الخبر وما وراء الخبر

ترامب… والبقرة الحلوب

228

بقلم / أحمد صالح النهمي

بعد أن فاز المرشح الجمهوري دونالد ترامب على منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون في السباق إلى الرئاسة الأمريكية خلافا لكل التوقعات واستطلاعات الرأي، ما هو مستقبل التحالف الأمريكي السعودي؟ وهل ستشهد الأيام القادمة استنزافا أمريكيا لما تبقى في ضرع البقرة من حليب؟

وإذا جف ضرعها هل ستسلمها الإدارة الأمريكية الجديدة إلى الجزار ؟ أم أن الأمر مجرد تصريحات عنترية لكسب الناخب الأمريكي ولن يتغير النهج السياسي للخلف عن السلف شيئا؟ للاقتراب من الإجابة على هذه الأسئلة لا بد من الأخذ في الاعتبار طبيعة العلاقة الاستراتيجية بين السعودية وأمريكا التي وضع أسسها الأولى الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، والرئيس الأمريكي روزفلت على ظهر السفينة الحربية بقناة السويس عام 1945م، فهي علاقة ممتدة في الزمن ومتشابكة في المصالح المتبادلة التي تقوم على أساس (النفط السعودي مقابل الحماية الأمريكية) والقضاء على أي مشروع عربي نهضوي تحرري يشكل خطرا على الكيان الصهيوني في أي دولة عربية خدمة لمصالحهما؟ بيد أن كثير من الباحثين السياسيين يرون أن ثمة مستجدات اقتصادية وأيدلوجية طرأت على المشهد السياسي والاقتصادي في البلدين من شأنها أن تجعل الولايات المتحدة الأمريكية تعيد النظر في طبيعة علاقتها بالبقرة الحلوب، وأبرزها أمران : أولهما :تراجع احتياجات أمريكا لنفط السعودية بفعل النفط الصخري الذي سيحرر أمريكا من حاجتها لهذه المادة الحيوية من السعودية ودول الخليج.

والأمر الثاني: أن التحالف مع النظام السعودي قد أصبح مكلفا على أمريكا مع مرور الوقت، فقد بات مفضوحا للعالم أن هذا النظام وأيدولوجيته الوهابية يشكل المنبع الأساسي الذي تفرخت منه الجماعات التكفيرية التي تشكل اليوم تهديدا حقيقيا للاستقرار ليس في المنطقة العربية غير المستقرة أصلا، وإنما امتد آثارها إلى كثير من بلدان العالم، وإذا كانت أمريكا ومن يدور في فلكها قد ساعدت على تنمية الفكر المتطرف في بعض المراحل لتوظيفه صالحها في مواجهة روسيا في أفغانستان ، وفي إقلاق الأمن في بعض الدول، وكما توظفها اليوم في ليبيا وسوريا واليمن وغيرها، فإن ثمة مؤشرات تقول بأن هذه الجماعات التكفيرية قد يخرج من رحمها غدا الوحش الذي يصعب التحكم فيه، ولن تقتصر آثاره المدمرة على المنطقة العربية، بل ستطال أمريكا نفسها . على أن ثمة من يرى أن توريط الأمريكان للسعودية في سوريا وفي ليبيا وفي عدوانها على اليمن يأتي في إطار سيناريو التعجيل بانهيار النظام السعودي، وإبعاد كل تعاطف عربي معه، حتى إذا وقت الذبح لن تجد من يدافع عنها.

لا شك أن المصلحة الأمريكية هي الترمومتر الذي ينظم علاقاتها بغيرها، ومن مصلحة الأمريكان اليوم أن تستنزف ثروات المملكة والخليج إلى أبعد مدى، ولا سيما أن التهيئة لذلك قد تم رسمها من عهد الرئيس أوباما بعد إقرار قانون (جاستا)، ولعل عين دونالد ترمق من الآن الودائع والأصول المالية في أمريكا والتي تقدر ب750 مليارات بينها 119 سندات خزانة، كمرحلة أولى، ثم تأتي المرحلة الثانية للمطالبة بتعويضات 11 سبتمبر التي يقدرها الخبراء بــ 3.3تريليون دولار .

إن الحل الحقيقي اليوم للمنطقة العربية للتخلص من الهيمنة الأمريكية يكمن في قيام أنظمة ديمقراطية مدنية عادلة، ويجب أن يبدأ ذلك من شبه الجزيرة العربية، ليس لأنها مهبط الوحي السماوي وحاضنة البيت الحرام، وإنما لوجود أنظمة دكتاتورية تسلطية تتربع على أكبر ثروة في العالم، ظلت أداة بيد النفوذ الأمريكي يستخدمها لإخماد أي مشروع للإصلاح والتغيير في العالم العربي، ولا شك أن الخطوة الأولى تبدأ من هزيمة التحالف السعودي وانكساره في عدوانه على اليمن، وهو أمر سيشكل تحولا مفصليا في قيام الدولة اليمنية المدنية العادلة المتحررة من كل أشكال الوصاية، والتي ستهب رياحها إلى دول الجوار وغيرها.