الخبر وما وراء الخبر

مجزرة الراشدين .. إبادة جماعية بحق أتباع أهل البيت (ع)

317

بقلم / ماجد حاتمي

المجزرة المروعة التي ارتكبها التكفيريون بحق الاطفال والنساء والعجزة والمرضى والمصابين من أهالي كفريا والفوعة من اتباع اهل البيت عليهم السلام، في منطقة الراشدين غرب حلب، فاقت بشاعتها كل الجرائم التي ارتكبها التكفيريون بحق الشعب السوري منذ أكثر من 6 سنوات.

الجريمة ارتُكبت بحق أهالي كفريا والفوعة، بعد أن أعطت الجماعات التكفيرية الامان لهم، وكان من المفترض ان يتم نقل الاهالي الى حلب منذ صباح يوم الجمعة 14 نيسان/أبريل في إطار تطبيق اتفاق البلدات الأربع، إلا أنه تم احتجازهم داخل الحافلات وفي ظروف صعبة لأكثر من 30 ساعة، تعرضوا خلالها للإهانة والإساءة والتضييق من قبل المسلحين، وبدلا من أن يتم توزيع الماء والغذاء على الأهالي، فجّر تكفيري انتحاري سيارة مفخخة بالحافلات، فاستشهد 100 شخص وجُرح أكثر من 150 آخرين من أهالي كفريا و الفوعة اغلبهم من الأطفال والنساء.
الفضائيات التي غطت اخبار المجزرة، على شحتها، اعتذرت لمشاهديها، عن بث أفلام وصور عن التفجير لبشاعته، فقد تفحمت جثث الأطفال والنساء، وبعضها تقطعت إلى أشلاء، فيما كانت الدماء والوجوم والصدمة والخوف تغطي وجوه من نجا منهم.

الملفت أن مسلحي بلدتي مضايا وبلقين وعوائلهم الذين كانوا تحت حماية الدولة السورية وفقا لاتفاق البلدات الأربع، لم يتعرضوا لأدنى تضييق حتى بعد التفجير الإرهابي، وتم نقلهم بسلام في 50 حافلة من الراموسة إلى حي الراشدين ومن هناك إلى إدلب.

رغم بشاعة جريمة التكفيريين ونكثهم بالعهود واستهتارهم بالمواثيق واستهزائهم بالنفس الإنسانية، إلا أن الحكومة السورية لم تنجر إلى اتخاذ مواقف قد تهدد أرواح الأبرياء، وتمسكت بالاتفاق ونفذته رغم غدر التكفيريين، ونجحت في إنقاذ أرواح من تبقى من أهالي كفريا والفوعة.

مجزرة الراشدين برهنت على جملة من القضايا حاول مشغلو الجماعات التكفيرية، الدوليون والإقليميون، التغطية عليها ولكن دون جدوى، منها وجود إرهابيين جيدين وإرهاربيين سيئين، فالمجزرة ارتكبتها جماعات تصنفها أمريكا وتركيا والسعودية وقطر على أنها جماعات “معتدلة”، وفي مقدمتها “هيئة تحرير الشام” التي ينضوي تحت لوائها مجاميع تكفيرية في مقدمتها “جبهة النصرة – فتح الشام”، فرع القاعدة في بلاد الشام.

الجريمة كشفت عن أن من الصعب إذا لم يكن من المستحيل الوثوق بالجماعات التكفيرية التي يحاول مشغلوها تسويقها على أنها معارضة “معتدلة” يمكن للحكومة السورية أن تتفاوض معها، بعد أن تبين عجز حتى مشغليها عن السيطرة عليها، حيث ورطت هذه الجماعات الجهات الاقليمية والدولية التي تعهدت بضمان التزام الجماعات التكفيرية بتنفيذ اتفاق البلدات الاربع.

إن مجزرة الراشدين تعتبر “جريمة إبادة جماعية” بمعنى الكلمة، وأن القانون الدولي لا يعاقب الجهة المنفذة للجريمة فقط، بل يحمل الجهات الاقليمية التي ضمنت التزام الجماعات التكفيرية بتطبيق اتفاق البلدات الاربع، والتي اعطت الامان لاهالي كفريا والفوعة للخروج من مناطقهم، بينما لم تتخذ تلك الجهات ما يلزم لمنع الاعتداء عليهم من قبل التكفيريين وهو تقصير واضح في الالتزام بما تعهدت به.

جريمة الراشدين رافقتها جريمة لا تقل بشاعة من الاولى، وهي جريمة التعتيم الاعلامي على المجزرة، من قبل الاعلام الخليجي والدولي، الذي لم يكتف بالتعتيم على الجريمة فحسب بل حاول وبإستخفاف فظيع بعقول الناس، الصاقها بالحكومة السورية، الأمر الذي يؤكد السقوط الأخلاقي المدوي لهذا الإعلام.

حتى ساعة كتابة هذه السطور يخيم صمت كصمت القبور على واشنطن وباريس ولندن وأنقرة والرياض والدوحة، فلم يسمع منها أي تنديد بالمجزرة، أو تهديد بمعاقبة منفذيها، كما اقامت الدنيا ولم تقعدها عندما وقعت جريمة خان شيخون، فكانت التصريحات تتوالى منددة ومتوعدة، ودعت واشنطن ولندن وباريس إلى عقد اجتماع طارىء لمجلس الأمن، وقصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سوريا ب59 صاروخ توماهوك دون ان تتضح الجهة التي كانت وراء الجريمة، لأن ترامب، كما قال هو، صاحب مشاعر جياشة وتأثر كثيرا بمشهد موت الأطفال في خان شيخون، ولم يتمالك نفسه فأعطى أوامره على الفور بقصف سوريا.

بعض المحللين السياسيين يرون ان الجهة التي تقف وراء مجزرة الراشدين، هي جهة أرادت الانتقام من مشغليها، لأنها لم تحصل على ما يكفي من أموال كما حصلت عليها جهات اخرى، كثمن على قبولها بالاتفاق، وهناك من يرى ان سبب الانتقام ليس ماديا، بل ميدانيا، فهذه الجهة ترى أن مشغليها طعنوها من الخلف عندما اتفقوا على إخراج اهالي بلدتي كفريا والفوعة، لأنها كانت تتخذ من أهالي البلدتين كرهائن تضغط من خلالهم على الجيش السوري لمنعه من تنفيذ هجمات على مواقع التكفيريين عبر قصف البلدتين المحاصرتين، إلا أن هناك من يرى أن السبب الاقوى الذي كان وراء مجزرة الراشدين هو “عقائدي”، فهناك من التكفيريين الذين تم شحنهم خلال السنوات الماضية طائفيا، لا يستطيعون تحمل رؤية خروج 5000 من اتباع أهل البيت عليهم السلام من بلدتي كفريا والفوعة، لذلك اعتبروا اتفاق مشغليهم على إخراج اتباع اهل البيت عليهم السلام، خيانة “للعقيدة”، لذلك ارتكبوا جريمتهم النكراء لقتل أكبر عدد من أتباع أهل البيت عليهم السلام، حتى لو كانوا من الأطفال والنساء والعجزة والمرضى والمصابين، ولخلط الأوراق على مشغليهم ولإفساد الاتفاق على من استلم مبالغ أكبر من المال، لذا هناك من يعتقد أن الأيام المقبلة ستشهد قتالا بين الجماعات التكفيرية على خلفية مجزرة الراشدين.
نقلا عن شفقنا