الخبر وما وراء الخبر

وجوهٌ من زجاج وأصنامٌ من التمر

161

بقلم / ماهر عقبة

ليس هنالك من شيءٍ أشدّ فتكًا بالوطن مثل فَتْكِ منتفِعٍ يختبئ خلف تلوُّناته أَوْ فتك مسمومٍ يلبسُ رداءَ الإنْسَـانية أَوْ الثقافة زورًا وبهتانًا يذرف دموعه في، أعين تمساح ويتصنع لطافته من بهرج ثعلب مسموم يختبئ خلف طلاسم الغي وخشبات المسرح. ماكرًا يُبدِعُ في سرد شخصه الماكر ويتأوّه، لا لشيء، ثم يغضب للخواء ويتعصَّبُ للفراغ ويصمت إن فاجأه زمنٌ يستدعي قول الحق سأحدثكم هنا عن ما يحز في خاطري منذ مدة وبكل حرف صريح العتب ومن كُلّ قناعة راسخة في العمق.

إن كانت ثقافتكم ترى الخيانة وجهةَ نظر فإن بساطتي ترى ثقافتَكم لسانَ رويبضٍ ومسبحةَ ساحر وما تزييف الوطنية بالثقافة إلا مثل تزييف الدين باللحي خدعتان تهدفان لطمس أي أثر للعمق وإخراس أي بيان للحقيقة لَا بُـدَّ من تفسير لُب الموضوع كي لا يعتريَ كلماتي أيُّ لبس وكي لا تتسرعَ بعض أقلامكم في نشوتها المؤمنة بالغشاء الشكلي فقط، لا أقصد بهذا الانتقاد أياً من المبادئ المولودة عند شخص، بل أقصد تلك المصالح المكتسبة بالتحريف والتصنع، أعني النبرة المسافرة إلى نصف الطقس الثقافي مشبعة بالضباب ومتنكرة خلف لمعان ماضٍ مشكوكٍ في معدنه.

زخرفوا المقالات ورتّبوا الجُمَل إن شئتم وزيِّفوا من خلف كواليسها مشروعَكم الأضيق ومرروا مُخَطّطكم من خلال ثقب التزييف الذي أحدثتموه ثم أكثروا من خمخمات اللمز والهمز والجدال واستمروا في نشازكم طامعين بما هو أكبر. إنكم تتظاهرون في كُلّ مرة بنقل الحقيقة، بينما أنتم في الواضح تنقلون الحقيقة منزوعة الحق، تنقلون تلك البالونة منفوخةَ الهواء، بل وتتقمصون شخصَ المحب لعُرَى الإنْسَـانية، بينما تضمرون تحتها الكثير من قوالب الشك المبثوث بطانًا، إذ تستطيعون حسب المصلحة نصْبَ الركيك وتكسير المحكم؛ لأنكم نحويون في لعبة الجُمَل، ماهرون في لعبة التقمص مثال مثقف خذل نواة الثقافة عندما تهرب من إشهار إنْسَـانيته تجاه آلاف الضحايا واكتفى بتلوية سطوره صوبَ أمر يسيطر على باطنه المنحاز وصوب انتماء ينطق بضميره المؤدلج، ويتحدث وفق تفسيره المتطرف نيابةً عن الصدق الصريح،

الوزير السابق والقلم الذي قفز مسرعا إلى أحضان الوهن. إنها موسيقى تصاحب ذلك الحرف العاري إلى المنطق المتعرّي ونعومة المتحاذق في تمرير مشروع الهرب وتلميع نزلاء الغرف من بين جموع خصومة ومن قلب انقلابهم القبيح، حد وصفه، يجد مساحة للتنفيس عن شؤمه ويجد فرصة للتمسخر والتمظهر، مرتديًا كُلّ تناقضات الواقع ما دام العدوان في منطقة المتصلب ناتجاً ضرورياً وأمرًا لَا بُـدَّ من حدوثه، وما دامت الجرائمُ بالنسبة له ركنًا من أركان استعادة شرعيته المزعومة.مثقفٌ يعلن أن هادي خيارنا الوحيد وأن القصف طريقتنا الأنجع للنجاة وأن اللصوصَ عادوا من أركان الكعبة مثل يوم ولدتهم أمهاتهم، وأن سلمان والينا الأكبر ووصينا في هذه الحياة، وكأننا شعب خلق يتيماً فتكفلته أموال سعود وأجبرته على النمو في كنف الذل وتقبيل براميل النفط يا متناسياً مآتمكم ومستذكرًا وذاكرًا لغباء هادي، أما علمت يا جميل الماضي أن كُلَّ ماضٍ تغزل في روحك الوطنية بات غزلًا مؤسفًا للغاية، وأن كُلّ مديح عواطفنا عنك خائب هذا اليوم بالصدمة، فليست إنارات عاصمة الثقافة دليلاً يُعفيك من سؤال المبدأ المستغرب منك وليست إنجازات الرفوف وهدايا الكتاب محراباً رفيع الزهد يثبت أنك لا تخطئ، لم تجف دماء ذويك يا وزير المنطق وأنت دون شعور تغرس فرشاتك في دمائهم لا في دواتك يا هذا ومن أجل ماذا تزخرف للشر حكم البراءة وتصنع بالحرف المشوه تهمة للأبرياء المذبوحين إنك تستنقص بهذا جريمة تعرضهم للقصف الغادر ظلما وبواحا،

وكأن المواربة هي أطراف أسرارك المرتبطة بما ليس لنا فيه خبر فأنا أرى بين سطورك ظلًا للمتعصب المتخفي وهروبًا للإنْسَـاني المتذبذب ولغطاً للمتحزب الطافح، وهل كنت تلاحظ يا أستاذي كيف أمسى التعصب متلبساً نبرتك الطاغية على حساب القول المنصف وكيف أمست الوجوه المموهة خلطتك الباهتة فوق الكتابة لماذا نراك تهرول بالباطن المتموج نحو فقعات مبدأ يتمزق لماذا تراوغنا برؤوس أقلامك هل تحاول إخماد الحق وتفويت الحقيقة على الباحثين عنها أم تداعب عبر الكتابة مخلفات العمالة مستخدما مفرداتك الرنانة ومثلها تجيد تلحين العدوان وتتقن عزف مواويله وكأن صواريخ الإف والكروز جاءت للدغدغة فقط وما كان لها أية نوايا في القتل وكأن الذين سكنوا الأنقاض سكنوها وفق أعمالهم المتوهمة بالانتماء والانقلاب وكأنهم ما سقطوا ظلما وعدوانا وكأن الأسواق والأعراس وصالات العزاء ضحية راجع لمضاد ظللت أشهرا تنوح عن جريمة إطلاقه كيف سمحت لضميرك إزهاق الفارق بين فراغية عطان وطلقة مضاد وعلى أيهما يجب النواح إن كنت مثاليا في شعورك الإنْسَـاني كذا عن القاعة الكبرى هل كانت تقام مناورة أم مناسبة عزاء وعن سكنية المخا وعن سوق مستبأ وغيرها هل تلكم الجرائم بالنسبة لكم بصمات ملاك أم نزوات شيطان ومن مثلك يحاول جاهدا جعل مجازر العدوان إحدى هوامش الحاضر ويتعامل مع هادي على أنه إحدى ثوابت العقيدة وطوق النجاة الوحيد وما زلت تنام نومتك العميقة بعد كُلّ مجزرة لكنك تستسلم للسهاد إن قيل لك أن فنان إخوانيتكم خسر اللقب في برنامج الأرب آيدل يا إلهي ما هذا العجب فالذهول ينخر تفكيري ما هذا الفراغ الذي أوصلنا إليه هذا الظرف والذي كشف لنا ما في صميم مجتمعنا من خلل ولولا المعاناة ما عرفنا الخلل إنها كاشفة الألوان ومنظار الباطن والنزعات وحدها المعاناة والأنقاض من فضحت لنا أهرامات الوهم طيلة الماضي وأظهرت من هو المتخفي عبر عقود ماضينا الفائت لقد أحرجت النخب وأخرجت العلل من جحورها وكشفت لنا حقيقة أولئك الذين تعلموا النحو والبلاغة ونقشوا بهما مصطلحات المظاهر لا أكثر كشفت كُلّ الذين داوموا على تغطية العُمق بقشرة سراب ترتدي ألوانا زاهية فكم صنعوا طيلة ماضينا وجوهًا من الزجاج وأصناما من التمر وحين أكملوا خداعنا أكلوا التمر وبعثروا الزجاج.