الخبر وما وراء الخبر

المولد النبوي بين التكريم والتحريم ..!!

322

بقلم / فؤاد الجنيد

في الوقت الذي تعيش فيه أمتنا الإسلامية أسوأ حالاتها ومراحلها في مناخات من الآفات والفتن والإندفاع على زخرف الدنيا، تطل على اليمنيين وسائر المسلمين ذكرى المولد النبوي الشريف على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم، في جو من التجاذبات والفتاوى التي جعلت الإحتفال بهذه الذكرى بين مطرقة الإجتهاد وسندان الهوى السياسي والحزبي. فهناك من يرى أن الإحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف بدعة وضلالة، ويستدل بالقول إن النبي عليه الصلاة والسلام نفسه لم يحتفل بمولده، وكذلك الصحابة من بعده، مع أن كتب السيرة النبوية تؤكد أن السموات والأرض والشجر والحجر ابتهجوا بمولد النبي عليه الصلاة والسلام، وهناك الكثير من الآيات التي رافقت مولده .
إن زمن النبي صلى الله عليه وسلم وزمن الصحابة من بعده لا يحتاج تذكيراً بالمصطفى ولا بمولده، كون المصطفى ليس غائباً عن تلك الحقبة أبداً، وهو ماثل بينهم في سلوكهم وممارساتهم وأقوالهم وأفعالهم، التي ازدحمت بالعبادات الكاملة والمعاملات والجهاد في سبيل الله وعمل الخير وكف الأذى، والأهم من ذلك هو أن الأمة الإسلامية كانت تتسيد العالم يومها، وكان النبي هو قائدها الأوحد والقرآن الكريم دستورها العظيم، وبالتالي لم تكن الأمة في غفلة حتى تحتاج من يذكرها بنبيها ومرشدها. لكننا اليوم في زمن الغفلة والتيه والضياع، زمن الإنترنت وأجهزة الكمبيوتر وخدمات التكنولوجيا الرقمية، زمن أساطير الكرة والمصارعة والموضة، زمن القتل والسحل والذبح، زمن شبكات الدعارة والقنوات الإباحية، زمن التطبيل والتصفيق للظلم وازدواجية الأمن وحقوق الإنسان، زمن قدس الناس فيه أرباب السياسة والتفوا حولهم يفعلون ما يأمرونهم به فيحلون الحلال ويحرمون الحرام. نحن في عصر مسخ فيه شبابنا حتى صاروا يحفظون كل شاردة وواردة عن مهاجم كرة قدم برازيلي، ويعرفون كل صغيرة وكبيرة عن حياة ممثل تركي، وفي الوقت نفسه لا يعلمون كم عدد أولاد نبيهم المصطفى ومتى كان مولده..!!
إن الهوان الذي وصلت إليه الأمة اليوم والذل والخنوع أبعدها عن قائد الإنسانية الأعظم ومنهاجه القويم صلى الله عليه وسلم، وكسر شوكة المسلمين واخترق تعاليم الدين، فظهرت طوائف عدة تدعي الشريعة الإسلامية وتنفذ عكس هذه الشريعة ولها أدلتها وحججها التي لا تمت للدين بصلة.
كم نحن في أمس الحاجة للإلتفاف حول قائد الإنسانية الأعظم ومنهاجه وتعاليم دينه وتذكير الناس بمولده الذي كان حدثاً فارقاً ومصيرياً في تأريخ العالمين، وتعريف الناس بمناقبه وشمائله المحمدية وصفاته وسلوكه لنتأسى به في زمن الفجور والغلو والتطرف، ونجسد صفاته وأفعاله وأحداث سيرته الفذة وبطولاته وغزواته وعباداته ومعاملاته!
إن من يغتاظون اليوم من الإبتهاج بمولد سيد الخلق، ويحاولون التشكيك في إحياء وإثراء هذه المناسبة العظيمة وتذكير الناس بسيرة نبيهم العطرة وتخصيص أوقات للحديث عنها في المساجد والمؤسسات والمجالس والمنتديات، هم أنفسهم من يحتفلون بميلاد المسيح كل عام، ويبعثون ببرقيات التهاني للحكومات، بل ويشاركون في عيد الـ”كريسميس” ولا يرون للدين موقفاً من ذلك؛ وهم أنفسهم من يحتفلون بأعياد ميلاد أبنائهم وزوجاتهم ويتباهون بنشر صور الحفلات في مواقع التواصل الإجتماعي وهم يقطعون التورتة ويطفئون الشموع.
من يجعلون للشجرة عيداً والأم عيداً والحب عيداً والمعلم عيداً والمرور عيداً ولكل مناسبة وطنية ذكرى وعيداً يملأ الآفاق ضجيجاً، يستكثرون اليوم تذكير الناس بمولد الشفيع النذير، ويحرمون الإبتهاج والفرحة بذكرى مولده، متناسين عشرات الآيات القرآنية التي مضمونها وجوب أن يكون الرسول أحب للمؤمنين من أنفسهم وأهلهم وأموالهم وتجارتهم، وقبل هذا يغضون نظرهم عن تكريم الله لرسوله في الشرح “ورفعنا لك ذكرك”..
كم هو مؤلم ومخز أن نرى الحملات الشرسة والمتكررة وهي تحاول النيل من المصطفى وأخلاقه وسماته قدحاً وذماً، وتنشر الكاريكاتيرات والومضات التي تسيء إليه وتعاود بث الأفلام المسيئة التي تطعنه في عرضه وتمسخ حقيقته، ونحن لا نحرك ساكناً لأننا غارقون في البحث والتنقيب عما إذا كان الإبتهاج بمولد النبي حلالاً أم حراماً ..!!
كم هو مؤسف أن تفرد قنوات الإعلام العربية والإسلامية استوديوهات خاصة وتغطيات عدة حصرية لأيام وأسابيع تتحدث فيها عن سين من الزعماء أو صاد من الساسة، بينما لا تسخر ولو يوماً واحدا في العام لخير من وطأ الثرى بقدميه!