هيئة الإفتاء اليمنية.. وعاصفة العويل النجدي
بقلم / حمود عبدالله الأهنومي
ثارت موجةٌ ساخِطةٌ لدى جهات دينية وإعلامية وحتى سياسية موالية أو محسوبة على العدوان السعودي الأمريكي على اليمن، اعتراضاً على تعيين هيئة إفتاء جديدة برئاسة السيد العلامة شمس الدين شرف الدين، وذهب كلٌّ منهم مذهبه في السباب وتوجيه التهم واجترار قوائم التهم المعلَّبة الجاهزة والسابقة ليلصقوها بهذه الهيئة ورئيسها.
والمضحِك أن طبول إعلام العدوان اعتبرت القرار انقلابا سيؤدي إلى تلك الاتهامات التي شُنَّ العدوان على اليمن تحت عناوينها، وكأنك (يا غازي ما غزيت)، الأمر الذي ينادي بفشل ما سموه (عاصفة الحزم) على مدى أكثر من عامين، ويستوجب إعلان (عاصفة) جديدة، وربما كانت هذه العاصفة الإعلامية بديلا عنها على حدِّ قول بعض (الساخرين).
ليس مستغرباً أن يشتعل هذا السخط في أوساط العدوان وزبانيته؛ لأن لأعضاء هذه الهيئة مواقفَ محمودة وقوية في مواجهة العدوان الفكري والثقافي والتضليل الذي تمضي عليه مدرسة قرن الشيطان، وأبواق هُوِّيتها الإبليسية في التغطية الفكرية والثقافية للعدوان، لكن الغريب أن فئة من الإعلاميين المحسوبين على بعض القوى السياسية المناهضة للعدوان شطَّ بهم نوى الإفلاس، وناءت بهم عبارات السفه وشطط القول إلى خلف خطوط العدوان وعملائه وزبانيته.
هؤلاء إن لم يكونوا على علاقة بالعدوان وأبواقه الإعلامية فإن هذه الحادثة وأمثالها رشّحت تهيؤهم النفسي والثقافي والفكري لأن يكونوا مشاريع مستقبلية في مضمار الالتحاق بالركب الإبليسي المنحاز إلى نجد الهوية، حيث يطلع قرن الشيطان كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله وسلم، والأحداث القادمة كفيلة بإسقاط هؤلاء المتلبِّسين.
وهناك من اعترض على القرار، ليس اعتراضا على المعيَّنين في الهيئة، ولكن على الجهة التي أصدرته، وهي المجلس السياسي الأعلى، وهم ممن باركوا وأيدوا إنشاء هذا المجلس، لكن أخذتهم حمى الموجة إلى حيث لا نحب لهم أن يكونوا وربما كان بسبب نقمتهم على أداء المجلس وحكومته.
شخصيا أعرف معظم المعيَّنين وأنهم يؤدون وظيفة الإفتاء شعبيا منذ سنوات طويلة، وكلٌّ منهم له جمهورُه الواسع له، وأعرِف شخصيا المفتي العام ورئيسَ الهيئة منذ كان يتتلمذ على المفتي السابق، العلامة القاضي محمد الجرافي في منزله مع مجموعة من العلماء، ولم أنس أنه دعاني لحضور تلك الدروس معه رغم صغر سني وتأخر مستواي الدراسي عنه وعن زملائه، حرصاً منه على إفادتي من قدرات المفتي السابق العلمية واعتداله المحمود.
أما تتلمذه على المفتي قبل السابق السيد العلامة أحمد محمد زبارة، ثم على السيد العلامة حمود بن عباس المؤيد نائب مفتي الجمهورية الذي ملأ اليمن فتاوى وسيرة عطِرة وزاكية فهذا مما لا تنكره حتى عين الأرمد، ولا أدلَّ على أن الرجل يمضي في ما مضى فيه سلفُه السابق من أنه يقتعد لفتيا المستفتين من مختلف أنحاء اليمن منذ عشر سنوات في نفس المكان الذي اقتعده لفتياهم السيدُ العلامةُ حمود عباس المؤيد خلال عقود مضت في صنعاء.
مهما أساءت السلطات السابقة فإنه لا بد من الاعتراف أنها حافظت على منصب المفتي في علماء كانوا خيرَ ممثلِ لهوية الإيمان اليماني، وهوية اليمن الإيماني، وكان لا بد أن يمضي اليوم المجلس السياسي الأعلى في ذات الطريق، ونحمَدُ للعدوان بشقه التكفيري الوهابي أنه استعاد أذرعه من امتدادات هويته النجدية الوهابية الشيطانية في اليمن إليه من أول يوم في العدوان، فانحاز كلٌّ إلى هويته؛ إذ مضى اليماني في ركاب هويته اليمانية، وفاء النجدي إلى هويته النجدية.
يعتَبَر قرارُ تعيين الهيئة الجديدة قرارا بتحصيل حاصل؛ فهؤلاء المفتون يؤدون واجبهم الإفتائي شعبيا منذ عشرات السنين، انطلاقا من المسؤولية الدينية التي تلزمهم بتعليم كتاب الله، ونشر دينه، وتفصيل أحكامه، والدلالة على هديه، وتحذرهم من كتمان الحق، وأحكام الإسلام، ولعلَّ هذا المنصب شرُف بهؤلاء الأعضاء الموقَّرين أكثر مما تشرَّفوا هم به؛ فإضفاء الصفة الرسمية لمنصبٍ تقلَّده المعيَّن شعبيا منذ عشرات السنين كان ضَرْبا من البخس لصاحبه.
لقد عزّزت عاصفة الصراخ النجدي وضراوة العويل الشيطاني تجاه القرار قناعتي بصوابيته؛ ذلك أنه من دون شك سيحافظ على ذات الهوية اليمانية الإيمانية التي ترسخّت، ولم تستطع عوادي الغزو التكفيري الوهابي على مر الزمن أن تؤثر عليها سلبا، وعلى أرباب تلك العواصف أن يعلموا أنّ دار الإفتاء اليمنية لم تعهدهم يوما وهم يطرقون أبوابها بقدر ما كانوا يتفيأون ظلال فتاوى ابن عثيمين، وابن باز، وابن الشيخ، وأضرابهم ومريديهم حتى في أيام عزهم، ورائعة نهارهم، والتي كشف الزمان أنها تستخدم لقتل أطفالهم، وذبح نسائهم، وتمرير مشاريع الأمريكان والصهاينة في تمزيق الأمة الإسلامية والاستحواذ على مقدّراتها.
رضينا بـ(شرف الدين)، وَ(عوض المؤيدي) وَ(مرعي) وَ(الكاف)، وَ(سهل بن عقيل) مفتين، ومن لم يعجبه ذلك فليتخذ (العريفي) وَ(القرني) وَ(ابن الشيخ) أئمة يقتدي بهم، وليكن (القرضاوي) دعايتهم المجانية.