هل سيستطيع الأميركيون تأخير الاندفاعة العراقية نحو الموصل؟
شارل أبي نادر
قد يكون ما استدعى وصول وزير الدفاع الأميركي اشتون كارتر على عجلة وبزيارة سريعة دون الإعلان المسبق عنها الى العراق واجتماعه برئيس الوزراء حيدر العبادي ووزير دفاعه وبقائد قوات التحالف شون ماكفرلاند هو تفاجؤ إدارته بمسؤوليها وبقادتها العسكريين بالهجوم الناجح الذي نفّذته الوحدات العراقية المختلفة وسيطرت من خلاله على مدينة القيارة وقاعدتها الجوية العسكرية جنوب مدينة الموصل، في الوقت الذي كان هؤلاء وحسب تقديراتهم ومعطياتهم ومخططاتهم يعتبرون أنّ ذلك لن يحدث بهذه السرعة وبهذه الطريقة الصاعقة.
عملياً، لم يكن بسيطاً ما حدث ميدانياً في شمال صلاح الدين وامتداداً الى جنوب الموصل فقد سيطرت الوحدات العراقية على مدينة وقاعدة القيارة العسكرية الجوية الواقعة على مسافة حوالي 60 كلم جنوب الموصل على الضفاف الغربية لنهر دجلة، وذلك عبر مهاجمة التفافية من الجهة الغربية اعتباراً من مكحول شمال غرب بيجي وامتداداً الى تل الباج فالقيارة، وعلى مسافة حوالى 80 كلم خلال فترة قياسية لا تتجاوز الـ 48 ساعة، في الوقت الذي كان داعش وأغلب المراقبين ينتظرون الهجوم من اتجاه مخمور شرقاً، حيث احتشدت وحدات من الجيش العراقي ومن البشمركة وعلى مسافة لا تبعد أكثر من 20 كلم من القيارة.
من خلال هذه المهاجمة الناجحة على وحدات داعش في القيارة وعلى قاعدتها العسكرية استطاعت الوحدات العراقية خلق واقع ميداني جديد في المناطق الحيوية التي كان يسيطر عليها التنظيم جنوب الموصل والتي هي عملياً كانت تعتبر منطقة المدافعة الرئيسة عن عاصمته في العراق، وذلك ما بين مدن الحويجة في شمال غرب كركوك والشرقاط كآخر مدينة يسيطر عليها داعش في صلاح الدين والقيارة التي تمّ تحريرها، ويمكن القول الآن إنّ هذا المثلث قد فقد ركنه الاساسي في القيارة شمالاً وتمّت زعزعة قاعدته الجنوبية بعد عزل الحويجة عن الشرقاط، واللتين أصبحتا شبه محاصرتين وتنتظر فيهما وحدات داعش الاستسلام أو التسلل شمالاً نحو الموصل أو شمال غرب نحو تلعفر.
هذه المعادلة الميدانية التي استجدّت اذن في الشمال العراقي وعلى المداخل الحيوية لمدينة الموصل عاصمة داعش في العراق استوجبت تحرّك الولايات المتحدة الأميركية على وجه السرعة، والذي أوحى من خلاله وزير دفاعها بأنه حريص على دعم الإجراءات الميدانية للوحدات العسكرية العراقية وبأنه وباسم دولته قادم لتقديم المساعدة ولتفعيل هذه الإجراءات تنفيذاً لهدف التحالف ضدّ الإرهاب الذي تقوده حكومته لم تكن ما يتمنّاه الأميركيون حقيقة ويمكن من خلال ربط معطيات ووقائع مشبوهة ميدانية وسياسية وديبلوماسية عدة رافقت معارك الجيش العراقي ووحدات الحشد الشعبي ضدّ داعش في الرمادي وغرب الأنبار سابقاً أو في الفلوجة مؤخراً قبل السيطرة عليها وخلالها وبعدها، وكان للإدارة الأميركية السياسية والعسكرية وقع مؤثر فيها ان نستنتج اسباب الذعر والمخاوف الاميركية من هذا النجاح الميداني العراقي شمالاً والتي هي:
– لا ينظر الأميركيون بتاتاً بعين الرضى لأيّ نجاح ميداني عسكري تحققه الدولة العراقية ويكون للحشد الشعبي دور فاعل فيه. وهذا ما يفسّر دائماً معارضتهم في السياسة أو من خلال الضغط الديبلوماسي او من خلال الإعلام في فضائيات خليجية مرتهنة لتوجهات أجهزة مخابراتهم لاشتراك وحدات الحشد الشعبي في معارك مهاجمة داعش، وذلك في الرمادي ومناطق غرب الأنبار سابقاً أو مؤخراً في الفلوجة، وحيث تربط الولايات المتحدة الاميركية دائماً هذا الموضوع بالعمل لإضعاف دور إيران المتصاعد في المنطقة، حيث تعتبر أنّ دعم الأخيرة للحشد الشعبي في العراق معطوفاً على دعمها لحزب الله اللبناني كمقاومة ضدّ العدو الإسرائيلي أو كحليف فاعل للدولة وللجيش الشرعي في سورية، وما يحققه هؤلاء من تقدّم في مواجهة محور الحرب على سورية أو محور الحرب ضدّ الإرهاب في المنطقة بشكل عام يُعطي إيران وحلفائها نقاطاً استراتيجية مهمة ستضاف أساساً إلى مكانتها وقدراتها الفاعلة في المنطقة، وهذا ما تخشاه وتعمل على إبعاده لأسباب متعدّدة تتعلق بمصالح «إسرائيل» أولاً وبمصالح حلفائها الخليجيين أصحاب رؤوس الأموال الهادرة والجاهزة دائماً لرفد اقتصادها ومصانع أسلحتها بالعملات النادرة الصعبة.
– أيضاً لا يستهضم الأميركيون أبداً حدوث أيّ اختلال في التوازن بين ما عملوا عليه وخططوا له في كلّ من العراق من جهة أو في سورية جهة أخرى، وحيث إنّ أية خطوة عراقية وطنية على طريق هزيمة داعش بسرعة تتجاوز التوقيت الذي وضعوه وتأثير ذلك على خربطة المعادلة المتوازية ما بين سورية والعراق كما اختاروها، سيشكل ذلك بالنسبة لهم اختلالاً في معادلة التوازن التي يتحكّمون فيها من خلال قيادتهم وسيطرتهم وإدارتهم لمناورة استغلال حركة الإرهاب على الميدانين السوري والعراقي واللذين تربطهما ببعضهما بشكل وثيق ومتداخل خاصة في ما يتعلق بمستقبل ما يسعون له من مشاريع تقسيم أو تفتيت وما للدور الكردي المشترك في كلّ من الدولتين المذكورتين من أهمية في إكمال هذا المخطط.
وأخيراً… هل ستستطيع الحكومة العراقية أن تتحرّر من الرضوخ الخجول لتمنيات الولايات المتحدة الأميركية حول ما هو مناسب لمصلحة الدولة والشعب والجيش في العراق وذلك من خلال استكمال خطة تحرير الموصل ومحيطها بقرار وتخطيط وتنفيذ وطني عراقي خالص بمعزل عن أية استشارات أميركية مشبوهة وملغومة أو بدون أية مساعدة او دعم أميركي لم يكن يوماً الا إعلامياً فقط أم أنها سوف تستسلم لهذه التمنيات الأميركية الخبيثة والتي لم ينتج عنها إلا الدمار والقتل والخراب في العراق، وتبقى معركة القضاء على داعش تدور في دوامة التأجيل والتأخير بانتظار استكمال معطيات الأجندة الأميركية في الشرق والمحيط؟
نقلا عن جريدة البناء