إلى أدعياء الثقافة :هل لا تزال تعز … موجودة في تعز ؟
د عرفات الرميمة
إذا أراد الإنسان العاقل أن يُقيّم أفعاله الماضية ، عليه أن ينظر إلى نتائجها في الوقت الحاضر ،فإذا كانت النتائج منطقية ومقبولة فهذا يعني أن المقدمات كانت صحيحة ،أما اذا كانت النتائج كارثية فهذا يعني أن المقدمات كانت خاطئة .
هذا هو حال تعز في الوقت الحاضر . فاذا خلى كل تعزّي منا بعقله لبعض الوقت بعيدا عن العقل الجمعي – الحزبي أو المناطقي الذي يحوّل الفرد إلى حيوان يفكر بعقلية القطيع – وتجرد من جميع العواطف والتحيزات -المناطقية والحزبية والمذهبية التي تشكّل فيروسات تمنع العقل من التفكير السليم – وسأل نفسه : ما الفائدة الاستراتيجية التي جنتها تعز من منعها للجيش واللجان الثورية من الانتشار في بعض مديرياتها ؟ بمعنى آخر : إذا استولت مليشيا الإصلاح ودعاة الفكر الوهابي التكفيري الداعشي – وهو ما يسمى مجازاًالمقاولة – على تعز هل ستؤثر على صنع القرار اليمني وتغيّر خارطة اليمن السياسية والعسكرية في الداخل والخارج ؟ وبمنطق علماء أصول الفقه يجب أن نقارن بين المنافع التي جنتها تعز بوقوفها مع العدوان في وجه انتشار الجيش واللجان الشعبية في بعض مديريات تعز وبين المضار والمفاسد التي جنتها المدينة من ذلك العمل الغير وطني والغير أخلاقي ، ولا يغيب عن تلك المقارنة استحضار القاعدة الأصولية القائلة : درء المفاسد مقدم على جلب المصالح . لو استخدمنا العقل والمنطق في الإجابة لعرفنا وفهمنا أن منع الجيش واللجان الشعبية من الانتشار في بعض مديريات تعز واستيلاء مليشيات اللقاء المخترق بالمال السعودي على بعض مناطقها – خصوصا حزب الإصلاح والتكفيريين – لن يُغير شيئا يذكر في صنع القرار السياسي اليمني سواء في الداخل أو الخارج ، مع الأعتراف بأن المضار أكثر من المنافع بالنسبة لسكان المدينة لأنه كلّف تعز أثماناً باهظة تمثلت بتدمير البنية التحتية بشكل شبه كامل وتدمير بيوت المواطنين وبكسر أواصر النسيج الإجتماعي بين سكانها وبسفك دماء خيرة أبنائها – من الطرفين – وتوقف مظاهر الحياة ونزوح معظم سكانها إلى صنعاء وإب والأهم من كل ذلك هو الصبغة المناطقية النتنة والتعالي الأجوف الذي يجعل من تعز أهم بكثير من اليمن ويجعل العدو السعودي والاماراتي – والسوداني والصومالي والسنغالي والإريتري ومرتزقة البلاك ووتر وجرين جروب من مختلف الجنسيات – أقرب لها – ولبعض أبنائها- من أبناء وطنها والتباهي بأن أولئك الغزاة المحتلون للأرض والمنتهكون للعرض ، أتوا محررين لتعز من جيشها ولجانها الشعبية . لقد تعامل بعض أبناء تعز مع الحدث بعاطفة عمياء تشبه تعامل القطة التي تأكل أبناءها – خوفا عليهم من عدو متوهم قابع في لا شعورها المريض – فالخوف يجعل العقل يتوقف عن التفكير وينسى الواقع وينشغل بما سوف يقع .
لو تعامل أبناء تعز مع الجيش واللجان الشعبية بواقعية سياسية وبعقل منفتح – بعيدا عن المنظور الحزبي الضيق والمناطقي الأعمى والمذهبي الأعور وتقيحات الأنا الشيطانية التي ترى نفسها خير من الآخرين – كما تعاملت معهما بقية المحافظات – التي لم تمسها عدوى الثقافة – لما وصل حال المدينة الى ما هو عليه الآن ، لكن البعض من أبنائها تعامل مع الوضع بشكل عاطفي ساذج ناتج عن الشحن الإعلامي -الذي يخاطب الغريزة ولا يخاطب العقل – وهو أقرب لعناد الأطفال والطبائن ولا يمت للواقع السياسي بصله وهو أشبه بمنطق اللامنطق الذي جعل الوقوف مع العدو الخارجي ضد أبناء البلد مقاومة – هم بالأصح مقاولة لأن مليشا الإصلاح تقاولت على تخريب تعز بمبلغ ٣٠٠مليون ريال سعودي كما صرّح بحاح – وحارب أبناء بلده بسلاح المعتدي وماله وهذه سابقة تاريخية سوف تدخل أبناء المدينة المثقفين موسوعة جنيس للخيانة الوطنية و للغباء السياسي .فالحالمة التي استجارت من رمضاء الجيش بنار مليشيات الإصلاح وبعض الدواعش التكفيريين حالتها اليوم وهي متخمة بالمسلحين والمرتزقة من معظم دول العالم – بكل أنواع الأسلحة في كل حارة وفي كل مديرية – ومتخمة بالزبالة القاتلة في شوارعها – التي لا يقل خطرها عن خطر المسلحين نتيجة لتلك الأوضاع – وبضياع رأسمالها الاجتماعي وبظهور الثارات التي لا ولن تنتهي بانتهاء العدوان السعودي ، تلك الحالة المزرية التي تسر العدو وتغيظ الصديق تدل على أن بعض أبناء الحالمة قد ساروا في الاتجاه الخاطئ بفعل الشحن الإعلامي الممنهج – خصوصا قناتي الجزيرة والحدث الأكبر من العربية ومنابر الإصلاح ودعاة الفكر الوهابي التكفيري – وانعدام أفق الرؤية السياسية التي قرأت الواقع السياسي والعسكري لتعز مبتوراً عن سياق الوضع السياسي والميداني لليمن ككل .
لقد هربت تعز من وهم احتلال جيش الدولة إلى واقع مليشيات الإصلاح ومرتزقة البلاك ووتر وظهور إمارة الدفع المسبق – داعش – بشريحتين : شريحة باب الكبير نظام أبو العباس وشريحة الجمهوري نظام أبو الصدوق وهي التي تفرض واقع اللادولة – بكل ما تعنيه الكلمة و بحكم قانون ملء الفراغ في الكيمياء الذي يتحدث عن الغازات – الحالمة اليوم هي عاصمة الشقابة والدبور والمليشيات والمرتزقة والجنجويد التي جعلت من حمل السلاح الذي عابته على الآخرين سابقا مظهرا حضاريا لها لتبقى الحالمة تعيش على وهم الأحلام هربا من جحيم الواقع وتنتظر من يوقظها من سباتها الدجماطيقي عل وعسى . ما سبق قد أسقط ورقة التوت الوطنية والثقافية التي كانت المدينة تباهي بها بقية المدن وأظهر أن التعليم والفهم الذي تمّيز به أبناؤها لم يكن سوى مجرد قشرة خارجية تحوّل إلى جهل وتهور وطيش وخفة عقل لم توازن بين المنافع والمضار ولم تقدم درء المفاسد – إذا وجدت – على جلب المصالح ، لقد هرب حمود سعيد وأسرته إلى تركيا بعد أن كون ثروة هائلة بالمتاجرة بدماء أبناء تعز مستغلا صدق بعض أبنائها وغباء الغالبية منهم وسذاجة الكثير من مثقفيها الذين جربوا المجرب في عام ٢٠١١ .