اعتراف السعودية بمجزرة العزاء مقدمة لاعترافه بفشل العدوان
بقلم / عبد الباري عطوان
اعتراف التحالف السعودي رسميا بمجزرة العزاء بصنعاء يجب أن يكون خطوة للاعتراف الأهم بفشل العدوان على اليمن وإعلان وقف كامل وغير مشروط لإطلاق النار.. من قدموا المعلومات المغلوطة وحرضوا على القصف لا مستقبل لهم في “اليمن الجديد”.
اعترف التحالف العربي الذي تقوده السعودية ويشن عدوانا على اليمن منذ عام ونصف العام، أن طائراته هي التي قصفت مجلس العزاء في صنعاء السبت الماضي، وأدى إلى مقتل 146 معزيا وإصابة المئات، وقال إن هذا القصف نجم عن خطأين أساسيين:
الأول: تقديم الجيش اليمني الموالي للرئيس عبد ربه منصور هادي معلومات مغلوطة عن وجود قيادات عسكرية في العزاء.
الثاني: أن هذه الغارات “الدرامية” تمت دون الحصول على الموافقة النهائية لقيادة التحالف، ودون اعتماد الاجراءات الاحترازية اللازمة.
هذان العذران أقبح من الذنب الأصلي، وتبريرات تدين التحالف وقيادته وعدوانه وإدارته للحرب في اليمن، فكيف تقوم طائرات بقصف مجلس عزاء بالأساس، في خرق لكل الأعراف الإسلامية والأخلاقية، وحتى القبلية، حتى لو كان بين الحضور قيادات عسكرية؟ إنه سقوط أخلاقي لا يمكن تبريره بأي أعذار استخبارية أو أخطاء بشرية.
ثم كيف يقول بيان فريق التحقيق إن هذه الغارات الدرامية تمت دون الموافقة النهائية لقيادة التحالف؟ فهل هذا يعني أن طائرات التحالف تقصف المدنيين، وترتكب المجازر دون أخذ أوامر صريحة من قيادتها؟ هل هي “حارة كل من ايده اللو”؟ وهل بهذه الطريقة تخاض الحروب وتدار؟
***
السفن الحربية الأمريكية التي قصفت رادارات تابعة للتحالف “الحوثي الصالحي” بذريعة أنها أطلقت صاروخين باتجاهها في البحر الأحم، لم تفعل ذلك إلا بعد الحصول على موافقة الرئيس الأمريكي باراك أوباما شخصيا، فالحروب ليست لعبة، واتخاذ قرار خوضها يخضع لإجراءات وترتيبات بإشراف القيادة الأعلى في الدول، سياسيا وعسكريا.
إنه التخبط في أبشع صوره وأشكاله، وما حصل أن هذه الضربات الجوية لمجلس العزاء جاءت بناء على “تخمينات”، أو “توقعات”، بأن الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، والسيد عبد الملك الحوثي، أو من ينوب عنه من أشقائه، أو كبار قادته، سيكونون على رأس المعزين، ولهذا صدرت الأوامر بالقصف وارتكاب هذه المجزرة بالتالي.
وحتى لو افترضنا أن الرئيس صالح وحليفه عبد الملك الحوثي كانا من بين المعزين، فهل من أخلاق العرب قصف مجلس عزاء، وقتل وإصابة المئات من المعزين المدنيين الأبرياء، بالإضافة إلى ذوي الفقيد المفجوعين بمصابهم وفقدانهم لعزيز قومهم؟
ما هكذا تورد الإبل، وما هكذا تدار الحروب، وليس هذه هي المجزرة الأولى، ومن المؤكد أنها لن تكون الأخيرة، طالما أن هذا العدوان مستمر، وتسود قيادته الفوضى وانعدام الانضباط السياسي والعسكري معا.
هذا العدوان يجب أن يتوقف وتنسحب كل القوات السعودية والخليجية من اليمن فورا في إطار اتفاق وقف إطلاق نار غير مشروط، وتبدأ المفاوضات ليس من أجل حل سياسي فقط، وإنما تقديم تعويضات عن كل الدمار الذي لحق باليمن، وضحايا جرائم الحرب التي ارتكبت على أرضه.
فإذا كان جيش الرئيس هادي هو الذي قدم المعلومات عن وجود قيادات عسكرية في مجلس العزاء، وحرض على قصفه، مثلما جاء في بيان التحالف، فإن هذا الجيش وقيادته لا يتمتعون بأي شرعية، ولا يجب أن يكون لهم أي دور في مرحلة ما بعد اتفاق وقف إطلاق النار، والعملية السياسية التي ستنطلق لاحقا لترتيب البيت اليمني، وتحقيق المصالحة الوطنية، ومثل هؤلاء ينطبق عليهم المثل الانكليزي المعروف “في ظل وجود هكذا حلفاء فمن يحتاج أعداء”.
***
ولكننا في انتظار اعتراف أهم، يتلخص بأن الحرب التي فرخّت كل هذا الدمار وحمامات الدم قد فشلت في تحقيق أي من أهدافها، وألحقت ضررا بالغا بأصحابها والذين أطلقوا غارتها الأولى.
ننتظر اعتذارا واضحا، ولا لبس فيه أو غموض، للشعب اليمني العربي الأصيل عن كل ما لحق به من دمار وأضرار بشرية ومادية، مرفوقا باستعداد كامل للتعويض وإعادة البناء.. وهذا في رأينا يعتبر الحد الأدنى المطلوب، والكلمة النهاية تظل لهذا الشعب الشهم الشجاع الذي ينضح عزة وكرامة وشرف.
نقلا عن رأي اليوم