الخبر وما وراء الخبر

توافق وشراكة

152

علي أحمد جاحز

من الواضح ان ما بعد فشل مشاورات الكويت لن يكون كما قبله ، وايضا ما بعد الاتفاق السياسي لن يكون كما قبله ، سواء بالنسبة للمنظور الداخلي او المنظور الخارجي لمستقبل الواقع اليمني الذي بدأت ملامحه تتشكل شيئا فشيئا وبوتيرة متسارعة .
وبالتالي فإن تشكيل المجلس السياسي الاعلى وإحياء المؤسسة الدستورية المتبقية لتبارك الاتفاق والمجلس وتصبغه بصبغة المشروعية الشعبية التي لايزال مجلس النواب يستمد منها مشروعيته ، كانت بمثابة خطوة استراتيجية هامة وفاعلة و ستؤتي ثمارها بإذن الله في المدى القريب ، ان على المستوى الداخلي او على المستوى الخارجي المعقد والمليء بالتعقيدات والآمال والطموحات والخيبات والمبشرات .
وحضور ممثلي الكثير من البعثات الدبلوماسية الدولية وعلى راسها القائم بأعمال السفير الروسي الذي اعلن تأييد بلاده للاتفاق وللمجلس بشكل صريح ، إضافة الى حضور القائمين بأعمال كل من سفارة سوريا وايران وبعض البعثات مثل اليونيسف واليونسكو غيرها يعد مؤشرا على قدرة الاتفاق في اختراق الموقف الدولي المتصلب .
خطوة الاتفاق لوحدها جاءت مفاجئة للعالم وأحدثت ارباكا لحسابات وتكتيكات تحالف العدوان ومن يقف وراءه ، وفي المقابل كانت بمثابة بشارة للداخل احدثت حالة من الاسترخاء والطمأنينة والثقة في الذات، وتتالي الخطوات التي تترجم ما تم الاتفاق عليه يعطي زخما اكبر للحدث وان كانت قوى العدوان والمجتمع الدولي الذي يراقب بصمت قد امتصت الصدمة وصارت تتعمد إظهار الهدوء واللامبالاة ، في حين لا يبدو أنها كذلك بأي حال ويكشف ذلك الهيستيريا في التصعيد على المناطق المدنية وارتكاب الجرائم بشكل لا يفهم منه الا انهم في قمة الانفعال والتوتر.
ثلاث جلسات تاريخية شهدها هذا الاسبوع ، اثنتان نيابيتان وواحدة رئاسية ، خلال الاولى والثانية عاد البرلمان للانعقاد وبارك الاتفاق وأدى المجلس السياسي الأعلى اليمين الدستورية امامه ، و في جلسة القصر الجمهوري جرى تسليم الرئيس صالح الصماد و نائبه العلم الجمهوري من قبل رئيس اللجنة الثورية العليا محمد علي الحوثي في احتفالية بروتوكولية يمكن ان تقرأ بكونها تكريما لرئيس اللجنة الثورية وتجسيدا لمبادئ وطنية تحكم الاطراف التي تتولى قيادة اليمن خلال هذه المرحلة الدقيقة .
من خلال التدقيق في مراسم تسليم العلم الجمهوري ، وقراءة الية التسليم و دلالاتها ، يمكن أن نفهم شيئا مهما عن طبيعة حكم المرحلة ومبادئ تلك الحاكمية ، المتوقع ان يستلم العلم و يقبله الرئيس بحسب المعتاد ، لكن الذي جرى ان يدين استلمتا العلم من يد رئيس اللجنة الثورية العليا ، هما الرئيس صالح الصماد ونائبه قاسم لبوزة في نفس الوقت و قبلاه بالتناوب ، الأمر الذي يمكن ان نقرأه بكونه رسالة تقول ان المرحلة محكومة بالتوافق بين القوى التي اتفقت ، وان المسؤولية في ادارة البلد ستكون مشتركة ، وان اليمن – مرموز له بالعلم – أمانة في يدين هما انصار الله وحلفاؤهم  والمؤتمر وحلفاؤه ، وان تقلد أي منهما منصب الرئيس والآخر النائب لا يعني ان احدهما بإمكانه أن يتخذ قرارا انفراديا في ما يخص القضايا الاستراتيجية .
هذا المشهد ليس سوى إشارة وامضة على الشراكة والتوافق التي طالما تحدث السيد القائد عنها باعتبارها مبدأ أساسيا في كل مراحل الثورة ، واعتقد أن قرآءة الاتفاق تحمل الكثير من الاشارات الصريحة والمباشرة على أن المرحلة محكومة بالتوافق والشراكة ، الأمر الذي يجعلنا نحسم الجدل الدائر حول صلاحيات مجلس النواب والمجلس السياسي الاعلى وايهما يحكم الاخر .
في الواقع الاتفاق السياسي هو حاكم المرحلة والتوافق والشراكة هي حاكمة الاتفاق السياسي وما يخرج عنه ، ومجلس النواب بارك الاتفاق السياسي والمجلس السياسي ولم يمنحه الثقة ، وهناك فرق بين المباركة التي تعطي الصبغة الدستورية وبين منح الثقة التي تعني القدرة على سحبها ، فالبرلمان حين يعطي الثقة في الحكومة يستطيع ان يسحبها ، وهو ما لا ينطبق باي حال على ما جرى ويجري بعد الاتفاق السياسي .
خلاصة القول ، يبقى البرلمان مؤسسة تشريعية وليس هيئة سياسية ، وبحكم المرحلة الاستثنائية فان الاتفاق السياسي اليوم هو حاكم المرحلة وصاحب السلطة السياسية العليا ، تماما كما كانت المبادرة الخليجية في مرحلة ما ، الأمر الذي يجعل البرلمان مؤسسة دستورية تعطي المشروعية لكل الخطوات التي تنتج عن التوافق والشراكة بين قوى الاتفاق السياسي .