الخبر وما وراء الخبر

كيف تصبــح انتحارياً؟

131
يعتقد كثيرون أن الفقر والعوز والحاجة دوافع كافية لانضمام الشباب إلى الجماعات المتطرّفة
 ذمار نيوز| العربي:
كيف يمكن إقناع شاب في مقتبل العمر تتهادى الأحلام والآمال أمامه، وعنفوان الطموح الجامح يحرك كل جوارحه، والدنيا بكل مباهجها أمام ناظريه، بأن يضغط زر هاتفه إيذاناً بتفجير جسده وتحويله إلى أشلاء ممزقة متناثرة؟ من يستطيع دفع شاب كان حتى وقت قريب يرتدي بنطاله الـ”جينز”، ويملأ الـ”جلّ” شعره، وملابسه تفوح منها روائح العطور، باتخاذ قرار حاسم ينهي به حياته؟
يعتقد كثيرون أن الفقر والعوز والحاجة دوافع كافية لانضمام الشباب إلى الجماعات المتطرّفة، التي تتخذ من العنف وسيلة لتحقيق أهدافها، وهو السبب نفسه الذي تستغلّه التنظيمات الجهادية لإقناع “الإنغماسيين” بتنفيذ الهجمات الإنتحارية.
غير أن وقائع وشواهد عديدة تدحض ذلك، من بينها تقرير أمريكي خلص إلى “أن غالب من يفجرون أنفسهم بدوافع دينية ينحدرون من عائلات غنيّة، ونالوا نصيبا جيّداً من التعليم، ويشهد لهم مقرّبون بأنهم متفوقون وأسوياء سلوكياً”.
توظيف
عقب كل تفجير انتحاري تسعى كثير من الأطراف إلى تحميل جهات بعينها مسؤولية الوقوف وراء العملية، بغية تحقيق مكاسب سياسية، لكن الشواهد تقول إنه من غير المنطقي والمعقول أن يفجّر إنسان نفسه إرضاء لشخص آخر أو لمكاسب مادية سيجنيها غيره بعد مقتله.
فالولاء العقدي في الإسلام من أقوى الروابط وأشدها تأثيراً على صاحبها، لذا لا يُكلّف القائمون على تجنيد الشباب الكثير من الجهد لإقناعهم بالقيام بتنفيذ العمليات الإنتحارية؛ فأمر كبير كهذا ينبغي أن تكون دوافعه ذاتية وبدون أي ضغوط أو إكراه.
فالشاب الإنتحاري لا يمكن إجباره إطلاقاً على القيام بعملية تفجير نفسه بحزام ناسف دون إرادته، وإن تم ذلك فالأولى أن يفجر الإنتحاري نفسه بمن أجبره على ذلك الفعل ما دامت النتيجة واحدة.
إقناع
تبدأ عملية اختيار الإنتحاري (الإنغماسي) قبل يوم واحد أو يومين على الأكثر من تنفيذ الهجوم، ويتولى أحد قادة التنظيم عرض تنفيذ العمليّة على جميع عناصر التنظيم دون تحديد المكان والزمان أو طبيعة الهدف أو تكليف شخص بعينه لتنفيذها.
وحال تطوّع شاب من تلقاء نفسه معلناً استعداده لتنفيذ العملية، يتولى أحد القادة بعدها مسؤولية “تثبيته والتأكد من رباطة جأشه وجديته وعزمه على تنفيذ المهمّة”، لتأتي بعد ذلك المرحلة الثانية من “التهيئة الإيمانية” التي يقوم بها عديدون من بينهم قيادات مؤثّرة بالإضافة إلى أقرب أصدقاء المتطوّع.
لحظة الفصل تبدأ بتجهيز الحزام الناسف أو السيارة المفخخة تبعاً لنوع العملية، ومن ثم ّ تدريب المتطوّع وتلقينه طبيعة المهمّة. وعبر كل تلك المراحل، يبقى المجال مفتوحاً أمام المتطوّع للعدول عن رأيه حال خالج الخوف قلبه، وأعلن عدم جاهزيّته بعد للقيام بالمهام الموكلة إليه.
تدليس

لا صحّة البتّة لما يشاع ويتناقله العامة عن قيام قيادات التنظيمات “الجهادية” بتفخيخ الإنتحاريين الشبان وإجبارهم على تنفيذ العمليات الإنتحارية وتفجيرهم عن بعد؛ فهذا النوع من العمليات يتطلّب تركيزاً ذهنيّاً ورباطة جأش وثباتاً قبل التنفيذ وأثناءه، ولا يمكن أن تتوفر هذه المقوّمات لدى شاب يعلم أن آخرين سيقومون بقتله بعد لحظات.
ويدحض هذا أيضاً شبهة تناول “الإنغماسي” أي نوع من المخدرات أو الحبوب التي تجعله مغيّباً، وتمنحه نشوة تعينه على تنفيذ قرار إنهاء حياته.

من أين يأتي الإنتحاريون؟
التجنيد الفعلي الذي تعتمد عليه تلك الجماعات مصدره المساجد وحلقات الدرس التي يقوم عليها كثير من المنتمين إلى تلك الفرق والتنظيمات. هذا الأمر يستغرق شهوراً طويلة وربّما سنوات أحياناً، يتم خلالها تدريس كتب معيّنة تدعو في معظم فصولها إلى الجهاد، وتبرز أهميته وفضله ومكانته في الإسلام، وتصويره بأنه السبيل الوحيد لدخول الجنّة ورضى الله، ويتم تدعيم ذلك بعشرات الشواهد والأدلّة من الكتاب والسنّة.
كما يستغل القائمون على هذه الحلقات الأوضاع المتردية في البلدان العربية، واستشراء الفساد في مفاصل كثير من أنظمة تلك الدول، بالإضافة إلى علاقتها وتحالفاتها مع الدول الغربية، أمريكا تحديداً، لإكمال دائرة التحريض والشحن اليومي المتواصل للشباب المنخرطين في تلك الحلقات، التي يدرّس فيها القرآن أيضاً والفقه وبقية العلوم الشرعية، ويتم عرض تلك الإشكالات والقضايا على معيار الدين ومقارنتها بقدرة إقناع مذهلة.
فقضية اعتبار وليّ الأمر “طاغوتاً موالياً للكفار ومعطّلاً لتحكيم شرع الله” رئيساً كان أو ملكاً أو أميراً لا تتم بالسطحية التي يعتقدها كثيرون، بل هي مسألة يخضعها متخصصون في أصول الشريعة لدى تلك الجماعات للمقارنة والقياس والعرض على الكتاب والسنّة، بفهم فقهاء معتبرين، يعتقد هؤلاء أن الأدلة التي يسوقونها كافية لإصدار الفتوى وفق ثوابت الشرع. ويصاحب هذا كلّه تحريض متواصل تستخدم فيه وسائل حديثة كالأشرطة المسموعة والخطب المرئية والأناشيد الحماسية.
كما تسدي الدول الغربية المصنّفة “كافرة” هذه الجماعات خدمات كبيرة، بتأييدها وانحيازها الدائم لإسرائيل على سبيل المثال، ومشاركتها في حملات عسكرية تستهدف بلداناً إسلامية، ما يعدّه هؤلاء اعتداءً وعدواناً ينبغي ردّه ومحاربته.
في العام 2012م، هاجم ثمانية شبان ينتمون لتنظيم “أنصار الشريعة” المنطقة العسكرية الرابعة في عدن، واشتبكوا مع وحدات من الجيش والشرطة لأكثر من 8 ساعات. كان أربعة من المهاجمين يتلقون دروساً في العقيدة والفقه في أحد المساجد بمدينة عدن. يعتقد الدكتور عبد الواحد محسن، أستاذ التنميّة البشرية والمتخصص في التفاوض والإقناع، أن “الظروف المعيشية الصعبة قد تدفع الكثير من الشبان في مقتبل العمر إلى ترك مقاعد الدراسة والإلتحاق بأعمال قد لا تناسب قدراتهم البدنية والعقلية بعيداً عن الأهل ومراقبتهم”. هذا تبرير يعتقد غالب الناس بأنه السبب الرئيس وراء عمليات التجنيد للإنتحاريين، غير أنه بحسب باحثين في شؤون الجماعات “الجهادية” لا يُعدّ كافياً لينخرط الشاب في صفوف الجماعات المتشددة.
يشير الدكتور محسن إلى مسألة هامّة في هذا السياق، تتعلّق بضرورة التفريق بين الجماعات “الجهادية” ذات المنطلقات العقدية البحتة، وبين الجماعات الرديفة التي تشكّلها وتشرف عليها وتمولها أجهزة استخبارات ودول بغرض خلط الأوراق وتشويه الصورة الناصعة للإسلام، وتقديمه كدين يتخذ من العنف والقتل والذبح والتعدّي والسلب والنهب وسائل لتحقيق الغايات، وفق تعبيره، مستدركاً بأن “هذا لا يعني أن الحركات والتنظيمات الجهادية العقدية على صواب في كل ما تقوم به، بل وقعت هي الأخرى في أخطاء فادحة وتم جرّها إلى مربّع ردات الفعل، وبالتالي الدخول في صراعات طويلة منهكة تضطرها في كثير من المواقف إلى التخلّي عن الضوابط الشرعية أو الأسس التي سنّتها قيادات تلك التنظيمات، فتنزلق إلى هوّة سفك الدماء وفتح الباب أمام أسماء وسلسلة طويلة من الأعداء ينبغي تصفيتها للوصول إلى الطاغوت، ومن هنا تتوسّع رقعة الأعداء لتشمل موظفين مدنيين ومحسوبين على الرأس المستهدف. ولأن التنظيمات الجهادية، العقديّة تحديداً، عرضة للإختراق والإستهداف من قبل أكثر من عدو، فهي بالتالي تفقد العديد من قياداتها ومنظّريها. خسارتها المزدوجة تلك تجبرها على الرد المبني على الضغينة، وتحت ضغط الإستهداف المتواصل، فتخرج بالتالي عن الضوابط الشرعية أو حتى تلك الخطوط التي رسمتها القاعدة على سبيل المثال، حين كان أسامة بن لادن أميراً لتنظيم القاعدة”.