الخبر وما وراء الخبر

الإحتفال بجمعة رجب

337

بقلم العلامة / عدنان الجنيد

إن جمعة رجب تُعد عيداً عظيماً عند اليمنيين ، فتراهم في أواخر جماد الثاني يشدون رحالهم من كل فجَّ وصوبٍ إلى مدينة الجند وذلك ليحيوا أول ليلة جمعة من رجب بالأذكار والصلاة على النبي المختار ، وتتعدد الحلقات ، وتتعرض النفوس إلى النفحات ، وتتخلل تلك الليلة محاضرات دينية ومدائح نبوية ، وموالد مصطفوية…
فتخشع القلوب عند ذكر علاَّم الغيوب ، وهكذا يستمرون طوال تلك الليلة إلى الصباح وبعد أن يؤدوا صلاة الفجر يلجأ البعض إلى النوم لبضع ساعات ، ومنهم من يستمر في أداء أوراده واستقبال وارداته ، والبعض الآخر يذهبون إلى بيوتهم ثم يعودون لأداء صلاة الجمعة في مسجد الجند ، كي يسمعوا الخطبة التي يركز فيها الخطيب على عظمة هذا اليوم وعلى وصول معاذ بن جبل إلى مدينة الجند وعلى تجمع الناس في هذا المكان في مثل هذا اليوم ليستمعوا إلى رسالة رسول الله التي حملها معاذ بن جبل وهي الدعوة إلى الإسلام وو……
وفي ذلك المكان الذي وقف فيه معاذ بن جبل خطيباً بالناس تم- بعد ذلك- تشييده مسجداً …. ومنذ ذلك اليوم واليمنيون في مثل هذا اليوم في كل عام يذهبون إلى مسجد الجند ويحتفلون بهذا اليوم الذي تدفق فيه النور إليهم بواسطة معاذ بن جبل الذي وجهه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليمن( مخلاف الجند) في ربيع الأول من سنة تسع للهجرة وقيل سنة عشر قبل حجة الوداع ، وشيعه- صلى الله عليه وآله وسلم- قائلاً له:(إنك ستأتي قوماً أهل كتاب ، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لاإله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب….
ثم أوصاه قائلاً له : إذا قدمت عليهم فزين الإسلام بعدلك وحلمك ، وصفحك وعفوك ، وحسن خلقك فإن الناس ناظرون إليك وقائلون: خيرة رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- فلا يرى لك سقطة يستريب بها أحد في حلمك وعدلك وعلمك فإن الرسل من المرسلين . . . يا معاذ أوصيك بتقوى الله عز وجل وصدق الحديث ، ووفاء العهد ، وأداء الأمانة ، وترك الخيانة ، ورحمة اليتيم ، وحفظ الجار وكظم الغيظ ، ولين الكلام وبذل السلام ولزوم الإمام والتفقه بالقرآن وحب الآخرة والجزع من الحساب وقصر الأمل وحسن العمل وأنهاك أن تشتم مسلماً أو تصدق كاذباً أو تكذب صادقاً أو تعصي إماماً عادلاً وأن تفسد في الأرض…..) إلى غيرها من الوصايا القيمة التي تمثل حقيقة الإسلام وروحه السامية ، وعلى المجتمعات- لاسيما المجتمع اليمني- أن يجعل هذه الوصايا نصب عينيه ويسير على ضوئها ويطبق محتواها ويعيد في هذه المناسبة ذكرها ، هذا وكان قدوم معاذ إلى الجند في جمادي الآخرة ، واجتمع له الناس في أول جمعة من رجب وخطبهم وبين لهم رسالة الإسلام التي جاء بها سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ..
فدخل الناس في الإسلام أفواجا ببركة دعوة الصحابي معاذ فبعد هذا ألا يحق لليمنيين أن يحتفلوا بهذا اليوم العظيم ويشكروا الله تعالى على نعمة الإسلام والاستجابة للنبي عليه وآله الصلاة والسلام ؟!
يقول العلامة بهاء الدين الجندي في كتابه( السلوك)[1/82] ما نصه 🙁 ومن ثم ألف الناس إتيان الجند في أول جمعة من رجب يصلون بها الصلاة المشهورة ويشاهد في تلك الليلة بركات ولا تكاد تخلو ليلة الجمعة الأولى من رجب أو يوم خميسها من مطر هذا غالب الزمن )
هذا كلام الجندي المتوفي سنة 732هـ وهذا يدل على أن الاحتفال والذهاب إلى الجند لم يكن وليد اليوم أو الأمس بل منذ عهد الصحابة والتابعين وتابعيهم إلى يومنا هذا..
وأما من يحرمون الذهاب إلى مسجد الجند في تلك المناسبة ويحرمون زيارة أضرحة الأولياء بحجة الحديث الذي يقول:(لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ، والمسجد الأقصى ، ومسجدي هذا ) الحديث
فاستدلالهم بالتحريم باطل ، فالمستثنى في الحديث موجود وأداة الاستثناء – أيضاً- موجودة ، والمستثنى منه غير موجود يعنى محذوف فلا بد أن يكون المستثنى منه من جنس المستثنى عند تقديره ، فلا يصح أن نقدره بالقبور حتى نحرم الذهاب لزيارة أضرحة الأولياء بل نقدره بالمساجد لأنها من جنس المستثنى فيكون الحديث لا تشد الرحال- للمساجد- إلا إلى ثلاثة مساجد….
وبهذا يكون المعنى بأن من أراد الفضل العميم والأجر العظيم فعليه بزيارة ثلاثة المساجد هذه المذكورة في الحديث وأما غيرها فهي متساوية في الأجر ليس لها أجر الثلاثة .
أخبار تعز:
فهكذا يُفهم الحديث- إذا صح- وإلا سيكون معناه بحسب فهم المانعين بأنه يحرم علينا أن نشد رحالنا إلى أي مسجد غير الثلاثة المذكوره بل ويحرم علينا أن نسافر في قضاء حاجاتنا وزيارة أرحامنا والتنقل في بلداننا وو……. وكذلك ما ذهب إليه المانعون مخالفاً للقرآن الكريم الذي أمرنا أن نسير في الأرض ونمشي في مناكبها، وأما من يقول بأن الذهاب إلى مسجد الجند لإحياء تلك المناسبة بدعة ضلالة فنقول له إن بدعة الضلالة هي استحداث أمر ما يرفضه الذوق ويستنكره العرف ولا يقبله العقل وليس له أصل في الشريعة ولا يدخل في أي أمر عمومي …
أما إحياء ليلة جمعة رجب والاحتفال بيومها فهي داخلة في عموم قوله تعالى:[ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب]وقوله تعالى:[قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون]
فالآية الأولى تشير إلى أن تعظيم شعائر الله تعد من التقوى ، والشعائر هي معالم الدين-كما قال المفسرون- وإذا كانت مناسك الحج تسمى بالشعائر فإنما لكونها علامات للتوحيد والدين الحنيف ، وكل ما هو شعيرة لدين الله فإن تعظيمه مما يقرب إلى الله ولاشك بأن مسجد الجند الذي أشرق نور الإسلام منه من أبرز علامات دين الله تعالى وتخليد هذه المناسبة فيه مما يقرب إلى الله تعالى .
وأما الآية الثانية فهي تأمرنا بأن نفرح بفضل الله وبرحمته المهداه ، نعم فلقد تفضل الله علينا بالإسلام ورحمنا بنبيه عليه وآله الصلاة والسلام فأخرجنا من الجهالة الجهلاء إلى الأنوار واللألاء ، فيحق لجميع اليمنيين أن يفرحوا بيوم جمعة رجب ويقيموا في ذلك المسجد الاحتفالات الدينية والمحاضرات المحمدية ويربوا أجيالهم على ذلك حتى يعرفوا عظمة ما هنالك ومن أراد التوسع في حقيقة البدعة والرد على المانعين في الاحتفالات الدينية فليرجع إلى بحثنا الموسوم بـ( الاحتفال بمولد المصطفى نوع من أنواع التعظيم له- صلى الله عليه وآله وسلم- ) فهو بحث نفيس توسعنا فيه بالرد على المخالفين
وفي الختام نقول لكافة ابناء الشعب اليمني مبارك لكم هذا اليوم العظيم وابشروا بالنصر المبين فإن الظلم إذا زاد عن حده انقلب على اصحابه وهذا ناموس كوني
وندعوا ابناء الشعب اليمن إلى الإلتجاء والتضرع إلى الله وكثرة الدعاء للمجاهدين في ميادين الشرف والبطولة وأن يرد كيد المعتدين والثقة بنصر الله تعالى [إن ينصركم الله فلا غالب لكم. ..]….فالتضرع لله وكثرة الدعاء كان السبب الأهم في انتصارات رسول الله في جميع معاركه مع اعداء الله ورسوله…