خلفيات إنشاء كيان ” آل سعود ” ودورها في خدمة الصهيونية العالمية
بقلم / فضل عباس جحاف
الأحداث السياسية والعسكرية التي يشهدها الوطن العربي حالياً تسير في اتجاه متوازي وبنفس السرعة ولتحقيق ذات الأهداف التي تسعى قوى بعينها لتحقيقها في إطار تنفيذ مشروعها العالمي والذي رسمت له خطط مرحلية التنفيذ منها إنشاء كيان آل سعود في الجزيرة العربية. وكانت أولى مراحله في مطلع القرن العشرين شهد خلاله العالم حرباً بين القوى المتصارعة من أجل السيطرة على العالم سياسياً واقتصادياً وبقوة السلاح الذي حسم نتائج الحرب العالمية الأولى لصالح بريطانيا وفرنسا اللتين أستغلتا النصر في تحقيق مكاسب سياسية بناء على اتفاقيات وتفاهمات بينهما لتقاسم تركة الرجل المريض الدولة العثمانية التي إنهارت بعد خسارتها في الحرب العالمية الأولى.
ولعل أبرز الأحداث السياسية التي تزامن حدوثها مع الحرب العالمية اتفاقية سايكس بيكو ١٩١٦ م وهو التفاهم السري بين بريطانيا وفرنسا والذي بموجبه تم تقسيم منطقة ” الهلال الخصيب” ومناطق غرب آسيا بينهما. واتفاقية سايكس بيكو التي سبقت وعد بلفور٢ نوفمبر١٩١٧ والذي أعلنت فيه الحكومة البريطانية تأييدها إنشاء وطن قو مي لليهود على أرض فلسطين، لقد كانا حدثين سياسيين يكتنفهما الغموض والسرية ولم يكشف عنهما إلا بعد وصول الشيوعيين إلى سدة الحكم في روسيا عام ١٩١٧ حيث تبين أن الحدث الأول ممهد للحدث الثإني وفق الخطط المرحلية للسيطرة على العالم والتي اتضحت أبرز معالمها ومراحل تنفيذهما وأول خطواتهما بتنفيذ اتفاقية سايكس بيكو بهدف تقسيم الوطن العربي إلى دول وكانتونات سياسية وادخالها في صراعات طائفية وعرقية متنقله بين دول المنطقة واستمرار إبقاءها في حالة لا مستقرة.
ونستطيع القول أن اتفاقية سايكس بيكو في ظاهرها تهدف لتقاسم مناطق النفوذ بين طرفي الاتفاق اللذين حرصا على غموض أهدافه وسرية موعد إبرامه وتبين بعد إنكشاف الاتفاق لاحقاً أن له أهداف مخفية تختلف عن الأهداف الظاهرة وتنتهي بإنتهاء الوجود البريطاني الفرنسي الإستعماري في الوطن العربي بينما الأهداف الخفية هي ذات أبعاد مستقبلية تضمن تحقيق المرحلة الأولى من خطط السيطرة على العالم وتمهد للمراحل القادمة. وهذه الأهداف الخفية اتخذت اتجاهين متوازيين، الاتجاه الأول يسير نحو تهيئة الوطن العربي لتقبل واقع جغرافي جديد عقب إنتهاء الحرب العالمية وشاهدنا أنه شهد ولادة كيانات سياسية عربية من رحم الإستعمار البريطاني في الجزيرة العربية ومن ثم استكمال التقسيم.
ولإضعاف سوريا عقدت في ١٩٢٣اتفاقية “لوزان” لتعديل الحدود التي أقرت في معاهدة “سيفر” و بموجب معاهدة لوزان تم التنازل عن الأقاليم السورية الشمالية لتركيا اتاتورك وقسمت هذه الاتفاقية وماتبعها سوريا الكبرى أو المشرق العربي إلى دول وكيانات سياسة حرصت بريطانيا وفرنسا على فترات زمنية متتابعة الاعتراف بها كدول مستقله وإدخالها في نزاعات سياسية حدودية مع الحرص على تأجيج الصراعات الطائفية والعرقية ليسود المنطقة المحيطة بفلسطين حالة من التوتر وعدم الإستقرار وإغراق شعوبها في صراعات متنوعة فيما بينهم لينسوا فلسطين التي بقيت تحت رعاية دولية أقرتها الاتفاقيات السالفة الذكر .
أما الإتجاه الآخر لأهداف سايكس بيكو الخفية فله بعد دولي يسير في زيادة الضغط على الدول العربية حديثة النشأة والإستقلال للقبول باليهود ودولتهم المنتظر إقامتها على أرض فلسطين بعد أن يعترف بها المجتمع الدولي لاحقاًفي المرحلة الثانية من خطط السيطرة على العالم إنطلاقاً من قلب الوطن العربي. غير أن مجريات الأحداث وخلفياتها تؤكد أن ثمة وجوداً يهودياً يتمتع بصفة عالمية وأن المراحل القادمة ستكشف دور اليهود الأساسي والمحوري في صنع الأحداث والمتغيرات في العالم وأنهم القوة الخفية التي تدير العالم في اتجاه تنفيذ مشروعهم الساعي للسيطرة على العالم. واستطاعوا بقوة نفوذهم المالي في العالم أن يبقوا الطرف الثابت غير المتغير في خطط السيطرة على العالم والمحرك للطرف الآخر المشارك لهم والمتغير بحسب ما تقتضيه ظروف مراحل الخطط الزمنية وتطورات الأوضاع في العالم. بل إن اليهود استغلوا إنتشارهم في أنحاء العالم وقوة نفوذهم المالي في السيطرة على مراكز القرار في الدول الأوروبية بقوة المال اليهودي الذي لعب دوراً فاعلاً في تحريك الأحداث وصناعتها في اتجاه تنفيذ مخططات وضعها اليهود وتولى تنفيذها البريطانيين والفرنسين في المرحلة الأولى من خطط السيطرة على العالم وهوما كشفته المراسلات بين “تشرشل” رئيس وزراء بريطانيا و”حاميم وايزمان” أول رئيس وزراء للكيان الصهيوني التي نقلها في مذكراته.
من هذا الرسائل قول تشرشل لوايزمان ” أريدك تعلم يا وايزمان أنني وضعت مشروعاً لكم ينفذ بعد نهاية الحرب العالمية الثانية يبدأ بأن أرى أبن سعود سيادته على الشرق الأوسط وكبير كبرائه، على شرط أن يتفق معكم أولاً ومتى قام هذا المشروع عليكم أن تأخذوا منه ما أمكن وسنساعدكم في ذلك وعليكم كتمان هذا السر ولكن أنقله إلى روزفلت وليس هناك شيء يستحيل تحقيقه عندما أعمل لأجله أنا وروزفلت رئيس الولايات المتحدة الأمريكية” وإن بدأ من نص الرسالة أن تشرشل هو من وضع المشروع لكن الحقيقة أن تشرشل لم يكن سوى منفذ لمخطط المشروع في هذه المرحلة حيث أن المراحل القادمة ستشهد تحولاً في القيادة من بريطانيا إلى أمريكا وهو ما يؤكد تغير القيادة التي تتولى تنفيذ مراحل الخطط بينما يبقى الطرف الثاني ثابتاً وهم اليهود القوة الخفية المحركة للأحداث.
ولا يعني هذا تجاهل أدوار شركائهم في خطط السيطرة على العالم فالدور البريطاني كان دوراً فاعلاً في تهئية المنطقة للقبول باليهود ليس كعرقية أو قومية وإنما كدولة وعلى أرض فلسطين والذي يبدو أمراً مستحيلاً غير أن بريطانيا عملت على مدى ثلاثة عقود بدءاً من ١٩١٦ تاريخ اتفاقية سايكس بيكو أول خطوات إقامة دولة صهيونية على أرض فلسطين وتلاحق تنفيذ خطوات أخرى أهمها إقامة كيان آل سعود في الجزيرة العربية التي وقف الإنجليز خلف إنشاء كيان آل سعود كخطوة مرحلية لإقامة الدولة الصهيونية. وحرصت بريطانيا على إنشاء كيان آل سعود الذي أتى قبل إنشاء اسرائيل ومهد الطريق أمام إنشاء الكيان الإسرائيلي وعمل آل سعود على تنفيذ كل ما أوكل إليهم من مهام تصب في اتجاه التأثير القوي والفعال على الدول العربية للقبول بقيام اسرائيل على فلسطين فعندما يصمت السعوديون سيصمت الباقون. والأهداف البريطانية من وراء كيان آل سعود قبل إنشاء الكيان الاسرائيلي أهداف تمهد لإقامة دولة صهيونية في فلسطين وأهداف إستراتيجية مستقبلية بعد الإعتراف بالكيان الصهيوني كدولة على أرض فلسطين يقوم آل سعود بضمان حمايتها في مراحلها الأولى خوفاً من أي مشاريع قومية أو دينية عربية تسعى لإزالة إسرائيل ليس بمواجهة عسكرية وإنما السعي لتقويضها ومحاصرتها من خلال استخدام الثروات الهائلة المخزونة في باطن الحجاز ونجد في شراء المواقف والولاءات أو استغلال قداسة الحرمين الشريفين الدينية في مواجهة القوى والدول المناهضة للصهيونية وللحديث بقية.