الخبر وما وراء الخبر

الـغـزو الـتـكـفـيـري ومـحـلُّــه فـي بـنـود الـمـفـاوضــــات

176

بقلم د/ إسماعيل محمد المحاقري

إنه لمن المُلفت للانتباه والغرابة أننا لم نسمَعْ موضوعَ الغزو التكفيري الذي تكلَّمَ عنه السيدُ عبدُالملك في النقاط التي تم طرحَها للنقاش في طاولة المفاوضات التي تمَّت في جنيف والكويت ولم تتم الإشارةُ إليها في الخارطة التي تم طرحُها في نسخها المتعددة، مع أن هذا الموضوعَ يمثّلُ أهميّةً قصوى في أية تسوية يمكنُ افتراضُها، فهو أولُ مَن استخدم العدوان في غزو بلادنا وغزو وعينا وهُويتنا وضرب وحدتنا وهو مَن مهَّدَ الطريقَ ووفّر الغطاء الديني والسياسي للغزو العسكري، وهو من هيّأ الظروفَ لإيجاد الجماعات الإجرامية. هذا وسيتم عرض عدد من المشكلات التي كوّنها الغزو التكفيري:

1- كان للغزو التكفيري الأثرُ الأَكْبَرُ في تسويغ الحرب وتبرير الجرائم التي ارتكبت والحصار والتجويع لشعبنا أمام الرأي العام العربي والإسْلَامي، وخصوصاً بالنسبة للمواطنين البسطاء الذين يثقون بالمُؤَسّسة الدينية وبخطابها الديني والاعلامي ويثقون في الرموز والقيادات المحسوبة على حركة الإخوان والتيارات السلفية وغير القادرين على افتراض تواطُؤ هؤلاء والكذب والتلبيس عليهم.

فعندما يسمَعُ المواطنُ العربي والمسلم من تلك المُؤَسّسات الدينية التي تقدم نفسَها الممثلة والحامية لحِمَى الإسْلَام ومقدساته الدينية ولا يسمع أيَّ اعتراض من بقية المُؤَسّسات الدينية المحسوبة على أهل السنة كالأزهر وغيره، عندما يسمعُ خطاباً تكفيرياً صريحاً لأَبْنَاء الشعب اليمني ووصفه بالمجوس وعَبَدة النار والطعن في عُلمائه ورموزه الدينية والفكرية والتشكيك في أصله وجذوره وتؤيد كُلّ الجرائم المرتكبة في حق أَبْنَائه ومقدراته، لا شك أن ذلك سيكون موجباً للتصديق وموجباً لرضا البعض وسكوتهم على كُلّ تلك الجرائم لذلك فإن الغزو التكفيري لا شك أن له الدور الأَكْبَر.

2- وكذلك بالنسبة للداخل اليمني كان لذلك الخطاب الديني التكفيري للشعب اليمني ومعتقداته الذي اشتغل عليه العدوُّ السعوديّ والصهيوني والأمريكي منذ فترة سابقة على الحرب لسنوات عديدة التأثير الكبير فيما شاهدناه يتداعى الكثير من شبابنا للقتال مع العدوان من كُلّ المحافظات وقبولهم باحتلال وطنهم وبانتهاك سيادته والهيمنة على مقدراته والقبول بقتل الأطفال والنساء والأَبْريَاء وتدمير البُنية التحتية بهذه الشاكلة المنافية لأبسط القيم الإنْسَانية والأَخْلَاقية والقانونية وتقديم الشكر والعرفان لمن يقوم بها، وكذلك لولا الغزو التكفيري لما شاهدنا شبابنا يتداعون من أقصى الجنوب ليقاتلوا في أقصى الشمال داخل حدود العدو الجنوبية عوضاً عن العدو وحثه للدفاع عن أراضيه واستغلال جنوده في جبهات نجران وجيزان وعسير في سابقة غير معهودة منذ فجر التأريخ. إن جميع المحللين يُجمعون على أن الدافع الرئيسي لمثل هذا ليس هو استغلال حاجاتهم فقط بل إن أغلبه يتم تحت تأثير الغزو التكفيري على وعيهم الديني، ولن أبالغ إن قلت إن (70%) ممن يقاتل في تلك الجبهات هم الواقعون تحت تأثير التعصب الديني الشديد وكذلك بالنسبة لمن يتعاونون مع العدو في الداخل بتقديم المعلومات والإحداثيات وبث الشائعات من أجل قتل الأطفال والنساء واستهداف المنشآت هم أَيْضاً واقعون تحت تأثير ذلك الخطاب.

3- كما أن تعويل العدو على ما يسمى بالطابور الخامس ليضطلع بالحرب النفسية وتدمير الوطن من الداخل ببث الشائعات والدعايات الكاذبة وبث الروح الانهزامية وغيرها من الأساليب التي تدفع الشعب للركون للواقع المرير والاستسلام له دون محاولة تغييره وتحطيم قيم وأَخْلَاقيات الشعب وإرباك فطرته السياسية وقتل كُلّ معتقداته ومثله التي يؤمن بها وزيادة شقة الخلافات بين القيادة وشعبها وغرس بذور الفرقة بين أَبْنَاء الشعب.

إن اعتماد العدو على هذا الطابور لا يتأتى إلا وقد تم التمهيد والتهيئة للحصول على الأدَوَات الفاعلة من سياسيين وإعلاميين ومثقفين… إلخ ليقوموا بهذه المهمة وكذلك التهيئة في وسط الرأي العام للانجرار وراء تلك الحرب النفسية، وتتمثل هذه في الخطاب التكفيري للمجتمع وللدولة والحكومة.

4- وأخيراً بالنسبة لما يحدُثُ في مدينة تعز وللمنطق الذي سمعناه لأول مرة من بعض أَبْنَاء محافظة تعز, تعز الثقافة والحضارة والوعي الوطني والسياسي تعز المعروف أهلها بالخطاب الديني المستنير وروح التسامح والتعايش تعز التي يحق لها أن تدّعي أنها قلب اليمن ونبضُه بما لها من حضور اقْتصَادي ولها نصيب كبير في الانشطة المهنية والحرفية في المُؤَسّسات الحكومية والخَاصَّـة (الثقافية والتعليمية والفنية والإدارية) في جميع المحافظات وخصوصاً محافظات شمال الشمال بحسب شهادة الكثير من شرفاء هذه المحافظة أنهم أينما تواجدوا يستشعرون الوطن بكل تجلياته دون أدنى نقمة تؤذي مشاعرهم أَوْ تنقص من حقوقهم ودون أدنى شعور بالغربة في القيم والمعتقد.

بل إن ما يلاحظُه الكثيرُ من أَبْنَاء هذه المحافظة الساكنين في المحافظات الشمالية أَوْ من أضطر للنزوح إليها بفعل الحرب الدائرة في المحافظة أنهم لم يلحظوا أياً مما كانوا يعتقدون حصوله كردة فعل لما حصل من ممارسات ودعوات غير مسئولة من بعض الفئات في مدينة تعز خَاصَّـة أَبْنَاء هذه المحافظات نتيجة موجة التكفير والتخوين الذي حركتها قوى العدوان الخارجية بل على العكس رأوا تعاملاً مسؤولاً وراقياً وواعياً لحجم المؤامرة ولحقيقة ما يريده العدو بنا.

فمن أين أتت هذه الثقافة وكيف تسلّلت هذه الأحقاد والنعرات الطائفية والعنصرية في هذه المحافظة وغيرها من المحافظات وعلى هذا النحو غير المنطقي تحت أي تفسير كان إن لم يكن هو الغزو التكفيري الذي تم السماح له أن يسبق الغزو العسكري.

وأخيراً ومع هذه الحقائق الساطعة بخصوص تأثير الغزو التكفيري على وحدة اليمن وعلى نسيجها الاجتماعي وتأثيره في تأجيج النزاع الداخلي والدفع بفئات من هذا الشعب رضيت على وطنها وأمتها بهذا الدمار وتلك الجرائم واستدعت العدوان وشاركته في كُلّ جرائمه البشعة وقبلت باحتلال وطنها ونهب مقدراته ومصادرة قراره وتهديد أمنه واستقراره وكذلك كان لهذا الغزو التكفيري الدور الكبير في وجود الجماعات الإرهابية وتوسيع نشاطها وتوفير البيئة المناسبة لها، فمع كُلّ هذا أليس من المفترض أن يكون موضوع الغزو التكفيري من أهم الموضوعات المطروحة على طاولة المفاوضات عند عودتها؟؛ لأنه إذا لم يتم ايقاف هذا الغزو بإيقاف تمويله وأدَوَاته المختلفة وأن يتم الاعتذار الواضح الصريح عن كُلّ ما تم إصداره من بيانات تتعلق بتكفير الشعب اليمني والافتراء عليه قبل أي حل سياسي قد يتم الاتفاق عليه فلن يُكتب له النجاح وسنعود إلى الصراع من جديد وكذلك الأمر إذا لم يتم الاتفاق على محاربة الإرهاب ومحاربة أدَوَاته.