أوراق بحثية تستشرف مستقبل السعودية
بقلم / بروفيسور وليد عبدالحي
يحلل البروفيسور الأردني وليد عبد الحي ست دراسات أكاديمية تحاول استشراف المستقبل السعودي عبر ورقة بحثية أصدرها مؤخرا، محددا في ذلك جوانب الاتفاق والاختلاف في الدراسات المذكورة.
وقال البروفسور عبد الحي في ورقته التي رصدتها “رأي اليوم” أن الدراسات تنتمي لدول عدة ومن هيئات أكاديمية مختلفة في سنغافورة، والولايات المتحدة، وأوروبا وإسرائيل أو صادرة عن بعض المؤسسات الخاصة و المتخصصة ( مثل دراسة إرغو)، وتتباين مستويات التحليل والعمق المنهجي من دراسة لأخرى، معتبرا أن الدراسات المذكورة من وجهة نظره هي الأهم في هذا الجانب.
وجاء في الورقة ما يلي:
1- جوانب الاتفاق: تتفق هذه الدراسات وبخاصة الدراسة الأمريكية والأسرائيلية( دراسة كارين اليوت هاوس من هارفارد ودراسة يوئيل غوزانسكي من معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي) وكذلك دراسة جيمس دورسي المنشورة في مدرسة العلاقات الدولية في سنغافورة على أن السعودية تواجه ما وصفته الدراسة الإسرائيلية( صفحة 131) ” اللحظة الأكثر حساسية في تاريخها ” ، وتتمثل التحديات الهامة أمام السعودية والتي ستشكل التطورات الأكثر حساسية في الآتي:
أ- المأزق المالي السعودي نتيجة اعتقاد كل هذه الدراسات أن فترة الوفرة المالية وصلت للنهاية، وأن أسعار البترول لن تصل في المستقبل في أفضل الاحتمالات لأكثر من 70 دولارا، والاتجاه الأكبر أنها ستكون في حدود 50-60 دولارا، وهو ما يعني أن الاحتياطيات المالية السعودية ستصل مرحلة النفاد عام 2020.
ب- صراع القصر: تكاد هذه النقطة تكون هي نقطة التلاقي بين هذه الدراسات باستثناء دراسة عبدالمجيد آل سعود الصادرة عن هارفارد، وتتركز هذه القضية في فرضية محددة هي صراع بين محمد بن نايف (الجيل القديم والتقليدي) وبين ولي ولي العهد محمد بن سلمان( الجيل الجديد)، وأن الأزمة ستظهر بقوة بعد وفاة الملك سلمان، ونقطة التوتر ستكون في احتمال أن يقوم بن نايف بعزل بن سلمان على غرار ما فعل سلمان مع مقرن، وهو ما يدفع بن سلمان للعمل الدؤوب لتعزيز مواقعه في اهم اوصال الدولة لجعل مثل هذا القرار أكثر صعوبة.
ت- الصراع بين الثقافة التقليدية (خاصة بعمقها الوهابي) وبين الأجيال الجديدة بخاصة مئات الآلاف من خريجي الجامعات الغربية، والذين يعانون من مشكلة التوفيق بين التوجهات العالمية والتوجهات المحلية على المستوى الثقافي، وتبدو هذه المسألة الأكثر وضوحا في دراسة جيمس دورسي( سنغافورة)، ويرى أن المشكلة ستتجلى في مظهرين هما مدى قدرة البعد السياسي(النظام الملكي) والبعد الديني( الثقافة الوهابية) على التواؤم بينهما من ناحية وبين هذين الطرفين وبين الثقافة المعاصرة من ناحية ثانية.
ث- احتمال تحول الوضع الداخلي نحو مزيد من العمليات الإرهابية داخل المملكة، وبخاصة أن الاحتقان الاجتماعي(البطالة بين الشباب بشكل رئيسي، وافتقاد الكوادر المهنية الوسطى) والاحتقان السياسي وارتداد “الجهاديين” الخليجيين للمنطقة من مناطق التوتر في سوريا والعراق وليبيا ونيجيريا واليمن …إلخ قد يعززا من السيناريو المتشائم.
ج- هناك اتفاق شبه تام (باستثناء دراسة عبد المجيد آل سعود لأن موضوع الدراسة المركزي يختلف بعض الشيء عن بقية الدراسات الأخرى) على إن الانفاق الدفاعي ونفقات الحرب في اليمن وسوريا ستعزز السيناريوهات السلبية من جانبين هما العبء الاقتصادي واحتمالية الفشل السياسي في تحقيق الأهداف السعودية في كل من سوريا واليمن.
2- أما نقاط التباين بين هذه الدراسات فتبدو في مسألتين:
أولا: المنهجية: يغلب على هذه الدراسات المنهج الكيفي، مع الاتكاء على قدر من الحدس، بينما نجد المنهج الكمي واستنادا لتقنية دلفي في دراسة “إرغو” رغم ان عدد الخبراء في الدراسة هم 8.
ثانيا: الاستنتاجات: تبدو بعض الخلافات في استنتاجات الدراسات في الجوانب التالية:
1- تميل أغلب هذه الدراسات إلى الاعتقاد بأن العلاقات الإيرانية السعودية ستبقى تتراوح بين التوتر والاسترخاء، لكن دراسة “إرغو” الكمية ترى ان السلوك الإيراني سيحدد بنسبة 54% من الوضع في السعودية، وتضع هذه الدراسة عددا من المحددات التي تساهم في وضع أسس السيناريوهات المستقبلية للسعودية ، فهي ترتب المتغيرات الخاصة بموضوع النفط وانتاجه وأسعاره بأنها المحدد المركزي، وترى أن المتغيرات المتحكمة في هذا البعد هي:
أ- اضطرار السعودية لتخفيض انتاجها لضمان منع انهيار السوق النفطي( قوة الاحتمال هي77%)
ب- السياسات الإيرانية ورفع إنتاجها النفطي( 54%)
ت- زيادة العراق لإنتاجه بعد انتهاء الاضطراب الداخلي(39%)
ث- الخلافات داخل اوبك( 26%).
2- نقطة الخلاف الثانية بين هذه الدراسات هو العلاقات الأمريكية السعودية، فالدراسة الإسرائيلية تميل بشكل واضح لترجيح تقلص مكانة السعودية في الاستراتيجة الأمريكية نظرا لتراجع أهمية الشرق الأوسط، بينما الدراسات الأخرى أقل جزما في هذا الجانب وأقلها دراسة عبدالمجيد آل سعود.
3- هناك خلاف نسبي بين هذه الدراسات حول احتمالات التقارب الإسرائيلي السعودي ، وتبدو الدراسة الإسرائيلية والامريكية هي الأكثر تفاؤلا في هذا الجانب.
الخلاصة : طبقا لهذه الدراسات، فإن السعودية على مفترق طرق سيؤدي كل اتجاه منها لانعكاسات كبيرة على الشرق الأوسط ، لكن تحديد الاتجاه الأرجح يعيدنا للجلوس ثانية على ” كنبة ربما”…
نقلا عن رأي اليوم