الخبر وما وراء الخبر

سقطرى.. في مهب الإمارات

241
بقلم / علي أحمد جاحز
هناك تدنٍ لافت ومخيف في منسوب الوعي بالقضايا الاستراتيجية في أوساط مجتمعنا مجتمع الصمود ومواجهة العدوان بالذات، لدرجة أن قضية الاحتلال الإماراتي وتحركاته الخطيرة في الجنوب وفي جزيرة سقطرى وباب المندب ليست موضع تداول ولا نقاش ولا تركيز الكتاب والصحفيين ولا حتى نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي.
نفهم ونعي أن الإمارات تحتل الجنوب وهي صاحبة الثقل العسكري الأكبر هناك وأن وجودها لا مشروعية له بأي حال، غير أن تحركاتها هناك هذه الأيام وفي جزيرة سقطرى بالذات تتجاوز في خطورتها كونها تحركات احتلال، فهي تنفذ خطوات الضم والإلحاق للجزيرة بها من منطلق التملك للأرض والإنسان من جهة، ومن جهة أخرى تعبث بالأرض والطبيعة المحمية والمعالم السياحية وهويتها وهوية الإنسان أيضا.
يزعجني جدا أن مستوى الوعي بل إن مستوى المتابعة في الوسط الشعبي والنخبوي عندنا في مناطق الصمود والمواجهة متدنيان إلى حدود مخجلة، فممارسات الإمارات وتحركاتها أصبحت لشدة خطورتها موضع انتقاد وهجوم الوسط الإعلامي والناشطين المؤيدين للعدوان بل وصل الأمر إلى أن مكتب الفار هادي يبدي ريبته وقلقه من هذه التحركات، بينما عندنا لا يبدو ولا يظهر أن الأمر وصل إلى متناول الناس.
حري بنا ألا ننفصل عن السياق التاريخي للأحداث أبدا حين نتناول الحدث الحالي، وهذا يجعلنا نعود إلى بداية ظهور الدور الإماراتي على أرض الجنوب، فالإمارات هي الدولة التي غامرت واقتحمت سواحل عدن ببوارجها بعد شهور من بدء العدوان وافتتحت المعركة البرية من جهة الجنوب، ثم نقلت إلى أرض الجنوب جنودها ومدرعاتها ودباباتها ودفعت ثمنا كبيرا في تلك المرحلة، قبل أن تصبح الكلفة البشرية ثقيلة وعالية عليها وتسحب جنودها.
اعتقد الناس لوهلة أن الإمارات انسحبت من الجنوب حين سحبت قواتها، غير أن ذلك لم يكن سوى اعتراف منها بأن قواتها أضعف من أن تحتمل أكثر مما منيت به من خسائر في اليمن، فاستأجرت مرتزقة يمنيين وبلاك ووتر وسودانيين وداين قروب وغيرها، لتعزز بقائها وبقاء سيطرتها واحتلالها للجنوب، مقابل وجود سعودي عبر عملائها وأدواتها من الإصلاح وهادي والقاعدة وداعش.
الآن بات واضحا أن الإمارات تشتغل بمعزل عن تحالف العدوان، تشتغل لمصلحتها هي في الجنوب، وإنشاء قاعدة عسكرية في جمهورية أرض الصومال ليس آخر تلك الخطوات الخطيرة التي تسعى من خلالها للسيطرة على خليج عدن وباب المندب، أما استئجارها لجزيرة سقطرى قبل أكثر من عام فهذا يبدو سيناريو أخطر مما كنا نتوقع.
صحيح الإمارات بتدمير عدن ومينائها استطاعت أن تؤمن دبي ونشاطها من أكبر خطر كان يهددها هو عدن وحلم المنطقة الحرة فيها، وهذا واضح في حرصها على تدمير عدن أكثر والحيلولة دون أدنى استقرار فيها، إلا أن بسط يدها على سقطرى له دلالات وإبعاد أخطر من مجرد استئجار واستثمار للجزيرة، وصلت بحسب ما هو واضح من تحركات وإجراءات هناك إلى درجة ضم الجزيرة وتملكها وتجنيس أبنائها.
ثمة شيء حدث ولم يلاحظه الكثيرون، قبل أن يظهر خبر تأجير الفار هادي جزيرة سقطرى للعلن بأيام كانت قناة سما الإماراتية قد بثت خبرا يقول: إن جنود البحرية الإماراتية اكتشفت جزيرة جديدة في البحر العربي ودعمته بمقاطع فيديو لجنود إماراتيين على أرض الجزيرة ولم يذكروا اسمها طبعا.
من زاوية أخرى يبدو واضحا أن الإمارات تسعى للسيطرة على مربع خليج عدن بالكامل من خلال سيطرتها على جزيرة ميون شمالا وهو مدخل باب المندب، ثم إنشاء قاعدة عسكرية في أرض الصومال غربا، تضاف إلى سيطرتها على ساحل الجنوب شمالا وشرقا، ومن جهة البحر العربي جزيرة سقطرى جنوبا ليصبح الخليج برمته تحت رحمتها.
السؤال الذي يجب أن يلقى إجابة شافية، ما الذي تريده الإمارات ولصالح من تتحرك أو بالأصح بدعم من ولمصلحة من وما هو المشروع الذي تريد أن تنفذه وفي سبيل ماذا، وهل للجنوبيين مثلا مصلحة، وماهي خطورة ما تقوم به على اليمن خاصة وعلى الأمن القومي العربي عامة وعلى حليفتها السعودية مثلا، وأين موقع أمريكا وإسرائيل من هذا التحرك الإماراتي؟
خلاصة القول، لا ينبغي أن نكون خارج دائرة الأحداث ونعيش في غفلة عما يجري، فالمعرفة بالحدث لوحدها أمر غاية في الأهمية باعتبار المعرفة ذخيرة الوعي.