الخبر وما وراء الخبر

’داعش’ يدعو مسيحيي لبنان لمبايعة ’الخليفة إبراهيم’!

202

حمزة الخنسا

هذه المرّة لم يفسح الإرهابيون متّسعاً من الوقت أمام بعض “الزعماء اللبنانيين” لممارسة دورهم في الاستغلال السياسي للجريمة.

في وقت قياسي، ما بين فجر الاثنين ومسائه، نفّذ التكفيريون 8 تفجيرات انتحارية في بلدة القاع، أسفرت عن استشهاد 5 مواطنين وإصابة 28 آخرين بجروح، بينهم عسكريون.

بين الفجر والليل، تأكّد سمير جعجع أن القاع مستهدَفة، فحمل انطوان زهرا السلاح ممارساً حق الذود عن الأرض والعرض في وجه الأخطار. الحق نفسه الذي كانت “القوات” ومعها كل فريق 14 آذار، ينكرونه على لبنانيين آخرين يتعرّضون للأخطار نفسها.

قبل أن يقرّ جعجع بأن القاع مستهدفه، وقبل أن يُعيد فريقه السياسي – الإعلامي إطلاق “الأمن الذاتي” كخَيَار المرحلة المفضّل، كان تنظيم “داعش” الإرهابي يُعلنها جهاراً بأن “رعايا الصليب” في لبنان أهداف لانتحارييه ومفخّخاته. قبل أن يحاول جعجع وماكينته الإعلامية التسويق لفكرة أن الموجة الصباحية من تفجيرات القاع “لم تكن مقصودة”، في 12 آذار 2016، بثّ “المكتب الإعلامي لولاية الرقة” التابع لتنظيم “داعش”، تهديداً للمسيحيين اللبنانيين على لسان اثنين من عناصره اللبنانيين وقد كشفا وجهيهما على غير عادة التنظيم في المناسبات المماثلة، في تحدٍّ واضح.

لم يكن تهديد “داعش” للمسيحيين اللبنانيين مبنياً على اختلاف الطرفين حول قراءة المشهد السوري، ولا على موقف كل منهما من “الثورة السورية”. كان “داعش” واضحاً في الشريط الذي بث، إذ دعا “رعايا الصليب إلى التسليم لله والإيمان بنبوة محمد، كي يعصموا دماءهم وإلا فالجزية، وإن أبوا فلن يُعجزوا دولة الإسلام”.

طبعاً، ومن باب الدعوة، دعا التنظيم اللبنانيين في شريطه الى “بيعة الخليفة إبراهيم”، في إشارة الى زعيمه إبراهيم عواد إبراهيم علي البدري السامرائي الملقّب بـ”أبو بكر البغدادي”.

أكبر من استنتاجات جعجع المتقلّبة، يبدو استهداف القاع واقعاً ضمن دائرة الاستهداف الممنهج الذي درج التكفيرون على إحاطة لبنان بها. بحسب مصدر متابع، فإن حركة الانتحاريين في القاع لا تؤشر على وجود هدف واضح (نقاط تجمّع العسكريين أو نقطة الجمارك في المنطقة أو الكنيسة). يشير المصدر الى أن فارق الساعات الطويل نسبياً بين موجتي الانتحاريين الصباحية والمسائية، لا يسمح بالاجتهاد بوجود مخطط لدى الإرهابيين للإنتقال من منطقة القاع الى منطقة أخرى، متسائلاً عن “المنطق في انتظار وسيلة النقل في زمنين متفاوتين وفي نفس البلدة ذات البيئة المعادية والتي تشهد انتشاراً عسكرياً للجيش اللبناني أيضاً”.

كنيسة القاع

كنيسة القاع

تأتي أحداث القاع لتكون “استكمالاً تنفيذياً” لرسالة “داعش” التحذيرية التي طالب فيها مسيحيي لبنان بأن يعلنوا إسلامهم، فضلاً أن تهديده المستمر والمُعلن باستهداف لبنان بمسلميه ومسيحييه.

يعكس هذا النوع من العمليات نيّة “داعش” تعزيز حضوره في لبنان، من خلال إطلاق “عمليات الترويج الانتحارية”. فالتنظيم الذي اعتمد على التوسّع بـ”الرعب الإعلامي” المنشور بشكل مدروس حوله، استخدم أيضاً “الاستقطاب بالدم والقتل”.

مَن يُتابع حركة “داعش” جيداً، يلاحظ أن التنظيم الإرهابي هذا، وبعد كل عملية إنتحارية، يُشرّع أبوابه لتجنيد مقاتلين جدد وانتحاريين جدد.. في العراق خبِرُوه جيّداً.

يقف أهالي القاع وسكّانها في الطرف النقيض للقوى السياسية المسيحية التي تنطق باسمهم منذ اندلاع الأحداث في سوريا.

في تجارب سابقة، وقف أهالي القاع الى جانب الجيش والمقاومة لصدّ التكفيريين. مَن زار القاع متضامناً في اليومين الماضيين، سمع الكثير عن استعداد شبابها ورجالها وحتى نسائها للوقوف كتفاً الى كتف الى جانب كل مَن يحمل السلاح ضدّ التكفيريين. “القاعيّون” يدركون جيّداً أن لا حصانة دولية ولا تطمينات إقليمية يُمكنها ردع “داعش” وأخواته عن إرتكاب المجازر بحقهم.. يؤمنون بأن القوّة وحدها يمكنها فعل ذلك.

وعليه، يبلغ الشعور بالحذر والترقّب مستويات مرتفعة على كامل الأراضي اللبنانية. محاولات تخويف اللبنانيين من اللاجئين السوريين مستمرة، زادت اعتداءات القاع الأخيرة من حدّتها. في هذا الإطار يمكن فهم تصريح وزير الداخلية نهاد المشنوق، الذي قال إن الانتحاريين الذين هاجموا القاع أتوا من معاقل لهم على الأراضي السورية، وليس من أماكن تجمّع اللاجئين السوريين في لبنان.

يُمكن لهكذا تصريح أن يحمي اللاجئين من هجمات أو ردّات فعل انتقامية تحمل معها الكثير من العنصرية.

غير أن مصادر متابعة، تنبّه الى ضرورة الفصل بين اللاجئين السوريين والخلايا الإرهابية النائمة التي تستغل اسمهم وقضيتهم لتندسّ في صفوفهم. ترى هذه المصادر أن كلام المشنوق عن نقطة انطلاق الانتحاريين له ما يُناقضه عملاتياً، إذ من المستبعد أن يتمكن هذا الكمّ الكبير من الانتحاريين من التسلّل، وعلى مرحلتين، الى منطقة حسّاسة ومراقَبة بشكّل جيّد. أما إن صحّ كلام المشنوق، فإن الأمر المقلق أن تكون الثغرات الأمنية خطيرة الى درجة تُمَكّن 8 انتحاريين من التسلّل على مراحل يفصل بينها تفجير انتحاري، من المفترض أن تُشَدَّد الإجراءات الأمنية بموجبه. في حين تتعاظم المخاوف من أن تكون ساعة الصِفر قد حانت لتحرّك الخلايا الإرهابية النائمة في أكثر من منطقة.

نقلا عن موقع العهد