المحادثات اليمنية بين نارين، هل من خيارات أخرى؟
بقلم / عبدالملك العجري
ما كان متوقعا لم تخرج الخماسية بشيء يذكر، وأي جولة جيدة محتملة من المفاوضات الأممية لن تكون قادرة على جلب السلام ووقف العدوان، فتجربة تسعون يوما من المحادثات في الكويت alagrai2017.3.18 ربما هي الأطول كانت كفيلة بالوصول لحلحلة أكثر النزاعات المحلية تعقيدا لو أن القضية قضية صراع محلي، وباعتقادي أن الأمم المتحدة لو منحت عاما آخر لن تصل لنتيجة، ليس لأن طريقة الأمم المتحدة تعتمد أسلوب إدارة الأزمة، أو لأن المخرج السامي يريدها كذلك وفقا لنصيحة مسؤول التخطيط في الخارجية الأمريكية ريتشارد هاس التعامل مع مشاكل الشرق الأوسط، باعتبارها مشاكل يجب إدارتها أكثر من كونها مشكلة يجب حلها.
ليس لهذا فحسب الأهم من ذلك أن عقدة الصراع تقع خارج دائرة المفاوضات المحادثات من البداية.
لا هادي ولا شرعيته تمثل العقدة الحقيقة فشرعية هادي في عدن وحضرموت ومارب ليست أفضل حالا من صنعاء ولا الإمارات ولا السعودية يهمها هادي بقدر ما يهمها ضمان استمرار نفس السياسات الخارجية السابقة.
وكذلك الأمر بالنسبة لإجراءات بناء الثقة بين أطراف الصراع المحلية التي ينصب عليها تركيز الأمم المتحدة مع أنها لا تمثل عقدة التسوية أضف لذلك فبناء الثقة يستمدها الأطراف في الأساس من قوة تمثيلها على الأرض والقاعدة الشعبية التي يعبرون عنها والمفارقة بالنسبة لأطراف الصراع اليمينة أن هناك طرفا يثق بنفسه ويستمد ثقته من قوة وجوده الوطني والميداني والشعبي وبالتالي قادر على الدخول في تسوية سياسية من دون أي ضمانات خارجية، وطرف مقابل لا يثق بنفسه رمى بيضه كلها في سلة الخارج ومصدر الثقة الوحيد الذي يمكن أن يطمئنه هو أن يجلب المزيد من القوات الأجنبية إلى اليمن.
في تصوري أن العقدة تكمن في التشابكات الدقيقة للتوازنات المحلية والإقليمية والدولية .. وبالتالي فإن المسألة اليمنية يجب أن تقرأ في سياق المشهد الأكبر للصراع باعتبارها الخطوة الأولى في تحليل وفهم الأزمة ومساراتها وأمثل السبل للتعامل معها.
الإطلالة الفوقية على الميدان الواسع للصراع وطريقة تعامل المجتمع الدولي والأطراف الإقليمية من شأنها أن تكشف كيف أن الصراعات أخذت طابعا جيوسياسيا، ولذلك لا ينظر المجتمع الدولي لكل قضية أو أزمة على حدة بل حزمة مترابطة يتم التعامل معها كأحجار شطرنج يحركها في الاتجاه الذي يخدم إعادة ترسيم خارطة توزيع النفوذ في المنطقة بين الكبار ووكلائهم الإقليميين بالتبع.
بالنسبة لأمريكا والسعودية وبقية أطراف المجتمع الدولي اليمن أحد الميادين في معركة أوسع إقليمية ودولية أهم ميادينها إضافة لليمن سوريا والعراق وليبيا، والصراع وأن ساهمت فيه الأبعاد المحلية أو بدا محليا إلا أنه وفر فرصة ليكون ضمن أدوات الصراع الجيوسياسية.
لا يملك اليمن الأهمية الجيوسياسية لسوريا وقد يكون هذا من حسن حظه لناحية تعقيد الصراع في سوريا غير أنه يلي سوريا تقريبا حيث يوصف بالجوهرة الجيوسياسية وفوق ذلك فإن تزامن الصراع فيه مع سياق إقليمي ودولي شديد الاستقطاب ربط مصيره ومصير التسوية على نحو كبير بالصراع الجيوسياسي في المنطقة، خاصة القضية السورية التي أصبحت كلمة السر للصراع في منطقة الشرق الأوسط، ويعتقد على نحو واسع أنها ستكون البوابة نحو حلحلة شاملة.
ليس من الصعب إدراك الدوافع الجيوسياسية التي تحكم طريقة تعامل أطراف المجتمع الدولي مع القضية اليمنية، ولا أن الأهداف الجغرافية الاستراتيجية للولايات المتحدة والسعودية وراء الحرب العدوأنية في اليمن، ومن الأشياء التي لفتت انتباهي في مقابلة للخبير الأمريكي برنارد هيكل قوله إن التصور السعودي للحل الذي يمكن يطمئن الرياض لا يكون إلا بواحد من أمرين هزيمة أنصار الله تحديدا في اليمن أو هزيمة إيران في المنطقة .
تحقق الهدف الأول، وهو هزيمة أنصار الله بأحد أمرين أما بالحسم العسكري، أو بتسوية سياسية مجحفة عن طريق الأمم المتحدة، أما الثاني وهو هزيمة إيران إقليميا ففي تصوري أن أكبر ميدان لهزيمة إيران إقليميا هي سوريا نظرا للأهمية الجيواستراتيجية لسوريا بوابة آسيا إلى أوروبا وموقعها الحساس في أهم نقاط التداخل بين القوى البرية والبحرية، والقوى الجوية في العالم والمنتصر فيها يحرك الدولاب لمصلحته ويحتل موقعًا فاعلا في النظام الإقليمي والدولي.
أما علاقة ذلك بأنصار الله أو بالقضية اليمنية أن مستوى القلق من أنصار الله، وحساسية موقع اليمن يتناسب طرديا مع تزايد النفوذ الإيرأني في المنطقة، وهزيمة إيرأن إقليميا وأن لم يكن بمقدوره أن ينهي القلق السعودي من اليمن ومن أنصار الله إنما يحتمل أن ينخفض إلى درجة تفسح المجال لتسوية متوازنة مع تعذر الحسم العسكري في اليمن كما كانوا يطمحون.
هذه تقريبا كانت المقاربة السعودية والأمريكية أيضا وبما أنها تبخرت من الأسابيع الأولى للعدوان فأمام مفاوضات التسوية احتمالين أو خيارين ظاهرين :
الأول أن تنجح الأمم المتحدة في جولتها المزمع عقدها في الخروج بتسوية ترضي جميع الأطراف وهذا احتمال يبدو متضائلا جدا كما سبق.
الثأني: انتظار صفقة شاملة اقليمية أو دولية نظرا للترابط بين الأزمات خاصة سوريا وهو السيناريو الذي أفصح عنه الخبير الأمريكي برنارد هيكل بقوله “يمكن أن نتخيّل أن بالإمكأن التوصل إلى صفقة كبرى مع الإيرانيين، ليس الآن إنما لاحقًا، بعد أن تكون كل واحدة من هاتين القوتين الإقليميتين قد أضعفت الأخرى بما فيه الكفاية.
قد يقول الإيرانيون: “حسنًا، اليمن مقابل سورية، أو اليمن مقابل لبنان”، أو أمرًا من هذا القبيل.
لا أعتقد أن هذا مطروح الآن، لكنني أتخيّله جزءًا من صفقة في مرحلة لاحقة.
والسؤال هو هل على المفاوض اليمني أن يستسلم لهذين الخيارين؟ أم أن عليهم أن يفكروا باجتراح خيارات تتحرر القضية اليمنية من معتقل الأمم المتحدة ولا تستغرقها الأبعاد المحلية للصراع بل تنطلق من عقدة الصراع وتشتغل على التوظيف الجيد للموقع الاستراتيجي لليمن في الحسابات الجيوسياسية الاقليمية والدولية، وتزحزح القناعات التقليدية في تعامل المجتمع الدولي والإقليمي، أو أطراف فاعله فيه، مع اليمن.
علما أن من القواعد المؤثرة على المفاوضات والصراع أن التدخل الخارجي يُعلي مصلحة الرعاة، على مصلحة الوكلاء المحليين (مجموعة الرياض )أو الإقليميين(السعودية والإمارات ) الذي يتم التعامل معهم، باعتبارهم مجرد ورقة ضغط يمكن استخدامها لتحقيق مكاسب وهذا يعني أن المرونة في المفاوضات تتساوى عكسيا مع تكلفة الاستثمار.