أَيُّ “إسْلَام” يريدُ ترامب القضاء عليه؟!
بقلم / حميد رزق
تابع الكثيرون كلمةَ رئيس أَمريكا الجديد دونالد ترامب.. وَمن خلال متابعتي الشخصية وجدتُه حاول تقمُّصَ لُغة العقل وطمأنة الآخرين، سواء في الداخل الأَمريكي أَوْ على مستوى العالم، عدا فقرةٍ واحدةٍ حرص على أَن يظهر من خلالها قوياً وحازماً عندما قال: سنقضي على الإسْلَام.. قبل أَن يردفها بـ “المتطرف”، ليتبادرَ إلى الذهن فوراً سؤالٌ هام وجوهري مفادُه: ما هي مواصفاتُ الإسْلَام المتطرف من وجهة نظر ترامب؟، وما هي مواصفات الإسْلَام المعتدل الذي ستباركُه أَمريكا وترضى عنه؟، وهل هو الإسْلَام الذي أنزله اللهُ على رسوله محمد وكما هو في القُـرْآن الكريم؟، أم أَن واشنطن ستعمَلُ أَوْ عملت على إيجاد نسخة من الإسْلَام يخدُمُ هيمنتها وسياساتها، وبالتالي تعمل على محاربة ما سواه!.
رؤساءُ أَمريكا السابقون كانوا يتحدثون عن محاربة “الإرْهَــاب” والقاعدة، وترامب القادمُ الجديد أَصْبَـح يتحدث بلغةٍ مغايرةٍ يترُكُ لفظةَ “الإرْهَــاب” العامة التي تشمَلُ غيرَ المسلمين وحرص أَكثر من مرة على الحديث عن الإسْلَام الذي يردفه بصفة المتطرف.. وهذا تطور لافت في السياسة الأَمريكية.
ونحن نتحدَّثُ عن مصطلح الإرْهَــاب لا يعني أننا ننكر وجودَ حركات متطرفة وتكفيرية وقاعدية وداعشية، لكننا نعرفُ أَن أَمريكا باعتراف ترامب ذاتِه هي مَن أوجدت هذا النوع من الحركات المتطرفة باسم الإسْلَام، وبالتالي من السذاجة الاعتقاد أَن ترامب قادمٌ للانقلاب على سياسات المُؤسّسات الأَمريكية، ولكنه سينتقلُ أَوْ يؤدي أدواراً جديدة تتناسب والمراحلَ الجديدةَ لسياسات أَمريكا في العالم، تبني على ما بدأه مَن كان قبله، وتأخذُ في الاعتبار الظروفَ الأَمريكية الداخلية، لا سيما المجال الاقتصادي.. وهذا يعني أَن منطقتَنا وشعوبَنا ستظلّ مسرحَ الصراع والعبث والحروب والفوضى لحكام البيت الأبيض الجدد.
البعضُ ممن يعتقدون أَن الحَلَّ هو الانبطاحُ لأَمريكا والتسليمُ لإرَادَة ترامب، لا يعلمون أَن الأَمريكي لديه خطة جاهزةٌ تم تدشينها والعمل بها منذ استهداف أبراج مركز التجارة العالمي في نيويورك في العام 2001 م، فتم احتلال افغانستان وتلاه العراق، ولم يكن هناك شعار الموت لأَمريكا ولا الموت لإسرائيل، وعمل نظام صدام حسين بنصائحِ كُلّ المنبطحين وقام العراقيون بتدمير أسلحتهم والتخلص من عواملِ قوتهم؛ امتثالاً لقرارات مجلس الأمن، ومع ذلك تم احتلالُ العراق وقتل ما يقارب مليون عراقي، معمر القذافي بعد سقوط صدام حسين أعلن مباشرةً اجراءات تفكيك مصانع الأسلحة التي كانت بحوزته من أجل نزع أَي سبب يمكن أَن يجعلَ الأَمريكان يغضبون عليه، ومع ذلك قتلوه بطريقة وحشية مجرمة، ولم يشفع له التخلّي حتى عن مواقفه في نُصرة القضية الفلسطينية.
سوريا كانت ولا تزالُ في عين المُخَطّط؛ لكن لان نظامها السياسي غير مرتهن للأَمريكي تمكّن من الصمود برغم المؤامرة الكبيرة والتدمير الشامل الذي تعرضت له بلاده.. وهنا نستفيد أَن الأنظمة والحكام المرتهنين لأَمريكا يسقطون بسُرعة قياسية حين تتخلى واشنطن عنهم وتقرر رميَهم في مزابل التأريخ..
مثالٌ آخر الرئيسُ الفلسطيني ياسر عرفات قَبِلَ بالتسوية واعترف بإسرائيل واستنفد الغرض الذي تم إعادته من أجله إلى الضفة الغربية فقاموا بتسميمه وحاصروه حتى استحالت إمكانية معالجته وإنقاذه..
الشاهدُ في الأمثلة السابقة أَن الأَمريكي لا يحتاج إلى ذريعة وأن منهجَ الانبطاح والتراجُع والذعر من الأَمريكيين وضجيج قوتهم وجبروتهم ليس حلاً ولن يُنجيَ أَصْحَابَه وإنما يسهّل مهمة الغزاة في تحقيق أهدافهم وغاياتهم..
السؤال: ما هو المشروعُ الذي يمكن من خلاله للمسلمين والعرب الدفاعُ عن أنفسهم وعن وجودهم وكرامتهم كبشر في هذا العالم من حقهم أَن يكونوا أمة مستقلة معبرة عن ذاتها؟؟
الحلُّ معروفٌ، لدينا تجربة المقاومة في لبنان، وكيف حقّقت الانتصارَ الكبيرَ والتأريخي على العدو الإسرائيلِي ومن خلفه أَمريكا، وذلك بالإرَادَة والعودة الواعية إلى الذاتِ والتمسك بالهُوية الإيْمَانية المعبّرة عن الشخصية القُـرْآنية المسلمة الحقيقية، وليس المزيّفة بموروث الطوائف والمذاهب والأحزاب التي تدورُ في فلك الأَمريكان وآل سعود بطريقة أَوْ بأخرى.