انطباعاتٌ من تونس
بقلم / حميد رزق
على مدى يومَين كاملَين وبرعاية من النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، والجامعة التونسية لمديري الصحف ونقابة أصحاب المُؤسّسات الإعْلَامية ولجنة دعم الصحفيين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، عُقدت في تونس العاصمة ندوةُ الحوار الأورومتوسطي للإعْلَام، بحضور نخبة من الإعْلَاميين والمُؤسّسات الإعْلَامية والأكاديميين، وبمشاركة منظمة الأونيسكو وعددٍ من المنظمات المعنية. تطرقت الندوة إلى قضايا عديدة تتعلق بالإعْلَام من حيث حقوق وواجبات العاملين في هذا المجال، وسلامة الإعْلَاميين في مناطق النزاع، وحق التعبير وعمليات التضليل الإعْلَامي وانتشار الأخبار الزائفة، والقضايا المسكوت عنها في منطقة حوض البحر المتوسط، ومنْع البث وتقييد حرية الوصول إلى المعلومات، وآليات وضمان حرية الصحافة، والإشكاليات والتحديات التي تواجه الإعْلَاميين في قيامهم بواجباتهم، والمسؤولية الجديدة للإعْلَام على ضوء التطوّر والتغير في المفاهيم الإعْلَامية، والحاجة إلى تعميق مفاهيم الشرَف الإعْلَامية المبنية على حقوق الإنسان والمجتمعات التي أقرتها العهودُ والمواثيق الدولية والأممية.
وصلت تونس يوم الأحد، أي قبل الفعالية بيومين، برفقة عدد من الإعْلَاميين من سوريا ولبنان، نزلنا في فندق إفريقيا يقع في شارع بورقيبة الشهير والذي انطلقت منه شرارةُ الثورة الشعبية التونسية في العام 2011 عقب امتداد الانتفاضة الشعبية من مدينة سيدي بوزيد (وسط تونس) التي أحرق فيها البوعزيز نفسه إلى العاصمة تونس، وبالأخص في شارع بورقيبة الذي كان له الدور الكبير في إسقاط الحاكم المستبد زين العابدين بن علي وإجباره على الفرار إلى السعودية.
وجدت نقاطًا مشتركة عديدة تجمَعُ الشعب التونسي والمغاربي عمومًا وَالشعب اليمني، وأبرزها الشخصية المتواضعة والعتيقة التي تشعر أنها صاحبة امتداد وجذور في التأريخ، بمجرد أن تتجول في تونس تشعر برائحة عمق وتراث وهوية وحضارة بعكس بلدان أخرى لا تجد حين تتجول في شوارعها غير الاسمنت والأبراج، بالإضافة إلى الهنود والعمال الأجانب..
في تونس تجوّلت في الأَسْوَاق القديمة وشعرت أني أتجول في صنعاء القديمة، فالأماكن تفوح منها رائحة التأريخ، في سوق تونس القديم نفسُ زواريب وأزقة ومحلات سوق الملح في صنعاء، رائحة البخور والعطور تملأ المكان، عَبَق المحلات يطغى على ما سواه، الباعة من كبار السن أَوْ متوسطي الأعمار ينشط كُلُّ واحد منهم في زاويته أَوْ محلته التي تتفاوت في الضيق والاتساع بحسب المساحة المتاحة، تنقلنا بين عدد من أقسام السوق القديمة، فهناك سوق الحُلي والمصوغات القديمة وهناك سوقُ الأقمشة، وثمة مطاعم شعبية تهتم بتقديم الأكلات الشعبية.. وكما يتوسط الجامع الكبير صنعاء القديمة ففي تونس يتوسط السوق التأريخي والمدينة القديمة جامع الزيتونة الذي كان منارةً لطلاب العلم في المغرب العربي والعالم أجمع، تأسّس في (79 هـ) ويعتبر ثاني أقدم مسجد في تونس بعد جامع عُقبة بن نافع الذي يقع في مدينة القيروان التأريخية.
يقع جامع الزيتونة على مساحة 5 آلاف متر مربع، ولديه تسعة أبواب، وقاعته الداخلية ترتكز على 184 عمود.
في تونس العاصمة سعمت بوجود شيخ فاضل ربما هو آخر علماء الزيتونة الأشعريين وله تأريخ في مقارعة المد الوهّابي في تونس فسألت عليه عدد من الأصدقاء التوانسة فأخبروني أنه موجود في مكان غير بعيد، وتيسر لي زيارته في منزله اسمه العلامة محمد علي كيوه وَعنوان كتابه “التبرقع الصهيوني في العقيدة الوهابية”، زيارة هذا العالم الفاضل أعادت إلينا عَبَقَ العلم والمعرفة في مجتمع للأسف تراجَعَ فيه الاهتمام بالعلوم الشرعية الأصيلة؛ بسبب المد الوهابي وطغيان الهموم المادية والحياتية للأسرة والمجتمع الذي أصبح كما بقية الشعوب العربية ضحيةً لثقافة الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي بما تحمله من سلبيات كثيرة.
سلمتُ على الشيخ الفاضل محمد علي كيوه وأبلغته سلامَ ومحبةَ أهل اليمن لأَحْرَار تونس وأخبرته أن اليمن يتعرَّضُ لعدوان رأس حربته الوهابية والصهيونية، وهما الحركتان اللتان ذكرهما في كتابه الشهير “التبرقع الصهيوني في العقيدة الوهابية”، بزيارتنا له أعدنا إلى ذاكرته شريط المعاناة والمضايقات التي تعرض لها بسبب قوته في مواجهة المد الوهّابي التكفيري وفضحه في تونس، ومن ضمن ما قال لنا بأن كتابَه الذي طُبع منه أربعة آلاف نسخة اشترته السعوديةُ من الأَسْوَاق في غضون أيام قليلة ولم يبقَ منه غيرُ نسخة واحدة هي التي يملكُها، وكشف لنا عن جانبٍ من مساومات سعودية كثيرة تهدفُ إلى ترهيبه وترغيبه، وبرغم أني رفضتُ لكنه أصر على أن يعطينَي آخرَ نسخة لهذا الكتاب هديةً منه فأخذتها وأخبرته أننا وفي حال وجدنا من يتبنّى طبْعَ الكتاب فسنعمَلُ على التواصُل والتنسيق معه.