الكوليرا .. معارضة قاتلة
بقلم / مختار الشرفي
الكوليرا هي “معارضة بكتيرية سامة” لا يكون لها أي تأثير قبل أن تتمكن من الوصول إلى داخل جسم الإنسان فتنشط بداخله، وتبدأ من أمعائه.
تعمل بكتيريا الكوليرا بشكل معارض لإرادة وفطرة الجسم، وغالبا ما تكشف الكوليرا عن نفسها في زمن الحرب، وتنشط كوباء لحصولها على الدعم والتوجيه من العدوان، ويسمى هذا النوع من الكوليرا بالطابور الخامس، وتكتشف بسهولة من خلال ظهور وظيفتها التدميرية للجسم.
يتم التعرف عليها مخبرياً بفحص عينة من قيء متزعم المرض، حيث يكون شكلها بشعاً وهلامياً، وتكتشف وظيفياً من خلال مهاجمتها الأجهزة السليمة والحيوية في الجسم، كما يتم التعرف عليها سريرياً بسماع ما يصدر منها وبسببها من قرقرةٍ وأصواتٍ شاذةٍ ومتخبطة، وما يرافقها من انتفاخاتٍ مصحوبةٍ “بضراط” متواصل ذي رائحة شديد العفونة.
وأخطر أنواع بكتيريا الكوليرا هي المستوطنة والمستفحلة داخل الجسد منذ فترة طويلة في انتظار إشارة التحرك.
تفرز هذه “المعارضة البكتيرية” سموماً تضطر الجسم للقيام بعمل دفاعي لاإرادي لمواجهة سمومها، ولذلك يحدث الإسهال والقيء كردة فعلٍ تلقائية من الجسم لطرد السموم إلى الخارج.
ردة الفعل هذه قد تكون قاتلةً ومدمرةً، لكن الجسم لا يجد طريقةً غيرها، ولذلك كان لابد وبشكلٍ عاجل من التدخل الطبي العاجل عبر الأدوية المختلفة والمضادات الحيوية والحقن بالسوائل للمساعدة على التخلص من الكوليرا وسمومها والحد من خطورتها.
و تساهم المجتمعات المحلية بفعل الجهل أو التغابي في نشر الكوليرا من خلال عدم الاهتمام بنظافتها وعشقها لكيديتها، وتجاهلها واستنكارها لأهمية ما يتم إعلانه من وسائل وإرشادات يجب الالتزام بها للوقاية، وهي إرشادات متعارف عليها وبديهية لمواجهة البكتيريا القاتلة، تم التوصل إليها بناء على دراسات منهجية وعلمية وموضوعية وتقديمها في اثنتي عشرة نقطة، من أهمها فرض حالة الطوارئ، بتطويق المنطقة التي ظهر فيها و منها الوباء، ووضع المصابين في الحجر الصحي، حتى لا ينتقل المرض الى الأصحاء عبر براز أو قيء “إعلام المريض”، إلى حين شفائهم أو وفاتهم لا قدر الله.
ومن اللازم أن يكون مصاحباً لفرض حالة الطوارئ تعقيم البؤر التي يسجل فيها ظهور الكوليرا، واستخدام الكلور “كإجراء أمني حتمي” لتطهير آبار المياه من البكتيريا “المعارضة كوليرائياً ” أو أي نوع من البكتيريا كإجراء طبيعي ولازم، وفي مقدمتها آبار المياه التي تأكد “وبلسانها ” تلوثها، وأيضاً واحترازاً من المستحسن كلورة وتعقيم غير الملوثة حتى لا توفر مستقبلاً بيئةً مناسبةً لأنواع الأوبئة المحتملة في زمن العدوان.
وتعتبر الجهات المعنية مقصرةً جداً في حال عدم تحركها للقضاء على الكوليرا “المعارضة لمصلحة العدوان”، خاصة بعد أن تعلن كوليرية معارضتها لوضع الوطن الصحي، واستهدافها لعافيته، وهذه المسؤولية تكبر وتتعاظم بعد أن بات بالإمكان رؤية الكوليرا بالعين المجردة، خلافاً لحالتها وتكوينها البكتيري قبل عامين، حيث كان اكتشافها يحتاج للمجهر وأدوات فحص واختبار متخصصة.
الجسد “الوطن” يحتاج لأبنائه الأصحاء لمواجهة مختلف أنواع الفيروسات والبكتيريا الشرسة والجراثيم القاتلة المعتدية عليه من خارجه والمعارضة لحريته وكرامته وسيادته وأمنه واستقراره، فلا مجال للتهاون في الحفاظ على صحته، ليبقى محتفظاً بمناعته ومقاومته وقدرته على التصدي لما يحيط به من الأمراض الفتاكة والقاتلة في أكثر من جبهة.
فالكوليرا “معارضة سامة” لا تستهدف الأمعاء وتنال منها فقط بل تسبب جفاف حاد لحرية واستقلال وأمن اعضاء الجسد، وتقضي على كل أجهزته ومؤسساته ووظائفه الحيوية وتقتله، ولا يهمها إن ماتت ودفنت معه، لأنها مجرد بكتيريا، مهمتها انتحارية.