التحالف مع الشيطان.!
د. صادق القاضي
كإصبعين عملاقين محترقين، بدا مركز التجارة العالمي في منهاتن، لبرهة قبل أن ينهار في مشهد عالمي أسيف.. أشارت فيه الأصابع ببداهة إلى أفغانستان، هناك لعبت أمريكا بالنار التي أحرقت أصابعها في النهاية.!
في وقت سابق دفع الرئيس السادات -الذي شارك أمريكا لعبة الجهاد الأفغاني منذ البدء، بل واستخدم الإسلاميين سلاحا لدحر الشيوعيين في الداخل-دفع حياته ثمناً لنفس اللعبة.. قبل أن يدرك أن الخصوم السياسيين ليسوا أخطر من الحلفاء المتطرفين.
لكن مصرعه كان درسا بليغا في هذا الشأن: لا يمكن الثقة بحركات الإسلام السياسي المسلح أو حتى الأعزل، هذه الكائنات التي تبدو سخيفة، ويمكن الاستفادة من خلال اللعب بها، تستفيد من كل طرفٍ وتجربة، وتلعب في النهاية بكل اللاعبين.
بعد سقوط “صدام حسين” تغاضت سوريا عن عبور الإرهابيين حدودها إلى العراق، التي قامت لاحقا بالمثل، ربما انتقاما أو لتخفيف الضغط الإرهابي عن الداخل، بتصديره إلى سوريا التي كانت من قبل تريد إغراق أمريكا في ما سُمّي “المستنقع العراقي”، والحصيلة أن العراق وسوريا يغرقان الآن معا في مستنقع الجماعات الإرهابية.!
في كل حال كان الرئيس بشار محظوظا أكثر من الرئيس القذافي الذي زعم ذات نشوة عن ثقة أنه زعيم الحركات الإسلامية في العالم.!
لقد أثبتت التجارب بأكثر مما يكفي، أن التحالف مع هذه التيارات المتطرفة، غير مأمون العواقب، وأن استخدامها لدحر الخصوم السياسيين من أي نوع، لعبة سياسية خطرة، قد تحقق مكاسب سياسية آنية محدودة، لكنها لا تلبث أن تنفجر عاجلا أو آجلا في وجه لاعبها حتى لو كان في رحاب الله يؤدي الصلاة في مسجد يوم جمعة رجب.!
مناكفةً لسياسة “المالكي” في العراق، أطلقت بعض النخب السنّيّة، على “داعش” مسمى “الثوار”، في محاولة سخيفة لمعالجة سلبيات سياسة المالكي، تجاه السنة، بوضع الطائفة السنية والعراق برمتها في كف عفريت داعش..!!
نفس اللغة المراوغة والممارسات المتواطئة، تكررت وتتكرر في اليمن، مناكفةً لسياسة الحوثي، بالحديث عن القاعدة تحت عناوين: المقاومة والجيش الوطني وكرامة تعز وقبائل إب، واللجان الشعبية للعدين والبيضاء ورداع.. !!
حتى العمليات الإرهابية الدامية ضد “أنصار الله” كانت وما تزال تُستقبل بالكثير من الحفاوة والتشفي، وبملامح انتقامية فرحة وقحة واثقة بالبقاء ومنتشية بالانتصار..!
كما فعل التواطؤ مع “المغول” في وضع حدٍ نهائي للمؤامرات والدسائس والخيانات التي كانت تعج بها الدولة الإسلامية العجوزة المتهالكة في القرن السابع.. ربما يضع التواطؤ مع الإرهاب حداً نهائياً لسياسة المناكفة والمكابرة، والمؤامرات اللئيمة الحاكمة لمنطق التدافع السياسي العربي في المرحلة المنحطة الراهنة.!
كل من يدعم الإرهاب أو يتعامل معه، أو يتغاضى عنه، أو يقبله لخصومه.. لا بد أن يحترق به، وفي ضوء التجارب المتواترة يمكن قراءة المستقبل السياسي لدول الخليج، فلا أحد أبعد من أمريكا عن يد الإرهاب، ومع ذلك وصلت شرارة الإرهاب في “غزوة منهاتن” إلى نيويورك، حيث بدا مركز التجارة العالمي، لبرهة، كإصبعين عملاقين محترقين.