله عليه وعلى آله.. أيضا مما يدلنا على الموقعية إذا جاز التعبير أو المكانة التي يحتلها الإمام علي عليه السلام في طبيعة الدور الذي ينهض به لمناصرة النبي والجهاد معه والإسهام في إقامة الإسلام وفي نصرة النبي صلوات الله عليه وعلى آله .. آية قرآنية مهمة تحدثنا عنها في كلمة من الكلمات.. عندما قال الله جل شأنه في سورة التحريم مخاطبا اثنيتن من نساء النبي( وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ ).. الله هنا يتحدث عن الأنصار أنصار النبي أن النبي يتمتع بعظيم مقامه وعظيم فضلة وطبيعة دوره بأنصار وبحماية عجيبة وبتأييد عجيب مع الله سبحانه وتعالى مولاه جل شأنه وناصره ومعينه وحافظه مؤيده.. إلى آخره.والله سبحانه وتعالى سخر له وأعانه أيضا بأنصار من هذا المستوى من هذه الدرجة جبريل ثم يقول هنا مابين جبريل لاحظوا ما أعجبه من موقع وما أخصه من منزلة مابين جبريل ومابين بقية الملائكة فيدخل من في الوسط صالح المؤمنين صالح المؤمنين من هو صالح المؤمنين هذا؟.. الروايات والآثار والواقع يقول علي.. يقول علي ابن أبي طالب، هو صالح المؤمنين، هو المقصود أيضا في هذه الآية ، والملائكة بعد ذلك ظهير، هذا يدل على عظم الدور الذي قام به الإمام علي ابن أبي طالب عليه السلام، لنصرة النبي صلى الله عليه وعلى آله، يوم الأحزاب اشتهر الإمام علي عليه السلام في مبارزة لعمر بن ود العامري، واسهاماته الكبيرة، وعندما قال النبي برز الإيمان كله للشرك كله، وفي خيبر عندما قال النبي لأعطين الراية غدا لرجل يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله، كرار غير فرار ، حتى هذا الوصف العجيب، الكرار غير الفرار الذي لا يعرف الفرار، إلى آخره كم تتحدث في هذا الجانب.
ندخل إلى جانب آخر وباختصار أيضا، الإمام علي عليه السلام بقدر ما كان في دوره الجهادي واسهاماته الكبير في إقامة الإسلام، ومن واقع أيمانه العظيم يتحرك فيه كان أيضا شخصية متكاملة شخصية ايمانية متكاملة في جهاده شجاعته في بطولاته، في صبره في استبساله في سبيل الله في روحه العالية.

أيضا جانب آخر من أهم الجوانب ، علمه، الإمام علي عليه السلام كان هو اعلم الامة بعد نبيها ، هو تلميذ النبي الذي استفاد منه بالم يستقيده غيره، مثلما كان على اختصاص كبير النبي صلى الله عليه وعلى آله في المجال التربوي استفاد على نحو أكثر من غيره والنبي بعد ان نزل قوله تعالى ” وتعيها أذن واعية” قال فيما روي عنه ورواه المسلمون عنه، سألت الله أن يجعلها أذنك يا علي” فكان الإمام علي عليه السلام أول مصداق لهذه الآية ، أول مصداق وأرقى مصداق من المسلمين من اتباع النبي لهذه الآية ، الأذن الواعية التي تستوعب وتسمع تتلقف الهدى وتستوعبه ولا ينسى لدعاء النبي له لم يكن ينسى ما حفظة وتعلمه من معارف وعلوم وإلى آخره.

والأمام علي كان في مدى اهتمامه في ان يتعلم وان يستفيد إلى درجة عالية من قال عن ذلك، قال عليه السلام ما دخل نوم عيني ولا غمض رأسي على عهد رسول الله حتى علمت ذلك اليوم ما نزل به جبريل عليه السلام من حلال أو حرام أو سنة أو كتاب أو أمر أو نهي وفيمن نزل.

لا حظوا هذه اهتمام كبير جداً، أذن واعية يستوعب يحفظ ما ينسى ما استوعبه يمنحه الله الحفظ لذلك بدعاء النبي له، في نفس الوقت عناية، عناية اهتمام كبير، جد ، ما ينام إلا وقد استوعب ما نزل في ذلك اليوم من جبريل عليه الإسلام من حلال أو حرام أو سنه أو كتاب أو أمر أو نهي وفي من نزلـ ارتقاءه العملي هو الذي أوصله إلى قول النبي أنا مدينة العلم وعلي بابها ، ثم هو أُهّل ، أُهّل ليكون له الدور المستقبلي في الأمة ليكون ناقلا لهذا العلم ، ومؤتمنا على معارف الإسلام يحتاج إلى يؤتمن عليها كم يدخل في من ينطق عن الإسلام من محرفين من كاذبين من دجالين من مفترين من قائلين على الله مالم يقل، ومن مفترين على الإسلام ومن مفتين على الإسلام مالم يقله اليوم كم تعاني الأمة من شخصيات كبيرة تقدم نفسها على أنها تنطق باسم الإسلام وليس هو مؤتمنا على الإسلام فكان علي المؤتمن بعد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله، على هذا الإسلام فيما يقدمه من معارف، عن هذا الإسلام وفيما يتخذه من مواقف وقرارات وفيما أيضا يحمله من أخلاقيات وفيما يحمله من روحيه تعبر وهي أثر هذا الإسلام.

هذا جانب وهذا الجانب أيضا له مجالاته الواسعة، وفيه الكثير والكثير لكن لا يتسع لنا الوقت لنخلص أيضا في ختام كلامنا إلى جانب آخر عطاءه وإحسانه ورحمته هذه من أهم الجوانب التي يجب ان تتصل بها النفسية المؤمنة وهو جانب أيضا إنساني وأخلاقي وإيماني.

الإمام علي عليه السلام كان في هذا الجانب متميزا وراقيا على الآخرين من اتباع النبي صلى الله عليه وعلى آله ، وسجل له القرآن الكريم والتأريخ، في ذلك ما فيه دلائل مهمة و دروس مهمة.

من ما سجل في هذا الجانب قصة الإطعام للمسكين واليتيم والأسير والإيثار لهؤلاء بالطعام الذي كان علي عليه السلام والزهراء عليها السلام وجاريتهما فضه لا يمتلكون غيره مع صيام، كانوا في حالة صيام، وكان عليهم نذر، نذر بالشفاء للحسن والحسين عليهما السلام كانا مريضا، فنذر علي والزهراء بالصيام والشفاء تقرب إلى الله وتوسلا إليه بالصيام أن يشفيا الحسن والحسين وصاموا، عند الإفطار كان لهما ثلاثة أقراص من الشعير لم يكن لهما غير هذه الثلاثة أقراص من هذا الشعير، فـ عندما أتى وفت الإفطار أتى أولا المسكين فطرق الباب وأعطياه قرصاً، لم يلبث أن اتي بعده اليتيم فأعطياه القرص الثاني ولم يلبثا أن أتى الأسير كل منها يسألهما ويطلب منهما فأعطياه القرص الثالث وبات في حالة جوع.

نزلت الآيات القرآنية، أن تلك الأسرة الطاهرة هي أول مصاديق هذه الآية، وفي هذه الآية المباركة وفي الآيات دلائل مهمة لا يتسع لنا الحديث عنها في أيمانهما في برهما هو والزهراء عليه السلام في روحيتهما الإيمانية الراقية، في خوفهما من الله سبحانه وتعالى، في إخلاصهما لله سبحانه وتعالى، مدرسة من الأخلاق والقيم والمبادئ التي يحتاج إليها الإنسان المؤمن.
نزل فيه قوله سبحانه وتعالى ( إنما وليكم الله ورسوله والذين أمنوا الذين يقيمون الصلة ويأتون الزكاة وهم راكعون) يوم تصدق بخاتمه وهو راكع وهذا الشي رواه المفسرون من الفريقين في الأمه الإسلامية ومشهوره القصة ولها دلالة مهمة، دلالة مهمة، روحية عجيبة، لأنه يقيم الصلاة هو مقبل على الله ولكن مع كل ذلك انتبه لذلك السائل الذي دخل المسجد ولم يعطه أحد شيئا، فأومأ له بخاتمه فأخذه ونزلت الآية القرآنية قصة أيضا لها دلالتها التي لا يتسع لنا الحديث عنها

نزل أيضا في قول الله سبحانه وتعالى (الذين ينفقون أمولهم باليل والنهار سر وعلانية) قالوا كان أول مصاديقها الإمام علي عليه السلام من أتباع النبي كان ينفق أمواله في الليل وفي النهار سر وعلانية إلى غير ذلك.

الامام علي عليه السلام شخصية إيمانية راقية، تجلى فيه عظمة الإسلام وعظمة الرسول وعظمة القرآن لأنه أثر من صنعة الإسلام من قيم الإسلام ومن أخلاق الإسلام ومن تربية النبي، شاهد للنبي, لعظيم ما تركه فيه من أثر، ولذلك كانت الجناية عليه جناية على الأمة، جناية على الحق، جناية على القرآن وهو قرينه، جناية على الحق وهو قرينه، جناية على الإسلام وهو رمزه، جناية على الأمة والأمة في أمس الحاجة إلى علي إلى هدى علي إلى أخلاق علي إلى أمانة على الإسلام وعلى الدين وعلى الحق.

اليوم نحن في أمس الحاجة إلى لنستفيد من علي كيف كان في مرحلة عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله جنديا مخلصا تلميذا متميزا وإنسان راقيا في إيمانه ما بعد النبي مقاتلا على تأويل القرآن ومؤتمنا على الإسلام وحريصا على الأمة وعلى وحدتها ومحافظا عليها ومدافعا عنها وعن الإسلام ليبقى الإسلام للأمة في كل مراحل تأريخها، فكان قاتله كما قال النبي أشقى الآخرين، اشقاهم كما كان عاقرة ناقة ثمود كان أشقى الأولين.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإياكم لما يرضيه عنا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.