الخبر وما وراء الخبر

السجن الإداري!

323

بقلم / عبد العزيز بدر القطان

تنتاب المتأمّل المستبصر في القضايا البشرية المصيريّة تساؤلات مؤرّقة لانْزلاقها المتزايد نحو الإجرام المنظم اللامبرر المنطوي تحت مسميات يُسوِّغ لها أصحابها ويقوْننها مستخدموها في إطار حشد المصطلحات لتبرير أفعالها الإجرامية…

فما سبل ردع المجرم عن قتل رهائنه؟ والإرهابي عن تصفية جسده وأجساد الأبرياء؟ والحاكم عن استفحال أفعاله العنفيّة؟؟ هل من رادع عن الإجرام المنظم والممارسات العنفية المختلفة المنطوية تحت عناوين لا تفقه من القواميس اللغوية بشيء؟؟؟

بالطبع بلى!

وهنا بيت القصيد… بتنا نسمع بمصطلحات وإشكاليات تبرر اللاعقلانية الانسانية وتحول بوصلة الحق والصدق عن مسارها الإنساني ليصار الى ابتكار وسائل وتشريعات قانونية تبيح للمستبد بممارسة (العنف المشروع) كالسجن الإداري، أو الاعتقال الإداري أو السياسي… فما هي هذه المصطلحات اللا قانونية ؟؟ ومن الذي شرّعها؟؟ وكيف تطوّر مفهومها؟؟

لا يوجد قانون في العالم يسمى السجن الإداري، إذ لا يمكن أن يسجن أحد في العالم الذي تحكمه القوانين، إلا إذا اتهم عبر لائحة اتهام مباشر يوقع عليها المدعي العام، وتكون موجهة ضد شخص قد ارتكب جريمة أو مخالفة قانونية، تعاقب عليها القوانين المرعية الإجراء….

السجن الإداري بدعة لجريمة بريطانية !!!!!

من عهد الاستعمار القديم حيث العنف الذي كان هو المسلك للإيذاء المعنوي أو الجسدي لإنكار الآخر أو إلغائه حتى أصبح ظاهرة إنسانية شاملة…

والإمبراطورية البريطانية العُظمى حتى الآن تعيش دون قانون، والمحاكم يقودها قضاة يحكمون حسب السجل التاريخي للمحاكمات حيث يأخذ قضية من الماضي شبيهة بالتي يعالجها فيتبع سلفه ولو كان قبل نصف قرن على سبيل المثال ويصدر حكمه.

هذا المصطلح يسمى بالانكليزيّة precedance أي الأسبقية…

حكم الأسبقية هذا قانون همجي تعسفي لا عقلاني يتيح لأي سلطة مخوّلة أو غير مخوّلة أن تعتقل أي إنسان دون تهمة موجهة إليه وأن تُمدد اعتقاله مرة تلو الأخرى، أو للأبد حتى…

ولا يحق بحسب الاستعماريين لأي أحد أن يعترض، أو أن يبدي رأيه..

إن الاعتقال الإداري وما أدراك ما هكذا مصطلح ؟؟

مصطلح بربري

يسلب الحرية الشخصية

ويمنع الحركة الانسانية

ويشل حركة الجماهير عن ممارسة حقوقهم الإنسانية، ويُخرس أصواتهم حد البُكم فلا يقدرون على رفع احتجاجاتهم إلى بلاط الأمميين…

لقد أخْنَى التحديث على تعريف المصطلحات السياسية … وباتت الشعوب المضطهدة ثائرة في تيارات تحقيق الذات وبات العقل العربي المأزوم ينفض غبار عقدة الاضطهاد رغم أن العرب انتقلوا من ظلم السيادة التركية العثمانية إلى نيران السيطرة الغربية، وامتلأت شجون المستعمر بالسكان الإداريين وتلوثت أيديهم بدماء الأبرياء وشاعت فكرة الإضراب عن الطعام !..

فلماذا كل هذا ؟؟

ولماذا يُضرب الأسير عن الطعام ؟؟

عند تمديد فترة الاعتقال الإداري مرتين أو ثلاث مرات، يعرف الأسير أن القرار الجائر للمستعمر هو إبقاؤه في السجن لأطول مدة ممكنة فيبدأ الأسير بردة فعل عكسية تقضي بإضرابات عن الطعام لتحريك الرأي العام وتسليط الضوء على هذا القرار التعسفي الهمجي، ولحشد تضامن شعبي يقضي بالضغط على العدو للإفراج عنه أو وقف تمديد الاعتقال الإداري…

إضافة إلى دور هذا الإضراب على الناحية النفسية للأسير، إذ أنه يثبت لنفسه بأنه مازال موجوداً ويستطيع تسجيل المواقف والملاحم البطولية ولو كان خلف القضبان.

كما وأنه يفيد بشحذ همم المجتمع الإنساني خارج السجن وداخله ويظهر الأسير بمظهر المناضل المقاوم في سبيل الحاجات الإنسانية الأساسية.

كذلك فإنه يعطي فرصة للمنظمات الدولية والأممية التي يقال أنها تعنى بحقوق الانسان للتحرك وفق منظومتها الأخلاقية…

وبحسب نظرية أينشتاين في النسبية يتوجب عليها تطوير الأخلاق والقيم وفق التعامل، إذ أن الثابت الوحيد الأكيد اليوم هو التغيير. لذلك على المنظمات الدولية أن تعمل بجهد مشترك وجماعي على بلورة قيم إنسانية شمولية عالمية، تدعم ترقية الانسان ورَوْحنَتَه مستخرجة إياه من مستنقع المصطلحات الزائفة الداعمة للاستعمار.

والنتيجة من هذا الحراك تراكم سلبي ضد الكيان الصهيوني الاسرائيلي فيكون من المبرر عمليا ًأن خطف إسرائليين من أجل إتمام صفقة تبادل، تكون مجدية، بل هي من أقوى العمليات العسكرية لأنها بذلك تجعل العدو يخضع لإرادة الأسير القوية …

إن العالم اليوم وفي هذه الفترة بالذات، في حالة غيبوبة تامة عن جرائم العدو الإسرائيلي في عالمنا العربي رغم كل ما يجري في اليمن والعراق وسوريا وليبيا والبحرين، وقريباً في الجزائر كما رأيناه ونراه في تونس ومصر..

تقوم الدول المستعمرة على تربية الجماعات البشرية على الدفاع عن المغتصبين للحرية الإنسانية، بحجة الديموقراطية.

فالعنف واغتصاب الحقوق الإنسانية شرعة ديموقراطية مبررة لمخطط أمريكي بأداة إسرائيلية يُشن على الأمة العربية، التي نسيت وتناسى بعض حماها ما يجري على أرض فلسطين، والصمت العربي الرسمي حيال هذه القضية، لهو الشريك الأساس بين أنظمة المتواطئين مع الكيان الإسرائيلي الأمريكي، لشطب القضية الفلسطينية من الخريطة السياسية، وجذب الأنظار نحو ترهات داعش والجماعات التكفيرية.

رغماً عن المعاناة والقهر والاضطهاد شكّل أطفال الحجارة بأجسادهم مدرعات بشرية وحملوا مشاعل الحرية لتبقى فلسطين قلب الأمة النابض بالثورة رغم تقصير السلطة وصناع القرار بذريعة العجز العسكري، واستطاعوا فتح هوة في جدار الرأي العام العالمي.

ليبرمان تحدث مرارا أنه على اتصال مباشر بالفلسطينيين، وأعتقد أنه يقصد وجوه فلسطينية مدعومة سعودياً وخليجياً وأنها ستلعب دوراً شبيهاً بالمعارضة السورية في الرياض أي لصالح المخطط الصهيوني، وهنا ذكر ليبرمان أنه أعدّ خطة للعقاب الجماعي ضد الفلسطينيين وسيعرفون من خلاله أن السيادة لنا؛ بعني لأمريكا وإسرائيل.

وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على أن الاعتقال الإداري سيعرض على كل الشعب الفلسطيني هذه المرة.