الخبر وما وراء الخبر

إلى ساسة صنعاء… تخففوا تلحقوا!

173

والبلد بانتظار أن تعلن حكومة بن حبتور؛ ثمة تساؤلات عن أسباب تأخرها، وهل من عوامل وجيهة فرضت ذلك؟ وهل دنا أوانُ إعلانها أو لا يزال بعيدَ المنال، وهل من لزوم لها إذا الخلاف جوهري بين ركنيها؟

وإذ لا إجابةً شافيةً في متناول اليد لتحفّظ كلا الطرفين (أنصار الله والمؤتمر) عن ما يجري بينهما من مداولات، فلا بد من التذكير بظروف تشكيل آخر حكومة قامت في صنعاء وهي حكومة بحاح، والتي استغرقت 25 يوما من يوم صدور التكليف في 13 أكتوبر 2014 إلى يوم إعلان التأليف في 7 نوفمبر 2014، متحاشيا ما حدث لاحقا لأن المقالة تستعرض فقط المقارنة بين ظروف تشكيل أحاطت بكلا الحكومتين لنتمكن من تقييم المرحلة الحالية المحيطة بحكومة بن حبتور.

الجميع يعرف أنه وبعد 21 سبتمبر 2014 وعلى أنقاض حكومة باسندوة المشكلة وفقا للمبادرة الخليجية سيئة الصيت، وعلى أطلال فرقة علي محسن الأحمر؛ دخل الساحة السياسية تيار ثوري شعبي اسمه (أنصار الله)، وبتطلعاته الوطنية التحررية والاستقلالية ظلت حالة الاصطدام قائمة مع باقي القوى السياسية التقليدية، ورغم توقيعها على اتفاق السلم والشراكة لكن المرحلة التي أعقبت ذلك لم تكن سلما ولا شراكة.

وبعد فشل محاولة فرض بن مبارك رئيسا لحكومة ما بعد اتفاق السلم والشراكة، حط الحظ على المندوب الدائم لليمن لدى الأمم المتحدة حينها خالد بحاح، وصدر أمر تكليفه بتشكيل الحكومة بعد خمسة أيام من سقوط خيار بن مبارك، والمؤاخذة عليه أنه لم يأت بتوافق، وإنما كان مرشح السفارات الأجنبية حاولت فرضه على البلاد كما أسماه السيد عبدالملك في خطاب متلفز بتأريخ 8 أكتوبر 2014، وبعد هذا الخطاب أعلن هادي قبوله اعتذار بن مبارك عن عدم تشكيل الحكومة، ولم تتراجع المؤسسة الرئاسية مجانا إذ سرعان ما حصل الانتقام بتفجير انتحاري استهدف مظاهرة ميدان التحرير في الـ9 من أكتوبر 2014.

وجاء أمر تكليف بحاح في مرحلة مضطربة سياسيا وأمنيا واقتصاديا وعلى كافة الصعد، والبلاد يتنازعها خطان أحدهما يستند إلى شرعيته الشعبية والثورية، والآخر متعلق بالخارج.

وبمرور الأيام كان التنازع يشتد، وجرائم الاغتيالات تضرب في العاصمة والمحافظات، أبرزها اغتيال صاحب الشعار الشهير “الدولة المدنية الحديثة” الدكتور محمد عبدالملك المتوكل في الـ2 من نوفمبر2014، وما حمل ذلك من رسائل إفقاد اليمن أبرز كوادره الدولتية، وبعد الجريمة الشنعاء بخمسة أيام أعلن عن تشكيل حكومة بحاح بـ34 حقيبة وزارية، حكومة حملت معها بذورَ فشلها، إذ سرعان ما خرج المؤتمر الشعبي العام – جناح صالح- ينفض يده عنها، معلنا رفضه المشاركةَ فيها، داعيا لمن عُيِّن فيها من كوادره أن يعتذروا عن عدم المشاركة، ومؤاخذتُه أن هادي استبد بتشكيلها، ولم يأخذ مشورة الحزب.

من جهتهم أعلن أنصار الله تحفظهم، مشددين على ضرورة الالتزام ببنود اتفاق السلم والشراكة ومعايير “الكفاءة والنزاهة”، مستنكرين إعادة إنتاج وجوهٍ متورطة في ملفات فساد، مطالبين بإزاحتها.

ليس ذلك التنازع الداخلي فقط ما أحاط بتشكيل حكومة بحاح، بل حتى الخارج ساهم إلى حد كبير في تسميم الساحة الوطنية، بقيام مجلس الأمن الدولي بإدراج الرئيس السابق صالح واثنين من قيادات أنصار الله هما عبدالخالق الحوثي وعبدالله الحاكم فيما سماه “بالقائمة السوداء”، وأن يتزامن ذلك الموقف الدولي مع إعلان تشكيل حكومة بحاح، فمن الطبيعي أن يزيد من الاحتقان الداخلي، ويساهم في تعزيز عوامل الشك والريبة بين الأفرقاء السياسيين في وقت كان يفترض أن يسهل الخارج مهمة الحكومة لولا أن ثمة أمورا كان يجري تحضيرها في الخفاء لإجهاض مفاعيل 21 سبتمبر، واجتثاث أي قوة سياسية ليست منصاعة للخارج.

وبذلك الاستعراض لتلك المرحلة نخلص إلى التالي:

-أن أغلب القوى السياسية لم تكن تملك مشروعا وطنيا جامعا.

-أن الساحة السياسية موبوءةٌ بمرض “تضخيم دور الخارج” وإعطائه حقا في إدارة شؤون البلاد أكثر مما تعطي لنفسها ولأفرقائها في الداخل.

وتعاقبت الأحداث إلى حد أن دخلت البلاد في “نفق الفراغ” جراء استقالة هادي وحكومة بحاح تمهيدا للخارج أن يتدخل على طريقته، فكان العدوان والحصار.

ونتج عن ذلك:

-صمود الشعب اليمني، وصعود أنصار الله كتيار يقف في الطليعة بكل جدية وصلابة رفضا للعدوان والحصار.

-تموضع المؤتمر الشعبي العام- وهو من الأحزاب التقليدية- في الموقع المناهض للعدوان والحصار.

وبعد 16 شهرا من مواجهة العدوان، كان ولا يزال الشعب اليمني يجريها أنهارا من الدم والدمع، فقد أعطى “القوى السياسية الفاعلة” وقتها الكافي والأكثر من الكافي لأن تتقارب وتتحاور وتتفاهم، وتطوي صفحة “الحروب الست” وتبدأ فتح صفحة جديدة عنوانُها: (اليمنُ فوق كل اعتبار).

وأخيرًا تمكن الطرفان (أنصار الله والمؤتمر) لأن يعلنا في الـ28 من يوليو 2016 “اتفاقا ثنائيا” يقضي بتشكيل مجلس سياسي أعلى لإدارة شؤون البلاد، وهو ما تم في الـ6 من أغسطس، تلا ذلك في الـ13 من الشهر ذاته أن فتح مجلس النواب أبوابه لمنح الثقة، وفي اليوم التالي أدى رئيس وأعضاء المجلس الأعلى اليمين الدستورية أمام برلمان عمرُه من عمر نوح عليه السلام.

رحب الشعب  بالتقارب بين “أنصار الله والمؤتمر” ، وحضر إلى ساحة السبعين في الـ20 من أغسطس 2016 مباركا.

وانفضَّ الجمع على وعد بأن تشكل الحكومة خلال فترة وجيزة، تقديرا بأن “العدوان والحصار” فيهما ما يكفي بأن تتحدَ جهودُ الإخوة ” الأعدقاء” لمواجهة ما يتربص باليمن أرضا وإنسانا، إلا أن تلك الأحلام وللأسف الشديد تبخرت جراء ما حصل من تباطؤ: سواءً في اختيار الاسم المناسب لتشكيل الحكومة، والذي استغرق البحث عنه قرابة 42 يوما منذ مظاهرة السبعين حتى الـ2 من أكتوبر بإعلان تكليف الدكتور عبدالعزيز بن حبتور، أو في “مرحلة التشاور ” الممتدة حتى اليوم (35 يوما)!

كل تلك المدة من الفراغ الحكومي ساهمت في إثارة ما يفترض أن يكون (العدوان) قد دفنه تماما، لتعاد إلى الواجهة مخاوف جدية بأن تكون بعض القوى السياسية لا تزال تلقي بالا للخارج وتبدو به مكترثة، وترى له حقا بأن يتدخل في شؤون البلاد، وتنظر إلى ” كيري” الآفل نجمُه عما قريب بأنه هو “السيد المخلص”!

وإذا كانت هذه العقلية لا تزال موجودة، فذلك يعني أن مرض “تعظيم الخارج” لا يزال مستشريا، وهو ما يستدعي أن يعيد الدكتور بن حبتور التفكير مليا في مسألة تكليفه بتشكيل الحكومة، وألا يذهب مذهب سلفه بحاح حين خدع الناس، وتهرب عن المسؤولية بإعلان استقالته إلى جانب هادي على قاعدة “عليّ وعلى أعدائي”.

والدكتور بن حبتور ليس مضطرا لأن يقود حكومة أحد ركنيها يعتبرُ الأمريكي مسموعَ الكلمة، والآخرُ يراه أساس العدوان على اليمن.

وإلى جميع ساسة صنعاء تذكروا مقولةَ الإمام علي عليه السلام: “تخففوا تلحقوا”!

تخففوا مما بينكم، ومن نظرة “التضخيم” لما حولكم؛ تلحقوا بركب الأمم التي نهضت وهي أقل إرثا منكم!

علي شرف الـمَحَطْوري