الخبر وما وراء الخبر

عن الصرخة والشعار

289

بقلم / د.جمال الشهاري

 قامت الدنيا ولم تقعد عندما رفع أنصار الله شعار الصرخة (الله أكبر-الموت لأمريكا-الموت لإسرائيل-اللعنة على اليهود-النصر للإسلام)، وشنت عليهم الحروب تلو الحروب، وتبخرت شعارات الديموقراطية وحرية الرأي والتعبير، وجُرِّم حملة هذا الشعار، وزُجَّ بهم في السجون والمعتقلات، وقتل منهم من قتل، ودمرت بيوت، وشرد أهلها، ويُتِم أطفالها، وكان أشد هذا الكيد والمكر إيلاما هو ما قام به شيوخ الفتنة والنفاق من الدعاية والتشويه لهذا الشعار وأهله، وما أثاروا حوله من شبهات وصلت حد التحريم والتكفير، مستغلين حب الناس لدينهم ومعتقدهم، وكان مما أثير حول هذا الشعار من شبهاتٍ هو:

أنه بدعة وكل بدعة ضلالة، ونسوا بل تجاهلوا أن الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد نص صريح بالتحريم، وتجاهلوا أيضا شطر الحديث النبوي: ومن سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، وبينما كثير من شيوخ الفتنة يدعون بهلاك اليهود والنصارى وأشياعهم في صلواتهم وقنوتهم، وركوعهم وسجودهم، ويرون ذلك من أجل العبادات وأعظم القربات، أصبح الهتاف والدعاء على شر فئتين من اليهود والنصارى (إسرائيل وأمريكا) بدعة محرمة!! … أما اللعن لليهود فقد استنكروه استنكارا كبيرا برغم أن الله تعالى لعنهم في كتابه، فقال جلَّ من قائل: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ)، وأما الهتاف بالنصر للإسلام فما العيب فيه؟ ألا يدعون الله أن ينصر الإسلام والمسلمين في كل وقت وحين؟ ومن العجيب حقا أن تجد بعضا من شيوخ الإخوان ممن حارب هذا الشعار وحرمه، تجده لا يمانع أن يهتف الإخوانجية بشعارهم المعروف: “الله غايتنا، والرسول قدوتنا،…” فإذا هتفوا بشعارهم هذا فهو حلال، أما الهتاف بشعار أنصار الله فحرامٌ وإثم مبين!! تُرى هل لأن فيه الموت لأمريكا الموت لإسرائيل؟؟…

وقال البعض ممن يرى في نفسه الحكمة والحنكة أن الهتاف بهذا الشعار سيؤلب علينا أمريكا، ويثيرها علينا، ويجعلها تجر جيوشها وأساطيلها لاحتلال بلادنا، وتجاهل هؤلاء أن الأمريكان والصهاينة لهم مشاريعهم في المنطقة، وهم يخططون لاحتلال أرضنا ونهب ثرواتنا منذ أمد بعيد، وهم أصلا مستثارون ضدنا بطبيعة تربيتهم ونشأتهم وثقافتهم وأطماعهم، ولم تكن أفغانستان تصرخ بالشعار، ولا صرخت به العراق ولا ليبيا، ولم تصرخ به سوريا، وسواء صرخت تلك الدول بشعار الصرخة أم لم تصرخ فالنتيجة واحدة لا تتغير، وهي أن أمريكا وحلفاءها من الصهاينة والدول الغربية لها مشاريعها وأطماعها ولعل أبرزها هو مشروع الشرق الأوسط الجديد، الذي يُراد من خلاله إعادة تقسيم المنطقة العربية إلى دويلات صغيرة مجزأة حتى يسهل احتلالها ونهبها وفرض الوصاية عليها. وقال البعض ممن في قلبه مرضٌ أن أنصار الله كاذبون في ذلك الشعار، وأنه لغرض المزايدة وكسب تعاطف الناس معهم، فرد أنصار الله عليهم وقالوا إذا احملوا أنتم شعار الصرخة هذا وانظروا هل سيحمله معكم أنصار الله أم لا، فإن لم يحملوه معكم ويهتفوا به معكم تكونون بذلك قد كشفتم كذبهم وزيفهم. وقال البعض أيضا ممن يتبنى دعوة السلام والإنسانية بأن هذا الشعار يدعو إلى الموت والهلاك لشعوب ليس كلُ من فيها محارب، بل إن الكثير من بعضها مسالم يدعو إلى السلم والسلام، وهذا حقا عجيب فهؤلاء لم يزعجهم أبداً دعاء الشيوخ بهلاك كافة اليهود والنصارى –وأشياعهم- في كل صلاة، واستنكروا شعارا يدعو بالموت لأمريكا كطاغوت متجبر في الأرض، كشيطان أكبر ينشر الفساد والإفساد، كدولة معتدية ظالمة، وليس لأحاد الناس وعامتهم، ولعلهم يعرفون ذلك لكنه الكيد والمكر لا أكثر، أما إسرائيل فهي دولة معتدية ظالمة مغتصبة لأرض طاهرة مقدسة، وقاتلة لأهلها، ومشردة لساكنها، وزوالها مطلب ديني قبل أن يكون مطلبا إنسانيا وأخلاقيا، ولا ينكر ذلك إلى منافق معلوم النفاق. كما أثار البعض شبهة أن الهتاف بهذا الشعار ضوضاءٌ وإزعاج ليس من ورائها طائل أو منفعة، ونقول لهم كلا بل فيه من الفوائد الكثير والكثير ولعل أهمها:

1. أنه رفع شعار المرحلة التي نعيشها في هذا العصر، فبين للأمة عدوها الحقيقي وهو أمريكا الشيطان الأكبر الذي يسعى في الأرض فسادا وظلما وجورا، وكذلك حليفه إسرائيل، هذا العدو هو الذي يجب أن تتوجه بوصلة العداء إليه ليس فقط من العرب والمسلمين بل ومن كل الشرفاء والأحراء على هذه المعمورة.

2. بين الشعار بأن العدو الذي تخشاه الأمة مهما كان قويا وكبيرا، فإن الله هو الأكبر والأقوى، وبالتالي تتولد في أفئدة الناس وأرواحها ودمائها ثقافة الإيمان بالله، ثقافة الصمود، ثقافة الإباء، والعزة والكرامة، وقد تجلى بعض من آثار هذه الثقافة المباركة في الانتصارات العظيمة التي يحققها رجال الله في الميدان.

3. بين الشعار الموت لأمريكا الموت لإسرائيل، أنه لا يتحقق سلام وأمان في الأرض كلها إلا بزوال هاتين الدولتين، لأنهما الشيطان الأكبر وأرباب الظلم والفساد في الأرض.

4. بين هذا الشعار الحقيقة القرآنية التي تفضح اليهود بأنهم فئة ملعونة خبيثة، لا عهد لها ولا أمان، ولا يؤمن لها جانب، فقد خانت الله وأنبيائه على مر العصور، واستحقت لعنته إلى يوم الدين، وأصبح أقل واجب إزاء هذه الفئة هو الحذر منها وعدم ائتمانها على عهد أو ميثاق، والعمل على كشف مخططاتها ودسائسها، فهذا دأبها، وكتاب الله قد بين هذا.

5. من مزايا الشعار أنه ولا شك يغيظ أعداء الله، ويريهم من المؤمنين قوة وعزة، وذلك يندرج في قوله تعالى: (وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ).

6. أن هذا الشعار يولد ثقافة وبيئة معادية للشيطان الأكبر أمريكا وربيبتها إسرائيل، وأمريكا ولا شك تعرف خطر ذلك على مخططاتها في المنطقة، لأنها لا تريد أن تنشأ الأجيال القادمة على معاداتها ومحادتها، فهي تريد المنطقة مسالمة مدجنة لها، حتى يسهل عليها تجنيد العملاء والخونة لتنفيذ مخططاتها.

7. هذا الشعار لم يحمل أي صيغة مذهبية، أو توجه طائفي، فهو يستوعب كل الناس، وكل حر وشريف، في راية جامعة ضد شياطين الجور والفساد في الأرض، الذين يسعون في بقاع الأرض بالقتل والفتن والحروب والدمار. ذلك بعض ما يحضرني الآن من خواطر وأفكار عن الشعار الذي صرخ به السيد حسين بدر الدين الحوثي رحمة الله تغشاه وسلامه ورضوانه عليه، هو ونفرٌ قليل من الشباب، عندما لم يكن لديهم ما يملكونه لمواجهة الشيطان الأكبر أمريكا وحليفه إسرائيل، لا مال ولا سلاح ولا عتاد ولا جاه ولا نفوذ، ورأوا أن عليهم واجبٌ ومسئولية أمام الله، أن يواجهوا طاغوت الشر ذاك، ولم يجدوا ما ينفقوه وما يواجهوا به إلا أن تهتف حناجرهم بذلك الشعار، فتقبله الله منهم بقبول وحسن ولم يكن إلاّ هتافا، وبارك في إيمانهم وصدقهم وصبرهم، وها هو الشعار يجلجل في الآفاق، بل تعدى البلاد إلى خارجها، ولله درُّ الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين عندما قال: اصرخوا وستجدون من يصرخ غيركم، والحمد لله رب العالمين، الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام.