الخبر وما وراء الخبر

ترامب و الملفّ اليهوديّ عشيّة تسلّمه الحكم

121

بقلم/ نديم عبدة

يُفترض أن يتسلّم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب مقاليد السلطة يوم الجمعة المقبل في 20 كانون الثاني الجاري نقول «يُفترض» لأنّ المساعي الآيلة إلى منعه من استلام الحكم ما زالت جارية على قدم وساق في الوقت الراهن، وتتراوح بين مطالبة البعض إعلان الأحكام العرفية في الولايات المتحدة للحؤول دون إقامة حفلة التنصيب، واتّهام ترامب بالخضوع لابتزاز الاستخبارات الروسية، مع التشكيك في شرعيته بالنظر إلى أنه لم يَفُزْ بأكثرية الأصوات الشعبية في الانتخابات يعود هذا التفاوت بين الانتخابات الشعبية والانتخابات الدستورية إلى طبيعة النظام الانتخابي الرئاسي الأميركي الذي يعطي الأولوية للاعتبارات الاتحادية، مع الأخذ بعين الاعتبار تصويت كلّ ولاية على حدة، بدل التركيز على كلّ صوت انتخابيّ بمفرده إنما لا بدّ من الإشارة هنا إلى أنّ الحزب الجمهوري الذي رشح ترامب للرئاسة قد فاز بالأكثرية في انتخابات الكونغرس أيضاً، ما يعني أنّ فوز ترامب لم يأتِ فقط نتيجةً لعوامل الصدفة، إنما في سياق اتّجاه ثابت وراسخ ضمن المسار الثابت للسياسة الداخلية الأميركية .

وما زال اليهود في طليعة المتهجّمين على ترامب، مع الإشارة إلى أنّ أحدث مأخذ يهوديّ ضدّ الرئيس المنتخب أنه لم يصدر عنه أيّ ردّ فعل فوريّ لاستنكار العملية البطولية التي أودت بحياة أربعة عسكريين يهود دهساً في القدس المحتلة مؤخراً.

في المقابل، فإنّ ترامب مدرك تماماً الأذى الذي يمكن أن يلحقه اليهود به، لا سيما أنّ مركز أعماله الخاصة في مدينة نيويورك التي تُعتبر أهم مراكز اللوبي اليهودي في العالم، ومن المحتمل جدّاً ـ حتى لا نقول من المرجّح ـ أن تكون لدى الجهات اليهودية المختلفة ملفّات مكثّفة حول أعمال ترامب خصوصاً، وذلك لجهة حالات مثل التهرّب من تسديد الضرائب والرسوم، أو مخالفة بعض القوانين والأنظمة، وما إلى ذلك.

وقد نشرت بعض وسائل الإعلام الأميركية عدداً من التلميحات إلى حصول مثل هذه الحالات، ما يعني أنّ هذه الوسائل ستكون جاهزة لنشرها وتضخيمها إلى أقصى حدّ «عند الحاجة»، بما يؤدّي إلى عزل «impeachment» ترامب من رئاسته إذا اقتضى الأمر.

ويسعى ترامب إلى درء هذه المخاطر عن طريق إرضاء اليهود، ويتمثّل هذا الإرضاء بجعل ابنته إيفانكا المعتنقة الديانة اليهودية وصهره اليهوديّ جاريد كوشنير مستشارين مميّزين لديه، مع الإشارة هنا إلى أنّ ثمة مَن يطرح تساؤلات حول استقامة الأعمال التجارية التي يقوم بها هذان الزوجان اليهوديان، مع احتمال تناقض طبيعة تلك الأعمال مع مصالح الدولة الأميركية… ، وعن طريق استمالة الشركة المالية اليهودية المعروفة «غولدمان ساكس Goldman Sachs» مع تنصيب عاملَيْن سابقَيْن وحاليَّيْن لديها أو معها في عدد من أبرز مراكز القرار والاستشارة. ومن هؤلاء المقرّبين أو المنتمين إلى «غولدمان ساكس» في إدارة ترامب، الصهر اليهودي جاريد كوشنير نفسه، المستشار الاستراتيجي ستيف بانون على أنه لا بدّ من التنويه بأنّ هذا الأخير عمل بعض الوقت مع «غولدمان ساكس»، كذلك فإنه تعاون مع موقع إعلاميّ يمينيّ أسّسه يهود، وعلى رغم هذه الحقائق، فإن اليهود يتهّمونه بـ«العداء للساميّة»، ويقولون إنّه يكره اليهود في حقيقة وجدانه، وقد يكون ذلك صحيحاً بالنظر إلى أنّ من يعاشر اليهود لا بدّ أن يتعرّف عن كثب إلى حقيقتهم القذرة، كما أنّ الأمر قد لا يكون صحيحاً… ، وزير المالية ستفين مانتشين، رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين للرئيس الأميركي غاري كوهن، رئيس لجنة السندات والقطع «SEC» جاي كلايتون، وهو محامٍ توكّل عن الشركة اليهودية، المستشارة لشؤون المشاريع الاقتصادية وتمكين النساء دينا باول، وقد يكون هناك بعض الآخرين أيضاً.

في المقابل، فإن اليهود أبدوا امتعاضاً قويّاً إزاء بعض تعيينات ترامب الأخرى، وبصورة خاصة تعيين وزيرَي الدفاع والخارجية اللذين يتّهمهما اليهود بعدم أخذهما مصالح «إسرائيل» على محمل الاهتما بما فيه الكفاية.

وما زال من المبكر توقّع مسار التطوّرات اللاحقة، لكن الأمر الثابت أنّ طرفَين متعاديَين يرصدان خطوات الرئيس الأميركي عن كثب وبعناية شديدة، وهما اللوبي اليهودي من جهة، وفي المواجهة التيار الأميركي ذو الطابع اليمينيّ «المعادي للساميّة» والرافض كلّياً خضوع الولايات المتحدة الأميركية لمشيئة اليهود، وقوّة هذا التيار آخذة في التنامي في الأوساط الشعبية، كما سبق أن استعرضنا الأمر في مناسبات عدّة.

باحث في الشؤون الصهيونية

 

نقلا عن جريدة البناء