كيف أصبح اليمن ساحة التحالف الإسرائيلي السعودي المعلن؟
بقلم/إبراهيم السراجي
منذ وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للبيت الأبيض أدار سياسة يغلب عليها طابع “الوقاحة” فهو لا يريد عملاء متسترون، منتهجا خطًا مذلًا لعملائه في الخليج لا يجعله يتوانى عن الإعلان عن موت حل الدولتين في فلسطين تزامنًا مع الإعلان عن تحالف إسرائيلي-عربي، بات ينظر إليه بأنه تحالف موجه لليمن وتؤكده الوقائع. وإذا كان هناك تنافس سعودي إماراتي على نيل الوكالة الأمريكية، وصراع بين مختلف مكونات المرتزقة في اليمن، إلا أن ذلك التنافس والصراع لا يخرج قوى العدوان والمرتزقة عن خط الطاعة للمشروع الأمريكي الإسرائيلي.
وجاءت تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بأن الدول العربية لا ترى إسرائيل عدوًا بل حليفًا، لتضع لمسات أخيرة على ما يجري الإعداد له من تحالف صهيوني سعودي إماراتي أردني مصري برعاية الولايات المتحدة بحسب ما كشفت عنه الصحيفة الأمريكية “وول ستريت جورنال” وبالإضافة للأدلة الحسية والعلمية التي تحدث بها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عن المشاركة الإسرائيلية المباشرة في العدوان على اليمن، فإنه لم يعد من الصعب التأكد من صحة ما قاله الأخير بأن إحدى ساحات التحالف السعودي الإسرائيلي هي في العدوان على اليمن.
أما الواقع الذي يتحدث عن نفسه في أوساط مرتزقة العدوان خصوصًا بعد أحداث عدن الدموية، والأحداث المستمرة بينهم في تعز، فهو يعبر بشكل واضح بأن هذه المكونات ليس هناك ما يجمعها سوى مشروع العدوان، وفي ذات الوقت، تعكس معارك عدن وتعز أن ليس هناك من يدير هذا الصراع إلا قوى الاحتلال وهي من تستخدمه وترعاه بالشكل الذي لا يشوش على المشروع الكبير الذي يتضح في التحالف الإسرائيلي السعودي وبقية الدول المذكورة.
وعلى وقع ذات الأحداث وتدخل دولة العدوان الإماراتية في أحداث عدن بقصف طيرانها موقعا لمرتزقة الفار هادي، التي أسقطت بنفسها ذريعة الدفاع عن الشرعية المزعومة، إلا أن ذلك التدخل هو في سياق ما كشفت عنه بعض الصحف عن سباق سعودي إماراتي على نيل الوكالة الأمريكية في المنطقة.
إذن في اليمن يتصارع مرتزقة العدوان ويتصارع الغزاة الإماراتيين والسعوديين لمصلحة المشروع الأمريكي الرامي للسيطرة على المياه والممرات المائية التي يتحكم بها اليمن وضمان الاستحواذ على الثروة النفطية، وهو واقع تحدث به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أثناء حملته الانتخابية، عندما قال وسط الآلاف من ناخبيه، أن الحرب على اليمن هدف السعودية منها السيطرة على حقول النفط الواقعة في الجزء اليمني من الشريط الحدودي بين البلدين.
ولأن ما تسعى إليه الولايات المتحدة وإسرائيل في اليمن هو تنفيذ مشروع أكبر من ذلك الذي يتم التحدث عنه، فإن ذلك يظهر من خلال تراجع أو بالأصح تلاشي الحديث عن مزاعم الدفاع عن الشرعية، فمجلة “ميتاماج” الفرنسية في تقريرها بتاريخ 16 فبراير الجاري، تناولت التدخل تطور التدخل العسكري الأمريكي في اليمن في عهد ترامب، باعتباره تدخلًا يعود بالنفع على إسرائيل. وتقول المجلة ان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بدأ يتدخل في اليمن مشيرة إلى أن ذلك يجعل اسرائيل مسرورة أكثر من أي وقت مضى. ولم يتضمن تقرير المجلة أي إشارة على أن التدخل الأمريكي ذلك له أي انعكاسات إيجابية على الشرعية المزعومة التي لم يعد لها أي ذكر.
وتنطلق الولايات المتحدة وإسرائيل في مشروعهما باليمن لثلاث غايات، أولها ضمان عدم خروج اليمن من الهيمنة الخارجية وبالتالي ضمان ألا يظهر نظام جديد يكن العداء لإسرائيل ويكون لديه الإمكانات التي تهدد المصالح الأمريكية والإسرائيلية في حال حدوث عدوان إسرائيلي جديد على غزة أو لبنان، وثانيها ضمان الهيمنة السياسية والتجارية على الممرات المائية (باب المندب) وهو ما يفسر حجم النشاط العسكري الأمريكي والإسرائيلي في معارك الساحل الغربي، وثالثهما السيطرة على الثروة النفطية المكتشفة في بعض بقاع اليمن والأخرى التي هناك معرفة باحتوائها على حقول نفط غنية.
• التحالف العربي- الإسرائيلي والرعاية الأمريكية
عندما سئل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مؤتمر صحفي جمعه برئيس الحكومة الإسرائيلية في واشنطن قبل أيام، عن موقف إدارته من حل الدولتين لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، قال ترامب أنه يجب التركيز على جوهر الصراع، وهو ما اعتبر أنه بمثابة إعلان أمريكي عن موت حل الدولتين، لدرجة أن فرنسا أعلنت موقفها وقالت إن سياسة ترامب حول السلام في الشرق الأوسط مشوشة ومقلقة، ولم يصدر أي موقف من الدول العربية تجاه هذا الانقلاب الأمريكي ولو على حل كان حبرًا على ورق.
في السابق كان مثل هذا الإعلان يعني أن يكون هناك غضب عربي عارم على المستوى الشعبي وتصريحات رافضة وإن بخجل لتلك التصريحات، لكن وفي واقع التحالفات الجديدة، وجد بنيامين نتنياهو أن تصريحات ترامب مناسبة للتأكيد على أن “الدول العربية لا ترى في إسرائيل عدوًا بل صديقًا” وهذا ما يفسر أن الدول التي يعنيها بكلامه لن تغضب من القضاء على حل الدولتين بل إنها تقف إلى جانبه.
بالعودة إلى ما نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية والتي تقول إن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تشرف على محادثات من وراء الكواليس بين مسؤولين من دول عربية مسؤولين إسرائيليين لإنشاء تحالف عسكري ضد إيران باعتبارها عدوا مشتركًا.
وكان الأكثر إثارة أن الكشف عن ذلك التحالف من قبل الصحيفة الأمريكية لم يكن عن مصادر أمريكية أو إسرائيلية بل نقلت خمسة مسؤولين عرب دون الكشف عن هوياتهم أن التحالف مع الكيان الصهيوني سيضم كلا من السعودية والإمارات ومصر والأردن. ليس ذلك فحسب، إذ يضيف المسؤولون العرب للصحيفة أن الباب سيكون مفتوحًا لانضمام دول عربية أخرى. كما يقول دبلوماسي عربي للصحيفة “إن المسؤولين الأميركيين بدأوا يجسّون نبض البعثات الدبلوماسية في واشنطن عن مدى استعدادها للانضمام إلى هذه القوة التي تضمّ مكونا إسرائيليًا”.
التهديدات بمحاربة إيران أصبحت أسطوانة يرددها كل رئيس أمريكي ولا يتم ترجمة ذلك في واقع الحال، حتى أن ترامب الذي كان الأشد عداء لإيران والاتفاق النووي خلال حملته الانتخابية، تراجع عن مواقفه وصرحت إدارته مؤخرًا أنها لا تنوي إلغاء الاتفاق مع إيران مشيرة إلى أن الحفاظ عليه يعد أيضًا مطلبًا سعوديًا وإسرائيليًا. وتزامن الكشف عن التحالف العربي الإسرائيلي مع استقبال الكويت للرئيس الإيراني حسن روحاني بعدما تسلم الأخير دعوة رسمية من دول الخليج للحوار.
وإذا كانت الولايات المتحدة وإسرائيل وتحالفها العربي ليسوا في وارد المواجهة العسكرية مع إيران، فإن الساحة الفعلية لهذا التحالف يقصد به اليمن.
وفي هذا الاتجاه تقول صحيفة “رأي اليوم” الصادرة من لندن أن الكشف عن تحالف عربي إسرائيلي ليس مفاجئًا لأحد لأن بنيامين نتنياهو قال في تصريحات علنية بالصوت والصورة أن “علاقاته بالسعودية ودول خليجية أخرى لا تحتاج الى تطوير لأنها متطورة أصلا” كما تقول الصحيفة.
وترى الصحيفة أن “تمويل هذا التحالف العربي الإسرائيلي سيأتي من دول الخليج، والضحايا سيكونون من العرب حتما، وفي اليمن خصوصا، التي ستكون حقل التجارب الأول لهذا الحلف”. ورغم ذلك فالصحيفة ترى أن مضي السعودية، والدول العربية الأخرى، في ذلك يعد انتحارًا ماليًا وسياسيًا ووقوع في مصيدة أمريكية جديدة.
• معارك ومطامع من الساحل الغربي للقرن الإفريقي
التحركات الإماراتية لإقامة قواعد عسكرية في البحر الأحمر جنبًا إلى جنب مع نظيراتها من القواعد الإسرائيلية، وصولًا إلى أرض الصومال (دولة غير معترف بها دوليًا وهي جزء من الصومال) حيث أجبر برلمانها على الموافقة على قاعدة إماراتية، كلها تؤكد أن هناك مشروع أمريكية إسرائيلي في البحر الأحمر وتعد اليمن إحدى تلك الساحات وليس كلها، ولكن معارك الساحل الغربي تأخذ بعدًا ذا أهمية إعلامية كونه يواجه مقاومة يمنية من الجيش واللجان الشعبية على عكس تسليم الدول الأفريقية للإرادة الأمريكية الإسرائيلية.
تعتقد كل من السعودية والإمارات أن بقاء أنظمتها مرهون بقدرة أحدهما على ضمان المصالح الأمريكية بما يجعل من نظام تلك الدولة ذا أهمية ويحظى بحماية أمريكية من أي تقلبات على غرار ما حدث في الدول العربية.
ويعتقد كثيرون أن التدخل الإماراتي في الصراع الذي شهدته عدن على المطار وقصف الطيران الإماراتي لمرتزقة هادي، الذي كان ينفذ إرادة سعودية في تلك المواجهة، يعد إعلانًا واضحًا بنيل الإمارات ثقة واشنطن فيما يخص المعركة القائمة في السواحل اليمنية على الأقل.
وينشر موقع “ساسة بوست” المتخصص في التحليلات السياسية، تقريرًا مطولًا على وقع أحداث عدن بعنوان “غضب السعودية يتصاعد.. هل تعمل الإمارات على احتلال اليمن؟”. وفي أحد محاور التقرير يقول إن الإمارات حصلت على تفويضًا من ترامب في اليمن مشيرًا إلى أن “الإمارات فرضت نفسها أكثر على التغيرات الأخيرة في الساحة اليمنية، خاصة في المجالين العسكري والسياسي، وذلك بحكم إشرافها بشكل مباشر على العمليات العسكرية الجارية في الساحل الغربي في اليمن”.
ويؤكد الموقع أن الإمارات ظفرت بالثقة الأمريكية ويدلل على ذلك من خلال ” دعم الولايات المتحدة للتحرك الإماراتي شرق اليمن؛ بل التنسيق معها بعيدًا عن السعودية، وقد أعلنت واشنطن رسميًّا حقيقة دور أبو ظبي في العملية العسكرية في اليمن، وأكدت أنها قدمت مساعدات للقوات الإماراتية في أمور المراقبة، والاستطلاع الاستخباري الجوي، والدفاع البحري، والعمليات الأمنية، والدعم الطبي، والتزود الجوي بالوقود”.
ويشير الموقع إلى تصريح المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، النقيب جيف ديفيس، إن: “قوات أمريكية قدمت دعمًا استخباريًّا، إضافة إلى المساعدة في التخطيط العملياتي للقوات الإماراتية المتواجدة في محافظة حضرموت”.
ورغم أن الموقع قدم الكثير من الحقائق إلا أنه يجدر التنويه أنه يعبر عن الموقف غير المعلن والمتذمر من قبل السعودية وأتباعها في اليمن، خصوصًا أن الموقع يغلب عليها التقارب مع جماعة الإخوان المسلمين.
بالتزامن مع المعارك في الساحل الغربي لليمن، تم الكشف عن توصل الإمارات لاتفاق مع دولة “أرض الصومال” غير المعترف بها دوليا، لإقامة قاعدة عسكرية إماراتية في مدينة بربرة شمال غرب البلاد.
ومن خلال معرفة أهمية ميناء بربرة وموقعه وارتباطاته المائية يصبح من السهل تكوين صورة واضحة عما يعني وجود مشروع أمريكي إسرائيلي في البحر الأحمر. ويقع ميناء مدينة بربرة في منطقة القرن الأفريقي على ممر بحري يربط ما بين قناة السويس والبحر الأحمر والمحيط الهندي. وتعد السيطرة الإماراتية على الميناء وانشاء قاعدة عسكرية هناك وما يجري للسيطرة على الساحل الغربي لليمن وسيطرة إسرائيل وأمريكا على أجزاء أخرى عبر قواعد بحرية في ارتيريا وجيبوتي والجزر المؤجرة لحسابهما، اكمال للحلقة التي تسعى من خلالها إسرائيل وأمريكا للتحكم بالتجارة العالمية عبر البحر الأحمر وضمان المصالح الإسرائيلية التي عبر عنها مسؤولون أمريكيون في أكثر من مناسبة عندما جاءوا على ذكر تأييدهم للعدوان على اليمن.
الاتفاق الإماراتي مع أرض الصومال لم يكن اتفاقًا في حقيقة الأمر فقد أجبر أعضاء البرلمان هناك على التصويت بالموافقة في إحدى الجلسات التي أعقبها تصريح لرئيس البرلمان عبد الرحمن محمد عبد الله، والذي قال إنه تم القبض على ثلاثة نواب وتعرض عدد كبير من النواب للتهديد وأجبروا على التصويت بالموافقة.
مع وضوح المشروع الأمريكي الإسرائيلي في البحر الأحمر وشموله لعدة دول، ومع الكشف عن تحالف عربي-إسرائيلي، تراجعت بشكل كلي مزاعم العدوان على اليمن وانتهى الحديث عن “الشرعية” ولذلك لم يكن غريبًا أن يتم قصفها في عدن بالطيران باعتبار ذلك إعلان لمرحلة جديدة، على ذات النحو الذي تراجع فيه دور المعارضة السورية وتتفرج على الاتفاقات الأمريكية الروسية هناك، وتحول مقاتليها لمجرد مرتزقة للجيش التركي الذي يغزو الشمال السوري.