الدوافع الحقيقية للعدوان الأمريكي على سوريا
بقلم / أحمد يحيى الديلمي
تساؤلات عدّة تطرح نفسها بعد الضربة الأمريكية الاخيرة على سوريا ، ولعل النقطة الأهم تتعلّق بالمستفيد الأبرز من هذه الضربة ، وهل أن الضربة الأمريكية انتهت عند هذا الحد؟.
لا ينتابنا أيّ شكّ أن أمريكا كعادتها تسعى لإظهار نفسها كحريصة على مصالح شعوب المنطقة ،الا أن وجه أمريكا القبيح يظهر انها عدوة تلك الشعوب بالدرجة الأولى ، وحريصة كل الحرص فقط على مصلحة ووجود كيان العدو الإسرائيلي ، ودأبت على ايجاد الجماعات التكفيرية «داعش والنصرة» وغيرهما وتقديم الدعم السخي لها بغية تنفيذ مخططات صهيوأمريكية ونشر الفوضى الخلاقة في دول المنطقة ومنها سوريا والعراق ، إلا أن سوريا الجريحة تعيش اليوم، نتائج الفشل الأمريكي في تحقيق ذلك الحرص على كيان العدو الإسرائيلي من خلال الهزائم المدّوية التي تتلقاها الجماعات التكفيرية في مناطق عدة في سوريا.
وكعادتها تختلق أمريكا الاعذار للقيام بعدوان سافر وتنفيذ ضربات عسكرية هنا وهناك ، الغرض منها دعم الجماعات التكفيرية ومحاولة انقاذها ، فتارة تجعل أمريكا من تلك الجماعات التكفيرية العذر نفسة ، وتتذرع بمكافحتها وانشاء تحالف دولي لمحاربتها ، وهي في حقيقة الامر تمّدها بالسلاح عبر عمليات الانزال الجوي التي نفذتها اكثر من مرة في سوريا والعرق ، وتارة اخرى تتولى ايجاد الاعذار الاخرى عندما يضيق الخناق بتلك الجماعات التكفيرية ، وهذه المرة ابتكرت ذريعة الاسلحة الكيميائية في خان شيخون للقيام بعدوان سافر على سوريا وضرب مطار الشعيرات في حمص السورية بـ59 صاروخاً من نوع «توماهوك» ، في محاولة لإنقاذ الجماعات التكفيرية ، لاسيما بعد الانتصارات الكبيرة التي حققها الجيش العربي السوري بالتعاون من حلفائه ، في ظل وجود دعم واضح من قبل روسيا وإيران بناءً على اتفاقية التعاون العسكري بينهم وبين الدولة السورية.
وبذلك تكمن القصة الحقيقية للتصعيد العسكري الأمريكي في سوريا بأن أمريكا باتت تخاف على رهاناتها على الجماعات التكفيرية تجاه تنفيذ الفوضى الخلاقة في سوريا، فسارعت الى ايجاد ذريعة السلاح الكيميائي، والتي تبيَّن بلا شك أنها خطوة مُفتعلة لإنقاذ تلك الجماعات ولتبرير الخطوة العسكرية الأمريكية.
وفي خضم ذلك ، وللوقوف على الدوافع الحقيقية التي يُمكن أخذها بعين الاعتبار للعدوان الأمريكي على سوريا فأنه يمكن توضيحها كالآتي:
اولاً : دون ادنى شك بأن أمريكا فقدت الكثير من أوراقها في سوريا في ظل ضعفٍ ميداني لحلفائها من الجماعات التكفيرية ، وتراجعٍ سياسيٍ في الخيارات، فقررت العودة من بوابة السلاح الكيميائي ، لاسيّما وإن الضربة الأمريكية على مطار الشعيرات تؤكد على استمرار رهان أمريكا على ورقة الجماعات التكفيرية في سوريا ،حيث أن قاعدة الشعيرات المسُتهدفة تُعتبر المنطلق العسكري للعمليات الروسية السورية المشتركة للحرب على الجماعات التكفيرية ، لاسيمّا وأن مطار الشعيرات العسكري يعدّ من أهم القواعد العسكرية السورية، نظراً لاحتوائه على أحدث طائرات سلاح الجو السوري، فضلاً عن كونه قاعدة استراتيجية في استهداف التنظيمات التكفيرية داعش وجبهة النصرة ،ولهذا تظهر أهمية هذا المطار جليّة في ضرب الجماعات التكفيرية ، وبالتالي فإن القصف الأمريكي يصّب في صلب استراتيجيتها تجاه الجماعات التكفيرية في سوريا، القاضية بدعمها ومحاولة انقاذها بعد فشلها في تحقيق انتصارات ميدانيّة على الأرض، لاسيّما وأن هذه الضربة الامريكية هي الثانيّة، والتي تعيد الأذهان إلى الضربة الأمريكية الأولى للجيش السوري في دير الزور والتي أوقعت المئات بين شهيد وجريح ، ليتبين في الحقيقة أن واشنطن تسعى دائماً لإيجاد توازن ميداني على الأرض في ظل انهيارات واضحة للجماعات التكفيرية أمام الجيش السوري وحلفائه ، بما يسمح لها بتعزيز أوراقها الضعيفة ميدانياً في الوقت الحالي، الأمر الذي يعني زيف ادعاءات أمريكا في حربها ضد الإرهاب ، بل يجعلها شريكاً للجماعات التكفيرية التي دأبت منذ اليوم الأول لتنفيذ مخططات صهيوأمريكية في المنطقة.
ثانياً : تحت ذريعة الاسلحة الكيميائية فإن الضربة الأمريكية على مطار الشعيرات جاءت بمثابة رد صهيوأمريكي على اسقاط المقاتلة الاسرائيلية ،واطلاق صواريخ تجاه اراضي فلسطين المُحتلة والتي جاءت رداً على الاعتداء الاسرائيلي وانتهاكه للأجواء السورية أكثر من مرة ، حيث يمكن اعتبار الضربة الأمريكية محاولة لإعادة الاعتبار لكيان العدو الإسرائيلي ، خصوصاً أن اختيار قاعدة الشعيرات يتعلّق بالمنظومة الصاروخية التي لاحقت القاذفات الإسرائيلية مؤخراً، والتي منها انطلقت صواريخ استراتيجية هددت عمق كيان العدو الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولعل هذا الأمر يفسر الفرحة الإسرائيلية السريعة على لسان نتنياهو، في الوقت الذي ما يزال يعيش كيان العدو الإسرائيلي تحت وطأة معادلات الردع الجديدة التي فرضتها الدولة السورية مؤخراً بعد ردها على العدوان الإسرائيلي.
ثالثاً: أن هناك سعي أمريكي لرفع معنويات حلفائها المشاركين في الحرب في سوريا ، والظهور بمظهر القوي والقادر على تغيير المعادلات السياسية، حيث جاءت الضربة كرد فعل معنوي مع مواقف معظم الأنظمة العربية وفي مقدمتها السعودية ،وهذا ما بدا واضحاً من خلال تأييد ها للضربة العسكريّة ، وحجم الفرح الذي ساد الأبواق الإعلامية التابعة لها، بعد الضربة الأمريكية، وهو ما يُعزز هذا التحليل المتعلق بهدف أمريكا لإعادة الآمال لحلفائها العرب في المنطقة ، في هذه المحطة بالذات، فقد اختار ترامب خيار العدوان على سوريا بغية الاستحواذ على الاموال الخليجية ، لاسيما وأن السعودية تعهدت بتسديد التكاليف المالية للعدوان الاميركي على سوريا.
من هنا يمكن تحديد الدوافع الحقيقية لهذه الضربة الصاروخية الاميركية للقاعدة الجوية السورية في الشعيرات، اما إذا أردنا الحديث بشكل موضوعي بأن أمريكا قلقة من تعرض بلدة خان شيخون لغازات كيماوية سامة من النوع المحرم دولياً ، فكان الاجدر منها الانتظار والتريث لحين اجراء تحقيق دولي واضح وشفاف لتحديد المسؤول عن جريمة الهجوم الكيميائي ؛ الا انها لم تنتظر الى ما قد ينتج عن الأمم المتحدة ومجلس الامن ، بخصوص بتشكيل لجنة تحقيق ، وسارعت الى استهداف مطار الشعيرات بمدينة حمص بعشرات من صواريخ توماهوك الاستراتيجية التي اطلقتها من بوارجها الحربية في المتوسط ،
وطالما أن أمريكا قررت سلفاً ومن دون اجراء أي تحقيق من هو الفاعل، يكون من المؤكد أن تتجه بوصلة الاتهام صوب تحميل الدولة السورية المسؤولية. مما قد يعني بشكل مؤكد ايجاد مُبررات وذرائع باتت واضحة الأهداف والدلالات ، وهو ما أثبتته الضربة، والتي جاءت لإيجاد مُبرِّر وذريعة للتدخل الأمريكي.
وطالما أن هذه الضربة حصلت من دون التوصّل إلى نتيجة واضحة حول الجهة الفاعلة في ظل اتهام سوريا بذلك، ستجعل الجماعات التكفيرية تستخدم الكيميائي كلّما تعرّضت لخسائر ميدانية بغية استجلاب الدعم الأمريكي، وبالتالي تعزيز أمريكا لاستراتيجيتها الحالية في سوريا ، لاسيّما وأن أمريكا مازالت تدرس تنفيذ المزيد من الضربات حيث قال مندوب امريكا في الامم المتحدة انه قد تكون هناك ضربات جديدة على سوريا، فيما قال البيت الأبيض إن الرئيس دونالد ترامب مستعد لإجازة شن هجمات إضافية على سوريا، إذا استخدمت حكومتها الأسلحة الكيماوية مجددا.
في حين اوضح بيان غرفة العمليات المشتركة لحلفاء سوريا (روسيا وايران والقوات الرديفة) بالقول “سنرد بقوة على أي عدوان على سوريا من قبل أي كان” ، وهو ما يعني أن أي خيار قادم سيكون له عواقب وخيمة إقليمياً ودولياً وذلك أمام هذا المشهد الإقليمي الذي تشكل بفعل سلسلة من المنعطفات ، حيث بات المحور “الاميركي الإسرائيلي” أمام مجموعة خيارات ضيقة، تبدأ من التكيف مع الواقع، والتسليم بموازين معادلات الردع الجديدة وهو أمر مستبعد لديهم ، وصولاً إلى الانفجار الإقليمي الكبير، وهو سيناريو يمكن أن يحدث والايام القادمة كفيلة بتوضيح ما قد يحدث